أن العالم لن يكون هو نفسه ما قبل وباء فيروس كورونا الذي اجتاح العالم .ولأن الأجيال التي تعاصر كورونا وتعايش سيرته ومسيرته وفتكه بالبشر، لم تعش وباء مماثلا، صحيح أنها عايشت حروبا مدمرة في البلدان العربية
فتكت وأحرقت وغيرت وقسمت، لكن ما تراه هو غريب ومفاجئ؛ ومن ثم سيخلق هذا الاجتياح أدبه ومنظومته وسياقه المختلف. فسيكون هناك اهتمام بأدب الأوبئة، وسيعاد طباعة ما تركه الأسبقون من الأسلاف وهو كثير في أدب الوباء .
ومثلما سيكون هناك تغيير في الأنظمة السياسية وموازين القوى، وستتولد لغة سياسية جديدة؛ فبالتالي ستولد حتما لغة أدبية ونقدية جديدة وسينسحب ذلك على السينما في العالم. وسيتغير سلوك الناس مع أنفسهم والمحيط الذي يعيشون فيه.
كما ستكون هناك سياسة جديدة في التعامل مع الكتاب الورقي الذي شلت حركته تماما في ظل حبس الإنسان أينما كان في بيته سيبحث أصحاب القلم عن طرائق جديدة للعيش، خصوصا أنهم رأوا الموت يمكن أن يحصدهم في أية لحظة، مثلما فعلت الكوليرا والطاعون قبل ذلك .
سنكون أمام أدب جديد حيث ستسقط رأسماليات كثيرة، وتتهاوى نظريات ومفاهيم أكثر، وسيكثر الاهتمام بالفرد .وسيأخذ “كبار السن” مواقف متطرفة تجاه دولهم، بعدما تمت التضحية بهم في الغرب وأميركا باعتبارهم زوائد حان موتها، والالتفات فقط إلى الشباب .
ما أنا متأكد منه أنني شخصيا تغيرت، وصارت نظرتي إلى نفسي وإلى الحياة والعالم مختلفة، وأتصور أن هذا التغير سيطول آخرين في العالم.
الناس فعلا محبوسة، قبل ما تكون محبوسة داخل بيوتها محبوسة في عالم افتراضي، محبوسة داخل جدران هواتفها الجوالة. التغيير في الحبس الجديد و لن أقول الحجر الصحي لأن الناس محبوسة مرغمة و بأمر من الدولة، محبوسة مع أهلها
و كأنها محبوسة مع كائنات من فضاء، محبوسة مع اغراب، طبيعي هذا الإحساس لان الغربة استقرت في النفوس كلنا مع بعض من غير ما نكون مع بعض. الحجر الصحي اظهر عيوب مجتمعية بل هي تشوهات:
الآباء و الأمهات عاجزين على البقاء مع أولادهم و لو في فرصة يتخلصوا منهم لن يترددوا السبب أن دور الأسرة في التربية و التعليم اندثر و اصبح هذا من اختصاص المدارس و الجامعات التي بدورها أصبحت مجرد حضانات تستقبل فيها اولادنا لكي نخفف فقط من حدة ازدحام المقاهي و الشوارع لفترة زمنية محددة ثم يعود التكدس لدورته العادية.
الأزواج بالنسبة لهم زوجاتهم هو الجاثوم الحقيقي فينتظرون بفارغ الصبر انتهاء الحجر الصحي قصدي الحبس الإجباري و بالنسبة للسيدات فأزواجهم هو الكائن الدخيل الذي يتدخل في تفاصيل تافهة و يصبح شيء غريب في ديكور البيت.
الحجر الصحي للأمانة جاء في وقته لكي يصحح وضع أسري و مجتمعي محتاج تدخل جراحي و عمليات تجميل و جلسات علاج نفسي لكي تعود قيمنا و أخلاقنا من جديد
اليوم بتنا جميعاً عرضة لنصائح متكررة تتلخص بتجنب الأماكن المزدحمة ومحاولة البقاء في المنزل قدر المستطاع وإلغاء رحلات السفر غير الضرورية، إضافة إلى التوقف عن العناق والمصافحة والتقبيل، والانعزال في المنزل بحال الشعور بأعراض المرض، أي مرض.
إلا أن هذا يعني بالمقابل تراجعاً في فرص لقاء أناس جدد بالصدفة أو بتخطيط مسبق، وتراجع فرص بدء مغامرات عاطفية وإيجاد الشريك المناسب، كما وضع فكرة المواعدة على المحك. فيروس كورونا استطاع أن يفعل ما لا تستطيع حكومات ومؤسسات فعله، فكان سبب في إلزام الجميع بالبقاء في المنزل
، فذلك ملاذك الوحيد كي تنجو من العدوى التي لا تعرف من أين تأتي إليك ومن أي مكان أو أي شخص، دون تفرقة بين كبار أو صغار شباب أم أطفال وحتى كبار السن الأكثر عرضة لعدوى كورونا.
