عندما ندمج العقل والآلة، تتلاشى الحدود التقليدية للذات، كما يقول الفيلسوف دفيجا ميهتا الباحث في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وفيلسوف العقل بمركز ليفرهولم لمستقبل الذكاء بجامعة كامبريدج.
في مارس، استطاع رجل مشلول يُدعى نولاند أربو لعب الشطرنج باستخدام عقله فقط، وأمكنه أداء المهام التي لم يكن يستطيع أداءها، بفضل غرسة الدماغ التي صممتها شركة Neuralink، المملوكة لإيلون ماسك.
وقال أربو: “يكفي أن أتخيل تحرك المؤشر”. “أحدق في مكان على الشاشة، فيتحرك المؤشر إليه.”
ويثور السؤال: من الذي حرك قطعة الشطرنج؟ أربو أم الغرسة؟
يقول ميهتا: ترمز تقنيات واجهة الدماغ والحاسوب (BCI) مثل Neuralink لحقبة جديدة في تشابك الدماغ البشري والآلة، وتلزمنا بإعادة التفكير في الهوية والذات والمسؤولية الشخصية.
إذا كانت الآلة تؤدي أعمالًا من اختصاص المخ، فهل تعتبر الآلة امتدادًا للعقل البشري؟
ناقش الفلاسفة حدود الشخصية: أين تنتهي أذهاننا، وأين يبدأ العالم الخارجي؟ نحن نفترض أن عقولنا تقع داخل أدمغتنا وأجسادنا. لكن بعض الفلاسفة يرون أن الأمر أكثر تعقيدًا.
في 1998، قدم الفيلسوفان ديفيد تشالمرز وآندي كلارك فرضية “العقل الممتد”، بمعنى أن التكنولوجيا قد تصبح جزءا منا. وبالتالي يستطيع البشر تفويض عمليات تفكيرهم للمصنوعات الخارجية، ودمج هذه المصنوعات بالعقل البشري. كان هذا قبل ظهور الهاتف الذكي، الذي أتاح لنا إلقاء مهام معرفية على عاتق أجهزتنا، بدءًا من تحديد الطريق وحتى الذاكرة.
هل غرسة أربو جزء من عقله متشابكة مع نواياه أم لا؟ هذا يطرح أسئلة حول مدى تحكمه الحقيقي في أفعاله.
عملياتنا العقلية، تشمل أفكارنا ومعتقداتنا ورغباتنا وتخيلاتنا وتأملاتنا ونوايانا. أما الأفعال فهي التصرف بناءً على هذه العمليات، كالضغط بالأصابع على لوحة المفاتيح.
هذا يثير المخاوف، فمن يستخدم غرسة دماغية لزيادة قدراته هل يسيطر تنفيذيًا على أفعاله مع واجهة التواصل بين الدماغ والحاسوب (BCI). أدمغة البشر وأجسادهم تنتج أفعالًا لاإرادية، كالعطس والحماقة واتساع حدقة العين، فهل تبدو الغرسة وكأنها دخيل طفيلي ينتهك قدسية الإرادة؟
تلك هي معضلة التأمل. في حالة أربو، فإنه يتخطى حركة يده التي تنقل قطعة الشطرنج. ماذا لو فكر في نقل بيدقه للخانة 3، لكنه غير رأيه في جزء من الثانية وفضل نقله للخانة 4؟ ماذا لو كان يفاضل في خياله بين احتمالات، و فسرت الغرسة أحدها بالخطأ على أنها نية؟
المخاطر منخفضة على رقعة الشطرنج، ولكن إذا أصبحت هذه الغرسات أكثر شيوعًا، فستصبح قضية المسؤولية الشخصية أكثر خطورة. ماذا لو لحق الأذى الجسدي بشخص آخر نتيجة لإجراء يتم التحكم فيه بواسطة الغرسة؟
هذه ليست المشكلة الأخلاقية الوحيدة، فعدم إيجاد حل كامل لمعضلة التأمل، وغيرها، يجعل عالمنا مريرًا ويذكرنا بحكايات الخيال العلمي.
في علم الأعصاب، يكون التمييز بين الخيال والنية شبه مستحيل. وغرسة الدماغ، فتحت بابًا جديدًا للمناقشات الفلسفية حول الحدود بين العقل والآلة.