يعتبر الاقتصاد المصري واحد من أكثر أنظمة الاقتصاد تعدديه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حيث أصبح الاقتصاد المصري أكثر قوه نتيجة لتلك التعددية حيث شهد نموا واضحا عن طريق عدة قطاعات مما ساعد علي ضمان الازدهار لكل القطاعات ولمدة أطول.
بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 10 مليارات دولار في نهاية العام المالي الماضي 2022-2023 مقارنة مع 8.9 مليار دولار في العام المالي 2021-2022. أن هذه الزيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر غير شاملة للنفط أو الاستثمار غير المباشر في أدوات الدين من أذون خزانة وسندات، الأمر الذي يؤكد ويعزز جاذبية مناخ الاستثمار المصري.
أصبح موضوع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر ظاهرة تشغل بال المسئولين خلال السنوات الأخيرة بصفة خاصة وتكثر الإشادة بها في تصريحاتهم وبياناتهم بشكل متكرر و مكثف. وتوحي هذه المواقف للكثيرين بأن حل مشاكل الاقتصاد المصري وتحقيق النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتم إلا من خلال سبيل أساسي هو اجتذاب رأس المال الأجنبي بشتى السبل ومنحه المزايا والتيسيرات والإعفاءات التي تشجعه على التدفق . ولتحقيق هذا الهدف اهتمت الحكومة بتهيئة المناخ العام والأطر التشريعية والتنظيمية وإعداد البنية الأساسية لاستقباله. وبعد أن كانت هناك مجالات محددة يمكن للاستثمار الأجنبي أن يعمل فيها تم بالتدريج فتح كل المجالات والقطاعات تقريبا أمامه ليعمل دون قيود مع استثنائه من الخضوع لكثير من التشريعات والقواعد . هذا فضلا عن السعي ” لتسويق” الاقتصاد المصري في كثير من المحافل والمنتديات الدولية ولدي كثير من المنظمات الدولية ومكاتب الخبرة التي تروج لحرية الاستثمارات الأجنبية والشركات دولية النشاط.
و أصبح من مظاهر الاحتفاء برأس المال الأجنبي أن يقوم كبار المسئولين بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء باستقبال رؤساء الشركات والبنوك دولية النشاط سواء في مصر أو عند قيامهم بزيارات للخارج ، وأن تتضمن الوفود الرسمية القادمة إلى مصر عددا من رجال الأعمال بجانب الرؤساء ورجال السياسة .كما أصبحت مصر تسعى لاستضافة اكبر عدد من المؤتمرات والندوات الاقتصادية والمالية الدولية والإقليمية التي تجمع بين كبار المسئولين الحكوميين من ناحية ورجال الأعمال المصريين والأجانب من ناحية أخرى مثل المؤتمرات التي يعقدها منتدى التجارة العالمي ( منتدى دافوس ) ومؤتمرات مؤسسة يوروموني ومؤسسة ميد والمؤتمر الدولي للتجارة والاستثمار ( ايجبت انفست ) وملتقى ” مصر تفتح أبوابها للاستثمار, ومؤتمرات مجالس الأعمال وجمعيات الصداقة مع الدول الأخرى ومؤتمرات الغرف التجارية والصناعية المشتركة وغيرها .
ولا شك أن هناك فرق بين استضافة المؤتمرات والندوات كنشاط سياحي يدر دخلا وبين رعاية الحكومة والمؤسسات التابعة لها لهذه اللقاءات، وهي رعاية تتضمن الإنفاق ببذخ تتحمله الجهات الراعية ويستفيد منه أساسا الجهة التي تنظمه. كما نشطت في ذات الاتجاه بعثات طرق الأبواب التي تنظمها غرفة التجارة الأمريكية لمسئولين ورجال أعمال من مصر للالتقاء بنظرائهم في الولايات المتحدة لتشجيع قدوم الاستثمارات الأمريكية الى مصر. كما يلاحظ في ذات الاتجاه المشاركة الواسعة لمسئولين مصريين في المؤتمرات والندوات التي تعقد بالخارج لعرض الوضع الاقتصادي ومناخ الاستثمار في مصر على المستثمرين المحتملين وشركات الترويج وغيرها.
