عندما تمطر السماء تصحو الطفلة التي بداخلي وتتجول في أزقة الحي راكضة والقهقهات تسبقها في النشوة.. تدور حولي فاتحة ذراعيها تستقبل حبات المطر بجنون.
عندما تمطر السماء تسترجع ذاكرتي حكايات الصبابة؛ حيث شجرة الكافور تفترش أمام الدار، تعانق الأفق بشموخ الأجداد.. هناك ترعرعت الفراشات في حضن النرجس، واستنشقت نداوة البكور، ولما كبرت مضت مع أجنحة الرياح تفتش في الأرجاء عن فارس أحلامها..
عندما تمطر السماء تغتسل نافذتي من آفات النظرات المختلسة، وأضواء قناديل الشارع تُخفِت إضاءتها كي يتأمل ذاك العاشق وجه محبوبته التي تقف خلف شرفة الانتظار.
عندما تمطر تتجشأ السماء بروق شاردة، وتبتسم السنابل الشاحبة، وتعلو النضارة تقاسيم وجهها الآيلة للضمور، وقرب مواسم التبرعم تزهر خدودها خجلًا وتتمايل على عزف النسيم..
عندما تمطر سترقص روحي مع تموجات دموع السماء الساقطة على صدر الطرقات الخالية.. آهِِ من سيمفونية السقوط في الليالي المقمرة تطفىء لهيب شوق التراب..
عندما تمطر السماء سأترك لدموعي عنان التدفق على سطور الغياب، ولخدودي الغرق بين مياهها الحزنى؛ حتى لا تراها عين الشماتة وأنياب التبسُّم..
يكفي أن يهطل الغيث لتولد حياة تبعثر السواد المركوم في نفس مكتئبة وينثر عطر السعادة على ملامح البؤساء في زمن مغبَّر بالحروب..