وكتبتك حينها..
في عداد الجرحى.. في عداد الأسرى..
وعلى سبيل الاحتياط.. في عداد الذين قَضَوا وهم على قيد العبور إلى المجهول..
وإمعانا في الحرص.. كتبتك في الذين وُقفوا رهن الاعتقال بلا سبب..
ظنا مني بأني وطأت منطقة مقدسة.. لا يعبرها المرء واقفا..
كيف.. كيف..
وفي ذمة الريح ألف شتات.. كل منها بعضي حين مضى..
كتبتك، وكتبتك، وكتبتك..
ولم أكن أتوقع أنك بكل هذا العمق.. وبكل هذا الثقل..
كتبتك.. منذ أول سكون.. حتى آخر تمرد..
حتى آخر انقلاب..
لم أكن أعرف أنك أكبر من متاعب اللغة، ومساغب الأرقام.. أعمق من فاقات الحروف، وعثرة المجازات..
أسبق من التردد.. وأصعب من النطق..
أكبر من الفواصل والنقاط وعلامات الترقيم..
لم أكن أعي أن ثمانية وعشرين حرفا.. لا تملك القوة لتكتبك كما ينبغي..
كل ذلك الأسى هنا.. كل تلك الحرائق..
وكما تشعلينها وحدك.. ما زالت لديك القوة لإطفائها وحدك..
بكلمة.. بإيماءة.. وربما تلويحة بإصبعين..
وكأنما تودعين ريشة تحملها الريح إلى منفى لم يسكن خريطة الإدراك بعد..
ياه لذلك الكم الهائل من الصمود فيك.. من الجمود.. ومن التحمل..
تخوضين ملايين المعارك.. ثم تعودين..
محملة بالغنائم.. بالفرسان والجياد والسهام..
تعودين.. بأسماء المفقودين.. وتلك العقدة التي يتلكأ عندها الجرح.. ويلتئم..
وعهدة الريح من بقايا الدماء..
تعودين.. محملة بالحطابين والفئوس وجثث الأشجار.. وأساطير الغناء على شرف الهزائم..والبكاء على أحلام العودة المسكوبة..
تعودين حتى، بتلك الكثبان التي أثارت الزوبعة..
ثم..
بلا اكتراث..
تطوين الأمس، وتسترخين في مقعدك الأثير..
ويُتْمُ المشاعر خلف الستائر ينتحب..
فتغلقين شبابيك الذاكرة لتنامي..
وعلى زجاجها.. يتساقط أحدهم مطرا.. لا يعجبك هطوله.. ذلك الذي لا يُسمن قلبك ولا يغني من جوع..
ذلك المزدحم بتاريخ غير الذي نام عاريا على ضفافك..
حلما على قيد التدوين..
لا يروقك أن ينافس زحامه فراغك..
ذلك الذي يمسح عن المرايا عَرقَ الصور..
وتلك الملامح الهاربة من ثأر النسيان..
كوني مطمئنة..
فتلك الدالية هنا؛ لم يعد يسقيها ماء الحضور المالح..
بقدر ما يعتني بها ظمأ الغياب..
ذلك الذي اجتهد كثيرا..
ليصنع موتا.. يليق بكل الإسراف..
وكل هذا البذخ..
ذلك الذي أذهب إليه غير مكره..
لكنني ما زلت أكره تلك الأنصاف التي تصنعينها لي كل يوم..
الأنصاف التي تترك غصة خانقة في منتصف الحلق.. لا هي تذهب..
ولا هي تبقى..
وتهب موتا.. تذهب إليه الأحلام طائعة..
ولم تغادر الروحُ بعد..
لله جُرحك ذاك..
كم سخي.. لدرجة السفه..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..