تضاءل العالم علي اتساعه .. تصاغر رغم قوته وجبروته .. تهاوت الدول الكبري كجذوع نخل خاوية أمام فيروس لا يُري بالعين المجردة .. جرثومة انتصرت علي التكنولوجيا وارتدت طاقية الاخفاء واجتاحت الجنس البشري متفوقة علي أجهزة الرصد والتعقب ومتفوقة علي كل الأجهزة الطبية والأمصال واللقاحات .. الكورونا لا تظهر أعراضاً في مرحلتها الأولي فهي أشبه بعميل سري فتك بالجيوش العظمي وأجهزة الأمن والمخابرات..
الوباء اجتاح أكبر دولة سكانا علي الأرض (الصين) وأقوي الدول علماً وتكنولوجيا (أمريكا) .. ومن سخريات القدر أن عرضت الأولي مساعدتها عل الثانية التي تجبر وتكبر رئيسها في البداية ثم إذا به يعلن حالة الطوارئ في بلاده ذات الخمسين ولاية وينزل الجيش ليفرض حظر التجول .. الأخبار القادمة من الصين تشير إلي أن الدولة التي بدأ بها المرض وانتشر للعالم ستكون أول من يكتشف لقاحاً له .. من ثم يثبت العقل البشري أنه امام الكوارث والأوبئة قد تخسر شركات أدوية عالمية كبري سمعتها وشهرتها .. وتتقدم دول كانت تصنف علي أنها عالم ثالث .. إنه درس جديد للدول أعظمها وأقواها .. وللزعماء المغرورين المتكبرين .. العقل سيحمي الإنسان مصداقاً لقوله سبحانه في كتابه العزيز “علم الإنسان ما لم يعلم”
إن أخبار الوباء في دول متعددة اكثر منا علما وخبرة وثراء جعلني اعيد التقييم لأداء الحكومة التي أنتقد سياساتها الاقتصادية والاجتماعية .. وأنا أكتب المقال اليوم الخميس ذكرت الجارديان أن بريطانيا ليس بها أجهزة تنفس صناعي تكفي المصابين ولا أماكن بالمستشفيات وللعلم هي تملك أفضل نظام تأمين صحي في العالم .. انتقادنا لوزيرة الصحة حالياً وفي الماضي – رغم منطقيته – لا ينفي أن أداءها كان جيداً جداً في الأزمة .. فالوزيرة التي تهكمنا علي مستواها العلمي , اتضح أنها تملك خبرة إدارية جيدة .. كما تبين أن صندوق تحيا مصر ليس مخصصاً للطوب فقط ولكن للبشر نصيب فيه وهو احتياطي استراتيجي للميزانية المتهالكة التي أرهقتها الديون وفوائدها وأشياء أخري..
لا يعلم كثيرون أن أطباء الحميات والأمراض المتوطنة المصريون من أكثر علماء العالم خبرة في هذا التخصص .. ولقد أقامت البحرية الأمريكية في منطقة العباسية حيث أسكن أكبر وحدة أمريكية عسكرية للأبحاث البيولوجية في الشرق الأوسط باسم (نمرو 3) ومنذ 1946 تستعين بأطبائنا لتتبع الأوبئة وفيروسات الانفلونزا في الشرق الأوسط كله ومنظمة الصحة العالمية تعتبر هذا المركز القائم علي 50 فدانا بالقرب من منزلي المرجعية الأولي للمختبرات القومية .. من ثم فهو يعقد ورش عمل ويجهز مواد التدريب والتعاون مع كل إدارات وزارة الصحة في مراقبة فيروس الانفلونزا ومشتقاته المتحورة..
وقد تعمدت الإشارة إلي هذا المركز رداً علي ما ذكرته صحف وسوشيال ميديا بأن أمريكا نشرت الوباء من خلال حرب بيولوجية وأنها يمكنها أن تحمي نفسها من هذه الحرب .. والسؤال هو لماذا فشلت في حماية 250 ألف أمريكي من الكورونا كما فشلت في تحصين 5 آلاف جندي من مشاة البحرية علي متن حاملة الطائرات روزفلت وهو اختصاصها .. وقد تردد كثيراً أيام وزير الزراعة أمين أباظة في عهد مبارك والصحة حاتم الجبلي أن المركز هو السبب في انتشار انفلونزا الطيور والخنازير وكل ذلك بسبب كراهيتنا المنطقية لسياسات أمريكا وبلطجتها في المنطقة..
لقد وصلت مصر للأسبوع السادس بأقل الأضرار ونتمني أن ينتهي الأسبوع السابع خصوصا للعمال باليوميةعلي خير .. صحيح هناك قصور ملحوظ في أجهزة التنفس لكننا جهزنا 27 مستشفي في 26 محافظة .. ربنا يزيح الغمة وأؤكد أن أرقي النظم الصحية العالمية سقطت عند تفشي الوباء لذا نأمل بعون الله وحفظه ألا نصل لهذه المرحلة!
وأقول إن العاقل من يتعظ بغيره .. من ثم فإن الأولوية بعد تخطي الأزمة إن شاء الله ستكون لزيادة ميزانية الصحة وتطبيق التأمين الصحي الشامل وإحياء صناعة الدواء الوطنية وتأجيل المشروعات الاستعراضية .. أيضاً الاهتمام بالبحوث الزراعية لزيادة الإنتاج فقد تظهر أزمة جياع في دول أغني منا كذلك توجيه اهتمام أكبر لمنظومة التكافل الاجتماعي خصوصا المؤقتين.. ميزانية الحكومة في الفترة القادمة ينبغي لها إعطاء أولوية أولي وثانية وثالثة للمواطن علي كافة المجالات وليكن الشعار “المواطن أولاً”.. فليس كل معارض أخوان أو مأجور.. الازمة أوضحت أن الفقراء والاغنياء متساوون أمام الخطر.. لاداعي للمعايرة والمن والتفضل الذي يطالعنا به اعلام الدولة كل حين الامر الذي يقلل ادمية المصريين..لابد من تنظيم حملات توعية للمواطنين لتغيير عاداتهم الاجتماعية والغذائية والصحية ورقمنة كل الخدمات الحكومية..
باختصار علي الحكومة وهي تخرج بسلامة الله من الكارثة أن تعامل المواطن علي أنه شريك في الحكم بلا تمييز لفئة أو جماعة .. عليها أن تحترم الرأي الآخر ولا تضع أحدا فوق المساءلة .. المواطنون من الآن فصاعدا شركاء فاعلين في القرارات بدون املاءات أو تهميش .. دعونا نعيش معا بعد الجائحة بالعدل والعقل والمساواة وليس بالفارق الطبقي الذي إذا اتسع ستدخل كل الشرور ولنفعل قانوناً يفرض علي رجال الأعمال الأثرياء في أوقات الكوارث تخصيص خطوط انتاج في مصانعهم لتصنيع التجهيزات الطبية.. حفظ الله مصر..