.
في أعماق النفس البشرية تتلاطم أمواج المشاعر المتناقضة، تارة تحمل الروح نحو شواطئ النور، وتارة تسحقها في أعماق الظلام.
بين الغيرة والحسد شعرة خفية لا ترى بالعين، لكنها تحس بالقلب، طريق قد يبدو مألوفا لكنه ينتهي بمنحدر سحيق، يلتهم فيه الحسد كل من أعمته ناره.
الغيرة شعلة تنير الدروب، تدفع صاحبها إلى التقدم، تحثه ليبلغ القمم، أما الحسد فهو نار تلتهم كل شيء، تلتهم القلب والروح والعقل، تاركة خلفها رمادا من الضعف والهلاك.
الحاسد يحمل عبء نفسه أينما ذهب، يطارد بنظراته كل نعمة ليست له، كأنه يقاتل في معركة لا رابح فيها.
يظن أن سرقة الفرح من قلوب الآخرين ستملأ فراغ روحه، لكنه لا يعلم أن الحسد سهم مسموم يرتد إلى صدر صاحبه، ينزف منه بلا توقف حتى يهلكه.
تأمل جيدا، أليس الحسد شكوى مبطنة على أقدار الله؟ أليست عيون الحاسد أشبه بنوافذ مغلقة أمام نور الإيمان؟
من رضي بما قسم الله له، لم يذق طعم الحسد يوما، كيف لا وكل نعمة في هذا الكون موزونة بميزان حكيم، وكل خير يكتب بحبر الرحمة.
إن القلوب النقية تعرف السر، فهي لا تنظر لما يملكه الآخرون إلا بإعجاب صادق، تتزين بالدعاء بدل الأذى، تفرح لفرحهم، وتبتهل إلى الله أن يديم عليهم النعمة.
أما القلوب المريضة، فإنها تتاكل بصمت، كجمرة تحت الرماد، تحرق صاحبها من الداخل، دون أن يدري أن الحياة تمضي، وأنه لا يجني سوى الندم.
فلنكن أذكى من الحسد، ولنتعلم أن نسير في طريق القناعة، لننظر إلى ما بين أيدينا لا إلى ما بين أيدي الناس.
فالدنيا ليست سباقا، بل رحلة، وما كتب لك سيأتيك، فلا تطارد أوهاما تثقل قلبك.
الحسد عدو الإنسان الأول، ودربه نهاية حتمية للسقوط.
فاختر أن تعيش بقلب مضاء بنور القناعة، مطهر من شوائب الغيرة، متحرر من قيود الحسد، ممتلئ بحب الله ورضاه.