والى جانب ذلك يلاحظ الاهتمام المبالغ فيه بالتقارير الصادرة عن مؤسسات التقييم الدولية وشركات الاستثمار مثل موديز وستاندرد آند بورز وفيتش ومعهد التمويل الدولي وكذا مؤسسات البنك الدولي والأمم المتحدة وغيرها من الجهات التي تصدر بشكل دوري تقارير عن كثير من دول العالم ومناخ الاستثمار فيها وتوضح مدى ما تتمتع به كل دولة من جدارة ائتمانية في الأجلين القصير والطويل ومدي استقرار أوضاعها السياسية والاقتصادية ومدي انفتاحها على العالم الخارجي. ويلاحظ أن هذا الاهتمام من جانب المسئولين في مصر يقل بشده إذا أشارت هذه الجهات إلى تراجع ترتيب مصر أو إلى تراجع جدارتها الائتمانية، وحينئذ فقط يشير المسئولون المصريون إلى حقيقة أن قدرا كبيرا من هذه التقارير يتضمن تجميعا لانطباعات ولآراء أكثر منه حقائق ومعلومات.
في ظل هذا الاهتمام تتطلع الحكومة إلى جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، وتتطلع شركات دولية النشاط إلى ممارسة نشاطها في مصر ليس فقط باعتبارها سوقا واسعة ولكن باعتبارها مركزا إقليميا واستراتيجيا هاما. وقد شهدت السنوات السابقة تحقق كثير من أهداف الطرفين – خاصة مع اتساع نطاق الخصخصة واتساع المجالات التي يمكن لرأس المال الأجنبي العمل فيها.إلى أن جاءت الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي جرت الاقتصاد العالمي إلى مرحلة من الكساد لم يظهر منها إلا القليل،
وأدى هذا القليل إلى توقعات سلبية بالنسبة لمؤشرات النمو والعمالة والتجارة الخارجية وحركة رءوس الأموال الدولية- الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة بحث موضوع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالتعرف على اتجاهاته خلال السنوات الأخيرة سواء بشكل عام أو من حيث موقع مصر فيه، ثم إبراز دور الأزمة العالمية في ضرورة إعادة النظر في التوقعات السابقة ، مع إضافة بعد يتعلق بنوعية الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن تفد إلى مصر في هذه الظروف وكيفية إخضاعها لمعايير الشفافية والحوكمة والمسئولية الاجتماعية.
أولا: الاستثمار الأجنبي في ضوء الأزمة الاقتصادية– الاتجاهات العالمية
إذا كان اجتذاب رأس المال الأجنبي قرار قد تم اتخاذه ، فمن المهم التعرف على اتجاهات رأس المال الأجنبي خلال السنوات السابقة من حيث حجمه ومدى انتظام تدفقه، ومن حيث توجهاته الجغرافية والمناطق التي يفضل التوجه إليها، و القطاعات الاقتصادية التي يفضلها، ليمكن بالتالي التعرف على أهم الآثار المتوقعة على تدفقه في ظل الأزمة الحالية ، ومدى انعكاسات هذه الأزمة على التوجهات الأساسية لرأس المال الأجنبي وعلى ما ينبغي أن يتسم به من شفافية وتنافسية في الدول المضيفة. وبشير التقرير الأخير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( الأونكتاد) عن الاستثمار العالمي لعام 2008 إلى عدد من النقاط الهامة :
1 – ارتفاع إجمالي تدفقات رأس المال الأجنبي في العالم إلى مستوى غير مسبوق بلغ 1833 مليار دولار أمريكي في 2007 بزيادة نسبتها 30 % عن العام السابق، وان كان معدل الزيادة يقل عن نظيره المسجل في 2006 والذي بلغ 47 %. وطبقا للتقرير فان الأزمات المالية والائتمانية التي بدأت في أواخر 2007 لم يكن لها آثار ذات مغزى على حجم تدفقات رأس المال الأجنبي خلال العام، ولكنها أضافت المزيد من عوامل عدم التيقن والمخاطر إلى الاقتصاد العالمي. كما يشير التقرير إلى أن تلك الأزمات المالية والائتمانية قد تؤدي إلى آثار سلبية على حجم الاستثمارات الأجنبية في 2008 – 2009، إلا انه لا يمكن التنبؤ بأية درجة من درجات الدقة عن حجم هذه التدفقات المستقبلية نظرا لما يميز هذه التدفقات من تقلب دائم .
2 – تركز الجزء الأكبر من الاستمارات الأجنبية في عمليات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود، وهي الظاهرة التي بدأت في التعاظم منذ تسعينات القرن الماضي بصفة خاصة. وقد بلغ إجمالي التدفقات الموجهة لهذا الغرض نحو 1627 مليار دولار أمريكي ، بزيادة نسبتها 21 % عن الرقم المناظر في عام 2000 وهو العام الذي شهد أعلى مستوى لتدفقات رءوس الأموال الأجنبية لغرض الاستحواذ والاندماج. وفي المقابل تراجع عدد المشروعات الجديدة التي نفذتها الشركات دولية النشاط في كل دول العالم من مشروعا في 2006 الى 11703 مشروعا في 2007 .
