أخذ فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على عاتقه تنفيذ برنامجًا إصلاحيًا شاملًا، وفي القلب منه بناء الإنسان الذي شكل أهمية بالغة، وفي ضوء ذلك تبنت الدولة في عهد القيادة الرشيدة فلسفة واضحة في التصدي للقضايا بمختلف تنوعها بحلول جذرية، وندرك أن مخرجات التعليم في العقود المنصرمة خلفت آثارًا تسببت في تفاقم البطالة وفقدان استثمار الطاقات البشرية وتعطل وتضرر العديد من مجالات العمل والإنتاج، ومن ثم سعت الدولة من خلال استراتيجيتها إلى تبني صيغ مبتكرة سواءً في التعليم، أو التدريب، أو إعادة التأهيل، بما يسهم في التنمية بمجالاتها المختلفة ويساعد في خلق مجالات للعمل غير محدودة تستوعب كافة الطاقات المعطلة وتحدث نقلة نوعية في النهضة الاقتصادية والاجتماعية بصورة متسارعة.
وبوابة الولوج لسوق العمل التنافسي بات رهن تعليم تقوم فلسفته على التكنولوجيا؛ ليصبح الفرد قادرًا على امتلاك الخبرات التقنية في المجال الهندسي والطبي والتجاري والصناعي، ويصبح لديه مقومات العطاء التي يتمخض عنها تنمية شاملة في مجالاتها المختلفة، وما تمت الإشارة إليه ليس من قبيل الاختيار أو الترف، بل أضحى أمرًا حتميًا يتوقف عليه تقدم أمم وتراجع أخرى وخروج دول للتنافسية ودخول أخرى لغمارها، ومن ثم اختارت الدولة المصرية بتوجيهات صريحة من قيادتها اللحاق بركب التطور، والذي يبدأ من تعليم متميز في عناصره ومعطياته وعملياته ومخرجاته.
وأضحت الجامعات التكنولوجية من الصيغ التي تعد مبتكرة في تحقيق الغايات التنموية الكبرى، وتشير إلى المؤسسات التعليمية التي تتبنى في مناهجها استراتيجيات لإكساب الخبرات التعليمية الأكاديمية والتطبيقية في العديد من التخصصات التي يترقبها سوق العمل، مع التأكيد على مستويات الإتقان في اكتساب المهارات الفنية التي تؤهل الخريج للانخراط في سوق العمل بصورة مباشرة كي يتم استثمار طاقاته والعمل على تعزيز قدراته بمزيد من الخبرات المتجددة.
وفي ضوء ماهية الجامعات التكنولوجية سالفة الذكر نجد أن خريجيها يتحملون مسئولية التشغيل والصيانة والإنتاج في المؤسسات المعنية بالإنتاج أو بتقديم الخدمات التي يطلبها الجمهور، وبناءً عليه يجب أن ينال الفرد القدر والمقدار الكافي المرتبط بالمعارف التي تعمق لديه المهارة في ثيابها الوظيفي، بل وتجعله يكون وجدان نرصده من اتصاف قيمي يحثه على الإتقان والعمل على تطوير الأداء ويدفعه لخوض غمار مراحل الابتكار بغية الوصول لمستويات التنافسية على المستويين المحلي والعالمي، بما يجعله يثق في ذاته وقدراته ويمتلك مقومات تقييم الأداء التي دومًا تدفعه للأمام ولا تسمح له بالتوقف أو الركود.
وبتوجيهات مباشرة من فخامة رئيس الجمهورية في العام 2019 صدر القانون رقم 72 والذي حقق حلمًا بعيد المنال؛ حيث أنشئت جامعات تكنولوجية في القاهرة الجديدة التكنولوجية، والدلتا التكنولوجية بقويسنا، وبني سويف التكنولوجية، مثلت تنوعًا جغرافيًا الهدف منه التعاون المشترك بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية المحيطة بها، وفي نفس العام بدأت على الفور الدراسة بهذه الجامعات التي ضمت الطلاب الحاصلين على دبلوم التعليم الفني نظام الثلاث سنوات، وطلاب الثانوية العامة بعد اجتياز اختبارات القبول، ووفقًا للائحة المنظمة تمنح هذه الجامعات درجات علمية تبدأ من الدبلوم العالي فوق المتوسط، وبكالوريوس التكنولوجيا والماجستير المهني والدكتوراه المهنية في التكنولوجيا؛ بالإضافة إلى أنها تتيح استكمال الدراسات الحرة بنظام التعليم المستمر، كما تسمح بتغيير المسار والتدريب المهني في المجالات التخصصية لكليات الجامعة.
