أسباب عديدة جعلت انفجار السادس من أكتوبر 1973 يهز أركان إسرائيل, ويصيب الدول الداعمة لها بالصدمة والهلع, ليس فقط لعبقرية المصريين فى التخطيط لعمليات أكتوبر, ولاللقدرة الفائقة التى أظهرها المقاتل المصرى فى تنفيذ المهام القتالية , ولكن أيضا لعنصر المفاجأة والتغلب على المعوقات الثلاثة : قناة السويس, وخط بارليف الحصين, والساتر الترابى بطول الضفة الشرقية للقناة, وهو ما أدى إلى إصابة الحكومة الاسرائيلية بالارتباك, وجعلها تتأكد من عجز أجهزة استخباراتها عن جلب المعلومات وشل القادة العسكريين فى تقدير الموقف بشكل صحيح, ومن ثم إنهيار تظرية الأمن الاسرائيلى, والشعور بالهزيمة والخوف من الانهيار بعد أول موجة هجوم مصرية.
وقبل الدخول فى تفاصيل أول يوم قتال فى حرب أكتوبر 1973 وفقا ليوميات المشير محمد عبد الغنى الجمسى وغيره من القادة العسكريين, فإن اللافت فى هذه الحرب أن العديد من الأجيال المعاصرة لم تستوعب حتى الآن عبقريتها ولا تأثيراتها الجذرية وقت اشتعالها, فضلا عن تأثيراتها الإيجابية العميقة على مصر والمصريين طوال الخمسين عاما الماضية وهو ما يستوجب استعراض بعضها فى النقاط التالية:
- إن حرب أكتوبر جعلت الشعب المصرى يتأكد من أن هزيمة 1967 كانت مجرد مؤامرة وحرب خاطفة ساهم فيها الغرب لتقويض دور مصر الإقليمى والدولى.
- إن هدف حرب 1967 لم يكن فقط إضعاف الجيش المصرى, وإنما ضرب مشروع جمال عبد الناصر التنموى والذى تأثر بالفعل بعد توجيه ايرادات الدولة لصالح المجهود الحربى .
- إن حرب أكتوبر لم يقتصر تأثيرها على الجانب العسكرى فى تحقيق النصر على اسرائيل والتأكيد على قوة وبراعة الجيش المصرى, وإنما ظفرت مصر من هذه التجربة بتجسيد معانى الإرادة الوطنية وقدرتها على تحويل الهزيمة لنصر مهما كانت المعوقات والتحديات.
- كان لنصر أكتوبر 1973 تأثيره الكبير فى تعامل مصر مع التحديات التى واجهتها فى العقود التالية, وتجسدت روح أكتوبر فى القضاء على الإرهاب, والحفاظ على مؤسسات الدولة بعد أحداث يناير 2011 , ثم اشعال ثورة 30 يونيو 2013 ضد جماعة الإخوان الإرهابية وإخراجها من المشهد نهائيا.
- إن الجيش المصرى بعد إدائه العظيم فى حرب أكتوبر 1973 نجح فى الحفاظ على معدلات الأداء القتالية وحرص على التطوير المستمر فى التدريب والتسليح, وهو ماهيأ له الحفاظ على الدولة المصرية وقت الأزمات, ومنع تنفيذ مخطط تقسيم المنطقة.
نعود لأول يوم قتال فى حرب أكتوبر 1973 أو الانفجار الذى هز أركان اسرائيل, فقد تتابعت الأحداث فى هذا اليوم بشكل مثير, واشتملت على مفاحآت استراتيجية وتعبوية وتكتيكية, ومفاجأة فنية وهندسية غير متوقعة وأعمال قتال غير نمطية وتحققت نتائج إيجابية حددت مسار الحرب فى المرحلة الافتتاحية لها.
يقول المشير الجمسى: إنه فى تمام الساعة الثانية وخمس دقائق يوم السادس من أكتوبر 1973 عبرت أكثر من مائتى طائرة مصرية خط جبهة قناة السويس متجهة إلى عدة أهداف اسرائيلية محددة, وهاجمت طائراتنا ثلاث قواعد ومطارات وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز هوك وثلاثة مراكز قيادة وعددا من محطات الرادار ومرابض المدفعية بعيدة المدى, وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعدية فى سيناء تتم فى وقت واحد بعد أن أقلعت الطائرات من المطارات والقواعد الجوية المختلفة وطارت على ارتفاعات منخفضة جدا فى خطوط طيران مختلفة, لتصل كلها إلى أهدافها فى الوقت المحدد لها تماما.
وفى نفس الوقت الذى كانت قواتنا الجوية تهاجم أهدافها فى عمق سيناء وتصيبها بدقة كان هناك نحو ألفى مدفع على طول جبهة القناة من مختلف الأعيرة ومجموعة من الصواريخ التكتيكية أرض- أرض تفتح نيرانها ضد الأهداف الاسرائيلية فى حصون خط بارليف وما خلف هذا الخط من مواقع المدفعية واستمر القصف 53 دقيقة, وكانت نتائج هذا التمهيد النيرانى مؤثرة بشكل فعال أوقعت بالقوات الاسرائيلية خسائر كبيرة فى المعدات والأرواح, وأربكت القيادة الاسرائيلية, وهو مامهد لعبور قواتنا قناة السويس وصعود الساتر الترابى, والدخول فى قتال عنيف ضد قوات العدو بحصون خط بارليف.
- تألقت المدفعية المصرية فى حرب أكتوبر وقدمت أرقى فنون القتال والقصف بالمدفعيات والصواريخ(أرض- أرض) بقيادة الفريق محمد سعيد الماحى قائد المدفعية المصرية فى حرب أكتوبر, حيث بدأت المعركة بالتمهيد النيرانى والقصف المتواصل الذى استمر ثلاثا وخمسين دقيقة فى أخطر لحظات الهجوم بعد عودة القوات الجوية من ضرباتها الأولى, وفوق الأرض كانت أرتال المشاة والقوات الخاصة تعبر القناة, وعلى طول جبهة القتال كان هناك 2000 مدفع وأعمال قتالية تضمنت 5عمليات قصف مدفعية, القصف الأول استغرق 15 دقيقة لتأمين عبور جماعات اقتناص الدبابات لتصل إلى مكانها, والقصف الثانى استغرق22 دقيقة لتأمين عبور القوات المهاجمة للاستيلاء على الساتر الترابى, مما منع العدوالاسرائيلى من استخدام نيرانه فى المواقع الحصينة وأصابها بالشلل, الأمر الذى مكن القوات المقتحمة المصرية من عبور قناة السويس دون خسائر وتجاوز الساتر الترابى والوصول إلى عمق سيناء , كما تمكنت صواريخ المدفعية المضادة للدبابات المحمولة على الكتف من عبور القناة فى الموجات الأولى, ودمرت المدرعات ومناطق تشوين الذخيرة وحشد الدبابات المعادية والاحتياطيات القريبة خلال الأيام الأولى للحرب, ومنعتها من التقدم لنجدة المواقع الحصينة, وكذلك تأمين قوات المهندسين خلال إنشاء الكبارى العائمة وإسكات مدفعية العدو, ومنعها من وصولها إلى أهدافها, وتقدمت تشكيلات وجماعات المدفعية المصرية عابرة يوم 6أكتوبر إلى سيناء فاتحة نيرانها رافعة رايات النصر.