يذكرني فيروس كورونا بقصة داود وجالوت الواردة في الكتب السماوية وفيها يبدع القرآن الكريم فيقول المولي في محكم آياته “فلما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين .. فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء” صدق الله العظيم .. بمقلاع أو “نبلة” بها ثلاثة أحجار قتل داود الصبي الذي أصبح نبياً وملكاً العملاق الرهيب جالوت المغرور بقوته وجيشه وأسلحته وأرداه قتيلاً في لمح البصر .. صارت القصة تروي بعد ذلك للتدليل علي أن الصغير مهما تضاءل ممكن أن يطيح بالجبار مهما عظم..
الغريب أن هذا الفيروس الذي لا يراه الميكروسكوب .. ضرب الدول الغنية قبل الفقيرة ضرباً موجعاً .. لم يفرق معه الثمانية الكبار أو مجموعة العشرين .. الجميع ركع وانحني أمام جرثومة لم ينج منها إلا بلدان هما كوبا والسويد .. ومن سخريات القدر أن الكوبيين المعروفين بتقدمهم الطبي والعلمي عرضوا المساعدة علي أمريكا التي فعلت المستحيل من غزو وحصار وعقوبات لتدمير جارتها الاشتراكية الصغيرة ولم تنجح .. نسي الكوبيون المرارة في النفوس وعرضو مساعدة أعدائهم التقليديين وكذلك فعلت الصين وأرسل بوتين طائرة مثقلة بالأدوية بدأت موسكو في إنتاجها ونسي المنافسة التقليدية بين واشنطن وروسيا .. ميكروب أصغر من الميكروجرام أثبت أنه أقوي من آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية ..
كورونا هي داود العصر الحديث أو القنبلة الذرية التي انفجرت في الشعوب في توقيت واحد وتسلسل زمني .. أيقظت الجرثومة فينا ما نسيناه وهو الإنسانية .. وأن الإنسان أغلي وأثمن من أي شيء فقيراً كان أم غنياً .. علمتنا الملعونة درساً أنها لا تصيب الأطفال والشباب إلا فيما ندر .. أظهرت مدي حقارة أنظمة تقتل الأطفال غيلا .. وإرهابيين ينزعون الحياة من شرايين شباب غاضب ويلقونهم بعد غسيل مخ متقن إلي الجحيم لقاء حفنة دولارات ليساعدوا أهلهم الفقراء..
جرثومة غير مجنحة تفوقت علي اختراع طائرات بدون طيار .. الوباء ساوي بين الجنسيات والأديان والمذاهب وأكد أنه فيروس عالمي يكره العنصرية ولا يفرق بين الناس علي أساس اللون أو العرق .. ساوي بين الذكر والأنثي .. القوي والضعيف .. الذي يأكل أفخر أنواع الطعام والذي يعيش علي خشاش الأرض..
وباء طبق القواعد الدينية بدون قصد .. أظهر أن علاجه في تضامن الإنسانية وتكاتف الدول لابتكار مصل أو لقاح شافٍ يضرب احتكار الدواء في مقتل ويؤكد أن العلم ليس امتيازاً لأحد لأن العقل لا يحتكره الأقوياء..
درس كورونا يشبه مقتل داود لجالوت .. لا تتكبر ولا تغتر ولا تمشي في الأرض مرحاً .. احفظ جارك ضعيفاً أو قوياً .. خفيراً أو وزيراً .. ساعتها ستسلم الأحياء والمحافظات والعواصم من عدو طرق بابها دون استئذان وأركعها ..
دروس الجرثومة كثيرة فقد ظهر أن جواز السفر الأمريكي وهو حلم كثيرين ما هو إلا أكذوبة .. التقدم التكنولوجي والطبي والعلمي ليس أسطورة في الغرب .. وجدنا سياسيين يستحقون الإعدام وآخرين يضربون أمثلة في الفداء .. ثبت أن الأطباء والعلماء أهم من لاعبي الكرة والراقصات والفنانين بوجه عام .. الدول البترولية لا قيمة لها إذا انخفضت أسعاره .. سيصرخون ما أغني عني مالي .. هلك عني سلطاني .. أكبر درس إجباري أنك لابد أن تضع الصحة والتعليم نصب عينيك في أي دولة .. هناك طماعون وجشعون ونهازو فرص .. وفي المقابل تجد الخير والتبرع وإنكار الذات .. عادي بشر رائعون وآخرون “قمامة” .. الاستغلال والاحتكار مرض معدي كالكورونا خصوصاً مع قدوم رمضان .. استطعنا العيش بدون كرة ومسلسلات وحكايات القهاوي ودخان الشيشة والنميمة .. عادت بعض تقاليد المجتمع الذي كان صحياً قبل أعوام ..
اختفت الفشخرة وظهر التدبير وحسن إدارة الموارد القليلة .. استغني الأغنياء عن المباهج وهدد المليونيرات بذراع الاقتصاد وقنع الفقراء وعمال اليومية بما قررته الحكومة .. تنازل رئيس الوزراء والوزراء عن خمس رواتبهم للمؤقتين في الوقت الذي نادي فيه رئيس حزب المليونيرات ورجال الاعمال ورئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان بسن قانون لإجبار موظفي الحكومة علي التبرع .. وأقول أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .. لقد تبرع نواب محترمون بمكافأتهم وسدد نفر محدود مبالغ مالية .. التبرع بقانون أسوأ من الجبايه وأقرب إلي السخرة لمعدمين ..
تلك الجرثومة أعادتنا إلي دفء الحياة الأسرية مرغمين التي سرعان ما نهجرها إذا ما عدنا لطبيعتنا .. من الدروس الهامة أن الصحة أهم من النقود .. علمتنا الكورونا أيضا أوامر لانهائية باننا قادمون علي زمن يحتاج فيه الكبير الصغير خصوصا بعد أن تجرد الفتوة من نبوته..زمن ليس فيه املاءات أو غرور أو بلطجيه يفرضون أتاوات علي الحرافيش نظير حمايتهم..قادمون علي زمن قد تصبح فيه الحملان أسودا اذا عاد الظلم والاحتقار والنظر بدونية للاخرين..
يقول سيدنا الإمام علي في رائعته عن الدنيا
إن المكارم أخلاق مطهرة .. الدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها .. والجود خامسها و الفصل ساديها ….اللهم لطفك فيما جرت به المقادير .. وألبسنا ثوب العافية قبل شهر رمضان الذي أنزلت فيه كتابك..