تكاد رؤى وأفكار المثقفين والأدباء على اختلافها أن تجزم بأن تغييرات كبرى ستطال الإنسانية فيما بعد الخلاص من جائحة كورونا، وما كشفته من ثغرات وأخطاء قاتلة في التوجهات العالمية، فكثيرون منهم انشغلوا بضرورة وأهمية وقف الحروب والصراعات وما تستتبعه من صناعات مدمرة للإنسانية والتوجه إلى العلم والتعليم وحماية استقرار وسلام البشرية وطبيعتها، وذهب بعضهم إلى أن الكثير من المفاهيم والأفكار
.سوف تسقط استعدادا لصعود آخري ليس في الثقافة والأدب والفنون وحدها ولكن أيضا في السياسة والاقتصاد والنفوذ الدولي، ووجد بعضهم أن هذه الجائحة أتاحت لهم الفرصة للهدوء واستعادة روح القراءة والإبداع.. وهناك نأتي برؤى وأفكار الحلقة الثانية من تحقيقنا “المثقفون العرب في مواجهة كورونا”.
أن دور المثقف في هذه الأزمة يبدو باهتا ولا حضور له لا لشيء سوى أن كل الأجهزة تعمل الآن عمل الثقافة. فالمواجهة مع شبح الموت المسمى كورونا لا بد أن تكون ثقافية، حيث تقوم على الوعي والتفكير والمعرفة والتحليل والاستنتاج والاستشراف أيضا.
المواجهة تقوم هنا على الاستنارة ومن ثم تمت مواجهة السلفيين الذين خرجوا في مظاهرة ليلية مكبرين كي يقضوا على الفيروس، مستمدين تراثهم العريض في مواجهة الظواهر الكونية التي لا يعرفون أسرارها، مثل الخسوف والكسوف والجفاف وغيرها بالتكبير والصلاة.
وهذا هو المنهج الديني في مواجهة المنهج العلمي. وكان لا بد من الانتصار على المنهج الديني لأنه لا يستطيع مواجهة الواقع بقدر ما يغيب أصحابه عن الواقع ومشكلاته وطرق حلها بالوعي والمنطق. وشهدت أزمة كورونا أكبر انتصار ثقافي على الأساليب الدينية ووعيها المنتمي للعصور القديمة.
أن ثمة تجليات ثقافية على مختلف فئات وأطياف البشر في شتى انحاء العالم، وأن عولمة الترفيه والمال والاقتصاد صنعت أيضا عولمة المرض وعولمة الوعي به وطرق مواجهته، أصبح الجميع مثقفا في الفيروسات والبكتيريا والأحماض ومواد التنظيف وأدوات الوقاية وطرق النظافة وأدواتها. أصبح الجميع بدرجة ما حاصلا على مستوى جيد ثقافيا.
. تساوى في ذلك المقيمون في القرى مع المقيمين في المدن. والمقيمون في العالم الثالث مع المقيمين في العالم الأول. وهذا أكبر انتصار حدث للوعي الثقافي بمعناه العام. لكنه لم يحدث للمثقف في حد ذاته.
فالمثقف بمعناه المعتاد توارى لصالح الأطباء والإعلاميين وخبراء الفيروسات واصحاب التجارب الحية والمباشر. ومن ثم ظهرت أدوات ووسائل وأطراف ثقافية جديدة لم تكن معهودة. أن دور المثقف في هذه الأزمة يبدو باهتا ولا حضور له لا لشيء سوى أن كل الأجهزة تعمل الآن عمل الثقافة. فالمواجهة مع شبح الموت المسمى كورونا لا بد أن تكون ثقافية، حيث تقوم على الوعي والتفكير والمعرفة والتحليل والاستنتاج والاستشراف أيضا. المواجهة تقوم هنا على الاستنارة ومن ثم تمت مواجهة السلفيين الذين خرجوا في مظاهرة ليلية مكبرين كي يقضوا على الفيروس، مستمدين تراثهم العريض في مواجهة الظواهر الكونية التي لا يعرفون أسرارها، مثل الخسوف والكسوف والجفاف وغيرها بالتكبير والصلاة.
وهذا هو المنهج الديني في مواجهة المنهج العلمي. وكان لا بد من الانتصار على المنهج الديني لأنه لا يستطيع مواجهة الواقع بقدر ما يغيب أصحابه عن الواقع ومشكلاته وطرق حلها بالوعي والمنطق. وشهدت أزمة كورونا أكبر انتصار ثقافي على الأساليب الدينية ووعيها المنتمي للعصور القديمة.
أن ثمة تجليات ثقافية على مختلف فئات وأطياف البشر في شتى انحاء العالم، وأن عولمة الترفيه والمال والاقتصاد صنعت أيضا عولمة المرض وعولمة الوعي به وطرق مواجهته، أصبح الجميع مثقفا في الفيروسات والبكتيريا والأحماض ومواد التنظيف وأدوات الوقاية وطرق النظافة وأدواتها. أصبح الجميع بدرجة ما حاصلا على مستوى جيد ثقافيا. تساوى في ذلك المقيمون في القرى مع المقيمين في المدن.
والمقيمون في العالم الثالث مع المقيمين في العالم الأول. وهذا أكبر انتصار حدث للوعي الثقافي بمعناه العام. لكنه لم يحدث للمثقف في حد ذاته. فالمثقف بمعناه المعتاد توارى لصالح الأطباء والإعلاميين وخبراء الفيروسات واصحاب التجارب الحية والمباشر. ومن ثم ظهرت أدوات ووسائل وأطراف ثقافية جديدة لم تكن معهودة.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان