“سيده مصريه بهذا القدر من المثابره وفعل الخير لم تتناول سيرتها الصحف او الاعلام كمثال يحتذى بدل الاشكال اللى مايعلم بها غير ربنا من الممثلين والمطربين وغيرهم والبرامج والافلام الهابطه”.
تلك الكلمات ذات المغزى علق بها أحد مستخدمي الفيس بوك على موضوع عن سيدة مصرية رائدة تجاهلها الإعلام مثل غيرها من بناة مصر في العصر الحديث.
وهناك تعليق اخرعلى الموضوع ذو مغزى هام يقول :” شكرا لكاتب القصة ويا ريت اللي يعرف قصص مشابهة ينشرها هكذا علشان الأجيال الشابة وكل مصر تعرف وتتعلم من تاريخنا اللي لازم يشوف النور وينشر ولو بعد زمن شكرًا مرة اخري”.
والسيدة المقصودة هي الدكتورة هيلانة سيداروس أول طبيبة مصرية وعربية وأول دكتورة مصرية تتخصص فى أمراض النساء والولادة وأول دكتورة مصرية أجرت عملية قيصرية للتوليد وأول سيدة تقود سيارة في مصر. ووصفتها موسوعة ويكيبيديا قائلة :” د. هيلانة سيداروس شخصية مصرية أضاءت مسرح الأحداث في الثلث الأول من القرن العشرين وأثرت بصدق في مجرى الأمور واستطاعت بإرادة جديدة أن تحرك القوى الكامنة لدى الناس وساهمت بوعى وفكر مستنير في إطلاق طاقتهم المبدعة”.
ولدت هيلانة بمدينة طنطا في 13 يناير 1904 في وقت كان تعليم البنات نادرا ، ومن تتعلم يقتصر تعليمها حتى السنة الثالثة الابتدائية فقط. فالتحقت بالدراسة الابتدائية بكلية البنات القبطية وهي في سن الثامنة ، ونظراً لتفوقها في دراستها وتمتعها بذكاء شديد أرسلها والدها للالتحاق بالقسم الداخلي بمدرسة السينية بالقاهرة ثم التحقت بعد ذلك بكلية إعداد المعلمات إذ لم يكن أمامها اختيار آخر حيث كانت الوظيفة المتاحة للمرأة في ذلك الوقت التدريس فقط . وبعد أن أنهت دراستها بالسنة الثانية بكلية إعداد المعلمات تم ترشيحها لبعثة حكومية للسفر إلى إنجلترا لدراسة الرياضيات.
وكانت أسرتها تتميز بالشجاعة ووافقت على سفرها متحدية التقاليد التي كانت ترى بجلوس البنت بالبيت حتى تتزوج. وفي عام 1922 سافرت هيلانة إلى لندن لدراسة الرياضيات ، وبعد أشهر قليلة من الدراسة طلبت من الملحق الثقافي المصري هناك العودة الى مصر لان الدراسة لا تمنحها مؤهلا جامعيا فاقترح عليها الملحق الثقافي تغيير المسار بدراسة الطب فوافقت ، والتحقت بمدرسة لندن الطبية للنساء مع خمس مصريات اخريات، واجتازت فترة الدراسة بنجاح وتفوق وفي عام 1929 أصبحت طبيبة مؤهلة لممارسة مهنة الطب وهي تبلغ من العمر 25 عاماً
وتقول د. سلمى جلال و د. أنجيل بطرس في كتاب (مصريات رائدات ومبدعات) :” عادت هيلانة إلى مصر عام 1930 ومعها شهادة الطب والتوليد من الكلية الملكية البريطانية والتحقت للعمل بمستشفى كيتشنر بالقاهرة. في ذلك الوقت كانت الطبيبة المقيمة بالمستشفى إنجليزية وبعد أن عادت إلى وطنها شغلت د. هيلانة مكانها بكفاءة”.
وذكرت د. سلمى جلال أنه فى عام 1935 انتهت الفترة الإلزامية التي ينبغى أن تقضيها في المستشفى، فشجعها الدكتور عبد الله الكاتب على فتح عيادتها في باب اللوق بالقاهرة وفي نفس الوقت كانت تقوم بعمليات الجراحة والتوليد بالمستشفى القبطى بالقاهرة بطلب من الدكتور نجيب باشا محفوظ رائد علم أمراض النساء والتوليد بمصر( والتي تناولنا سيرته في مقال سابق ).
وكشف الدكتور طارق علي حسن الذي ولد على يد الدكتورة هيلانة في كتاب (لمحات من رحلة المرأة المصرية) أنه كان يتم استدعائها – في منتصف الليل – لمساعدة سيدة على وشك الولادة، فكانت تقود سيارتها الخاصة بنفسها متحدية التقالد وتذهب لمنزل السيدة. واوضح أنها اعتزلت الطب وهي في سن 70 عاما خوفا على مرضاها من تأثير الشيخوخة وتفرغت لترجمة الكتب خاصة للأطفال.
رحم الله الدكتورة هيلانة سيداروس التي توفيت 15 اكتوبر عام 1998 عن عمر يناهز 94 عاما بعد مسيرة عطاء ثرية شاركت خلالها في النهضة الطبية وفي الوعي الاجتماعي كقدوة لمئات من الطبيبات بعدها وفي المسيرة الوطنية بمساهمتها في الكفاح ضد الاحتلال الانجليزي، وفي النهضة الثقافية بالترجمة.