3 – كما تركز القدر الأكبر من تدفقات رءوس الأموال الأجنبية في الدول الرأسمالية المتقدمة ذاتها، حيث خضها نحو 1248 مليار دولار من هذه التدفقات خلال عام 2007 بزيادة كبيرة نسبتها 33 % عن العام السابق.وبما يزيد عن مثل الرقم المناظر في 2005 . وبذلك اختصت هذه الدول بأكثر من 68 % من أجمالي تدفقات رأس المال الأجنبي في 2007 مقابل ما نسبته 64 % في 2005 و67 % في 2006 . ويعكس هذا التركز اقتران ما سلفت الإشارة إليه من غلبة التدفقات المخصصة لعمليات الاستحواذ والاندماج بين الشركات والبنوك دولية النشاط، وهي عمليات يتم جانبها الأكبر فيما بين الدول الرأسمالية المتقدمة.
4 – ويظهر التوزيع الجغرافي لتدفقات رءوس الأموال الأجنبية خلال 2007 أن هناك زيادة في الأرقام المطلقة للتدفقات إلى كافة المجموعات الدولية، إلا أن التدفقات تزيد بمعدلات اكبر بالنسبة لكل من الدول الرأسمالية المتقدمة والدول الاشتراكية السابقة في أوروبا. أما الدول النامية ،فرغم زيادة التدفقات اليها بنحو 21 % عن العام السابق فان نصيبها النسبي من هذه التدفقات استمر في الانخفاض من 33 % في 2005 إلى 3 ر29 % في 2006 ليستقر عند 3 ر27 % في 2007 . ولا شك أن هذه النتائج تعكس الأولويات التي تضعها الشركات دوليه النشاط لاستثماراتها، ومدى توزعها الجغرافي والقطاعي في الأسواق المختلفة بما يحقق لها اكبر عائد ويضمن سلامتها في ذات الوقت.
5 – يعكس حجم الزيادة الكبيرة في تدفقات رأس المال الأجنبي في 2007 الأداء الاقتصادي القوي واستمرار النمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة في مختلف مناطق العالم . الا انه بجانب ذلك تميز عام 2007 بارتفاع كبير في أرباح الفروع التابعة للشركات دولية النشاط خارج حدود دولها الأم. وقد بلغت قيمة هذه الأرباح نحو 1100 مليار دولار أمريكي ساهمت في تغلب الشركات الأم على مشكلة النقص النسبي في التمويل الناتجة عن الأزمة المالية والأئتمانية الأمريكية ، حيث أعيد استثمار جانب كبير منها قدر بنحو 30 % من إجمالي تدفقات رأس المال الأجنبي خلال العام. ويشير التقرير في هذا الصدد إلى أن معدل الربح في الشركات دولية النشاط خلال العام ارتفع إلى أكثر من 7 % ( صافي الربح إلى المبيعات )، وان الجزء الأكبر من هذا الربح قد تحقق في الدول النامية.
6 – كما يظهر التوزيع القطاعي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2007 دلالات على درجة عالية من الأهمية. فقد استمرت الاستثمارات الأجنبية الموجهة لقطاعات النشاط الأولي – وعلى الأخص الصناعات الاستخراجية – في الزيادة على النحو الذي شهدته السنوات السابقة، بحيث أصبح نصيبه من هذه الاستثمارات يناظر ما كان عليه في الثمانينات من القرن الماضي. وقد ارتفعت تدفقات الاستثمارات الأجنبية الموجهة لهذا القطاع لتبلغ 13% من إجمالي الاستثمارات في الأعوام 2004 – 2006، كما أن نصيبه من رصيد الاستثمارات الأجنبية يبلغ 8 %. وفي حين أن رصيد الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة التحويلية يمثل نحو ثلث أجمالي الاستثمارات الأجنبية في العالم ، فقد لوحظ انه حصل فقط على ربع التدفقات الجديدة حلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وبالتالي كان قطاع الخدمات هو المستفيد الأساسي، وهو القطاع الذي يضم الاتصالات والطرق والنقل والكهرباء والمياه والبنوك والتأمين والصحة والتعليم….. وهي القطاعات التي يتطلع رأس المال الأجنبي للدخول إليها خلال السنوات المقبلة خاصة من خلال عمليات الخصخصة التي تتم للمرافق ومشروعات البنية الأساسية سواء في الدول الرأسمالية المتقدمة ذاتها أو دول العالم الثالث.