73عاما بين تفشي الكوليرا في مصر عام 1947 وكورونا هذا العام .. اختلف تعامل الدولة باختلاف المتغيرات والتقدم الطبي والتوعية الإعلامية ومستوي التعليم واتساع المدارك ووجود فضائيات تحذر وتدرب .. وشركة طيران وطنية خافت علي أهلها ونقلت مواطنيها وهو ما لم تفعله دول مثل ليبيا والسودان وإثيوبيا وتشاد وغيرهم وتركوا مواطنيهم ينامون في المطارات علي أمل ويستيقظون علي لا جدوي!
أزمة أو حرب مختلفة تساوت فيها الدول الغنية والفقيرة .. الشمولية والديموقراطية ..فقد تكون ثرياً ومعك كل التكنولوجيا الحديثة علي هاتفك المحمول أو التابلت وفي محفظتك عدد من كروت الائتمان ثم لا تجد فندقاً تنام به أو مطعماً تأكل فيه أو تجد مقعدا علي طائرة..
لقد تابعت الإصابات في العالم كله في صحف غربية ومحطات وشاشات تليفزيونية …في البداية اصطبغت الأخبار بالموقف السياسي فقد عزا الإعلام النكبة إلي ديكتاتورية الصين وإخفائها الأزمة لفترة .. لكن الأيام أثبتت أن الديموقراطيات الكبري أصيبت بالهلع أيضاً وزاد عدد ضحاياها مقارنة بعدد السكان .. فمثلاً توفي في إيطاليا اعداد تقارب الصين بينما اقتصرت وفيات كوريا الجنوبية التي تقل نسبياً عن بلد الفاتيكان (50 مليون نسمة) حوالي 94شخصاً فقط حتي 19 مارس.. هنا يلعب التقدم التكنولوجي والتأمين الصحي الشامل دورا في احتواء الأزمات .. فقد أعلنت روما وسيول معا اكتشاف المرض في أواخر يناير الماضي .. توفي في كوريا 67 من إجمالي 8000 حالة إيجابية وذلك بعد فحص أكثر من 220 ألف شخص وبالمقابل مات في إيطاليا 827 من إجمالي 12 ألف حالة إيجابية وذلك بعد فحص 73 ألف شخص فقط .. هنا لابد أن نسأل لماذا جاء الفارق لصالح كوريا .. الحقيقة أن كوريا طبقت إجراءات اكثر تشددا من إيطاليا وتقول إنها استفادت من أعراض ما سمي بأنفلونزا الشرق الأوسط التي اندلعت عام 2015 ..
بالتالي فقد خضع كل مواطن في كوريا الجنوبية لبرامج اختبار شاملة حتي لأولئك الذين يعانون من أمراض لا علاقة لها بكورونا مثل المصابين بضغط الدم وأمراض القلب والسكري..
نظام التأمين الصحي في كوريا متقدم مثلما هو الحال في إيطاليا , لكن التقدم التكنولوجي في كوريا ساعد السلطات علي أن تكون كل بيانات السكان الصحية والفئات العمرية مدونة علي التليفونات المحمولة .. الأكثر تطوراً أن المصاب أو المشتبه بأنه يعاني الأعراض يبلغ السلطات من خلال رقم مختصر ويكون الرد عليه بالتوجه لأقرب مستشفي بها سرير خال , حيث يسمح النظام بأن تكون كل الطاقة الاستيعابية للمستشفيات بجميع أقسامها موجودة علي قاعدة بيانات كبيرة منذ عام 2000 ولم يكن ذلك تحسبا لوباء أو مرض تفشي فجأة ولكنه مصمم لنقل المتوفين في حوادث الطرق بالطائرات الهليكوبتر بسرعة إلي أقرب مستشفي يوجد به مريض ينتظر إجراء زراعة قلب أو كبد أو كلي وذلك في حالات الطوارئ ..
هذا النظام جعل أعداد الوفيات تقل عما كانت في منتصف فبراير الماضي ومع ذلك مازالت السلطات هناك في حالة طوارئ قصوي استلزمت نظاما لتوزيع الكمامات بحيث لا يسمح لمواطن واحد بالحصول علي أكثر من كمامة ولا يحصل علي أخري إلا إذا قدم التي تلفت .. ونتيجة لهذا التدقيق رفعت امريكا حظر التجول الذي فرضته علي جنودها في كوريا..
تقول صحيفة الواشنطن بوست في “تلقيح” علي الصين ولكنه حقيقي .. أن الديموقراطية في كوريا الجنوبية أقوي من الحكومة والأحزاب والبرلمان والشعب سريع في إظهار غضبه واحتجاجه إذا ما احس بأي تقصير في أي ناحية من نواحي الحياة .. ونتيجة للوعي المتزايد للشعب والشفافية في وسائل الإعلام والتصريحات الحكومية فإن نظام العزل الإجباري يطبق علي المصابين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الوظيفة .. الكوريون لا يعترفون بمسألة المناعة لدي الشباب أكثر من كبار السن .. صحيح أن نسبة الأطفال المصابين في كل دول العالم ضئيلة بالنسبة لكبار السن , إلا أن أي طفل في كوريا تظهر علي أي من أفراد أسرته المخالطين له أي أعراض , يتم عزله أيضاً بلا تهاون .. والدليل علي دقة التتبع في كوريا الجنوبية ان سيدة (61 عاما) ظهرت عليها أعراض المرض ولم تكن ذهبت للصين أو لها علاقة بـ ووهان حيث انتشر المرض ..
تم فحص بياناتها واكتشفوا انها تتردد علي كنيسة وفورا تم فرض العزل عليها رغم أن الفيروس لم يكن قد تحول لوباء بعد لأنها أصيبت به في 20 يناير ومع ذلك تم ممارسة أقسي إجراءات علي رواد الكنيسة التي اتضح ان 69% من الإصابات جاءت منها ..
وعلي الفور تم إنشاء 50 مركوا للفحص علي كل الطرق السريعة واستتبع ذلك إقامة 130 مركزا للطواريء وإعطاء ضباط ومسئولي الحجر الصحي سلطة قضائية تخولهم مصادرة سيارة المصاب وتعقيمها ونقله قسرا إلي أقرب مركز..
البلاء ليس فيه هزار أو تهاون أو استظراف .. الأسبوع الرابع حاليا هو أهم أسبوع في الحرب .. لا نريد أن نفعل مثل إيطاليا التي منحت الجميع أجازات فتدفقوا علي المولات والنتيجة أن من يستحق الوضع علي جهاز التنفس الصناعي أصبح بالقرعة .. حفظ الله مصر..