“فترة العزل التي يعيشها العالم حاليا بسبب فيروس كورونا ستترك تأثيرات وتغيرات بارزة على كل جوانب الحياة، بداية من القيادة وطريقة الحكم، مرورا بالأنظمة الدفاعية، ووصولا إلى شكل حياتنا وعاداتنا اليومية”. هذه العبارة الجامعة خلاصة تقرير نشرته وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء ويتضمن رؤية مجموعة من علماء المستقبليات.
وأرى أنه من الضروري أن نتوقف طويلا عند رؤية مدير الابتكار بالمدرسة العليا للتجارة في فرنسا ريني روهيرربيك والذي يقول فيها :” “في الأشهر القادمة علينا التأكد من أن القادة يحصلون على التدريب المناسب، حيث يجدون فجأة أن عليهم العمل والقيادة في هذه البيئة الغامضة”. والمقصود بالقادة هنا ليس الرؤساء والوزراء وحكام الاقاليم ومديري الشركات والهيئات والمؤسسات فقط ولكن كل من يتولى مسئولية قيادية في كافة المستويات . ويعني بالتدريب المناسب أي التأهيل العملي والعلمي الجاد والمستمر حتى نصل بهم إلى المواصافات التي حددها روهيرربيك بقوله :” بعد مرور الوباء سنرى زيادة في عدد القادة الذين يتخذون قراراتهم بناء على قناعتهم وموهبتهم إلى جانب تطبيق التقنيات الصحيحة، والسيناريوهات السريعة القائمة على التعلم من الأخطاء”.
وفي تقرير سبوتنيك يجب التوقف ايضا عند رؤية الباحث وعالم المستقبليات براين ألكسندر الذي يتوقع أن تتغير السياسة الدفاعية بقوله:” ستعمل الدول على زيادة قدراتها لمواجهة الحروب البيولوجية، وأن تغير من سياساتها، ومناهجها التعليمية واتفاقاتها التجارية وعلاقات العمل بها، أن الجيوش قد تبدأ في الاستماع أكثر إلى التوقعات القائمة على العلم”.
وفي نفس السياق نشرت مجلة ” فورين بوليسي” الأمريكية والتي تعتبر من أهم المجلات السياسية في العالم تقريرا موسعا تضمن رؤية 12 خبيرا ومفكرا على مستوى العالم . وقدمت المجلة للتقرر بعبارة مهمة تقول : ” من المؤكد أنه مثلما أدى هذا المرض إلى تحطيم الحياة، وتعطيل الأسواق، وكشف كفاءة الحكومات (أوعدم وجودها)، فإنه سيؤدي إلى تحولات دائمة في القوة السياسية والاقتصادية بطرق لم تكن تخطر ببالنا”.
وفي تقرير فورين بوليسي يجب البحث بعمق مع رؤية الأكاديمي والسياسي الأمريكي ستيفين والت الذي يرى : ” أزمة كورونا ستسرع من تحول القوة والنفود عالميا من الغرب إلى الشرق “. ويدلل على صدق توقعه بقوله :” استجابت كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل للوباء، فيما ردت الصين بشكل جيد بعد تجاوز أخطاءها المبكرة. لكن الاستجابة في أوروبا وأمريكا كانت بطيئة وعشوائية بالمقارنة بدول الشرق الأقصى، مما زاد من تشويه هالة العلامة التجارية الغربية”.
ويتفق كيشور محبوباني الاكاديمي وزير خارجية سنغافورة السابق مع رؤية والت ويقول :” العالم بدأ التحول بالفعل من عولمة تتمحور حول أمريكا الى عولمة تتمحور حول الصين “.
وفي تقرير فورين بوليسي يتوقع ، روبين نيبليت مدير معهد تشاتام هاوس البريطاني والمعروف رسميا باسم (المعهد الملكي للشؤون الدولية) ، تراجع العولمة الإقتصادية ويقول بالنص :” قد يكون الفيروس كورونا القشة التي قصمت ظهر العولمة الإقتصادية .. الآن كورونا يجبر الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية “. ويتفق مع هذه الرؤية جون ايكنبيري أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون وهي من أقدم الجامعات الامريكية، بقوله : ” على المدي القصير ستعطي الأزمة دفعة للقوميين ومناهضي العولمة “.
وأمام هذه التغييرات الكبرى المتوقعة في العالم بات من الضروري الإسراع في البحث عن مكامن القوة الذاتية لدينا وهي كثيرة والعمل الجاد على حسن استثمارها حتى نضمن الحماية لأنفسنا من الكوارث خاصة الغير مرئية منها والتي أصبحت أشد خطورة، وحتى نجد لانفسنا مكانا في الصفوف المتقدمة.