وفي خضم المراحل التنموية المتضمنة بخطة الدولة الاستراتيجية دشنت المرحلة الثانية بإنشاء جامعات تكنولوجية أخرى تضمنت الجامعة التكنولوجية بسمنود بالغربية، والجامعة التكنولوجية بأسيوط الجديدة، والجامعة التكنولوجية بمدينة طيبة الجديدة في الأقصر، والجامعة التكنولوجية بمدينة 6 أكتوبر، والجامعة التكنولوجية ببرج العرب، والجامعة التكنولوجية بشرق بورسعيد، وبالنظر لهذا الشمول الجغرافي المتوازن نتطلع في القريب العاجل حدوث توأمة بين قطاعات الإنتاج وما تفرزه هذه الجامعات من خريج يمتلك خبرات عملية اتسقت بمعرفة ومهارة تواكب ما ينادي به القرن الحادي والعشرين من مهارات نوعية سواء أكانت ناعمة أم خشنة.
وثمة اتفاقيات أبرمت من قبل الجامعات التكنولوجية لصور التعاون والشراكة مع مُختلف مؤسسات الإنتاج المحيطة بها، استهدفت الربط بين النظرية والتطبيق والعمل على تنمية خبرات منتسبي الجامعات التكنولوجية بكل ما هو جديد والتعرف على بعض المشكلات والمعوقات التي تتطلب مزيد من البحث والتقصي والتجريب بغية الوصول لحلول مبتكرة، ناهيك عن العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية التي يتلقها منتسبي هذه الجامعات، كما أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فقد دشنت الخطط البحثية الاستراتيجية للجامعات التكنولوجية بالتعاون مع المؤسسات الإنتاجية، وثمرة ذلك رصدناها في تفعيل التعاون بالمجالات الاستشارية والبحثية والتدريبية والتنفيذية، ونقل المعرفة في صورتها الوظيفية من أقسام ومعامل ومختبرات الجامعة إلى التطبيق الميداني بالمؤسسات الإنتاجية.
وندرك أن الجامعات التكنولوجية تعمل على تحقيق مرامي التنمية المستدامة بتحقيق آمال وأحلام وتطلعات طال انتظارها، وفي ظل سياسة الإصلاح وما يتضمنه البرنامج المصري يتأكد لدينا أهمية بناء إنسان يمتلك المعرفة والمهارة والخلق الحميد والقيم النبيلة والمهنية بمواثيقها المعروفة ليشغل المكانة المناسبة له ويؤدي ما يوكل إليه من مهام تساعد في تحقيق التنمية المرتقبة بقطاعات الدولة الصناعية والتجارية والخدمية، وهنا نرى أن هذه الصيغة من التعليم تقدم خبرات تعليمية وتدريبية متكاملة بجودة عالمية؛ كي يصبح الخريج قادرًا علي المنافسة في أسواق العمل المحلية والاقليمية والعالمية.
وتحاول أن تشارك الجامعات التكنولوجية في إعادة التأهيل وأن تحافظ على الاستمرارية في العمل والتعليم من خلال سياسة الجمع بين التعليم والعمل بالإضافة إلي إمكانية الالتحاق بسوق العمل والعودة الي الدراسة بعد تلقي التدريب والممارسة العلمية المناسبة وبما يتفق مع المستويات المناظرة للإطار القومي للمؤهلات كما أوجدت طرائق تسمح بالتحول المرن بين التخصصات الفرعية، وهذا يمكن الدولة المصرية من تكوين قوى عاملة تقنية تمتلك الخبرة والكفاءة وتستطيع أن تحقيق النهضة الاقتصادية والإنتاجية عبر هذه الجامعات، بما يحدث النقلة النوعية التقدمية في شتى المجالات التنمية بربوع الوطن الحبيب.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر