رسالة مسقط: أحمد تركي
المتابع السياسي للمجتمع العُماني يلحظ أن النظام السياسي العماني انطلق من واقع اقتصادي واجتماعي معين، ساهم في تشكيله عوامل جغرافية وتاريخية وإستراتيجية منذ النشأة الأولى لهذا النظام في بداية السبعينيات، وكان على النظام كي يرسخ أسس وقواعد معينة مواجهة نوعين من التحديات، وهما: السعي إلى تأسيس دعائم الاستقرار الداخلي على قاعدة الاندماج والانصهار الوطني “التكامل والوحدة”، وبناء نظام سياسي حديث بصورة متدرجة وسليمة، بحيث يتمكن من استيعاب التغيرات الحديثة والمعاصرة في البنية الاقتصادية والاجتماعية القبلية التي تقوم على علاقات التوافق والخطوط غير الرسمية في إدارة شئون الحياة.
وقد نجح باني عُمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه خلال مسيرة البناء طوال خمسين عاماً أن يحقق ما وعد به شعبه من نهضة وبناء واستقرار، وإقامة علاقات التوازن مع جميع دول العالم، ونأى بعُمان عن الدخول في صراعات وتجاذبات مع العالم الآخر، ووجه كل موارد الدولة لتحقيق رفاهية الشعب وبناء وطن يضاهي في تقدمه ومؤسساته قوى العالم المتقدم في الغرب.
وجاء انتقال الحكم في عُمان بعد وفاة السلطان قابوس بطريقة أبهرت العالم، أولاً، بفضل قوة ومتانة المؤسسات التي أرساها قابوس طيب الله ثراه لحكم عُمان، وثانياً، بحسن اختياره وفق وصيته لخليفته السلطان هيثم بن طارق ليخلفه في استكمال مسيرة البناء والتنمية، وهنا قمة الحكمة والشجاعة التي وضعت عُمان على الطريق الصحيح لاستكمال مسيرة البناء والتنمية في عهد السلطان هيثم بن طارق، وهو ما بعث على التفاؤل والأمل في مسقبل واعد زاهر ومشرق لدى عُمان والعمانيين بأن السلطان الجديد كان يتولى قبل تنصيبه منصب وزير التراث والثقافة، ورئيساً للجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية للسلطنة “عمان 2040”.
وتركز الرؤية على استراتيجية التنويع في عمان، من خلال تحويل اقتصاد الدولة إلى خمسة قطاعات محورية: السياحة، واللوجيستيات، والتصنيع، وصيد الأسماك، والتعدين.
كما تهدف رؤية 2040 إلى زيادة نسبة عمالة المواطنين العمانيين في القطاع الخاص إلى 42% بحلول عام 2040، وزيادة الاستثمارات الأجنبية إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتهدف السلطنة إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد لكي يصل إلى معدل نمو يبلغ 6%، ومن المتوقع أن تسهم القطاعات غير النفطية بنسبة 93% من الناتج المحلي الإجمالي.
وهكذا تتواصل مسيرة البناء والتنمية من قابوس إلى هيثم، مدعومة بتكاتف كل جهود المواطنين، ومتسلحة بالخطط والاستراتيجيات التنموية، وكان السلطان هيثم بن طارق واضحا حين خاطب أبناء عمان الأوفياء بقوله: “إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة، والمسؤوليات جسيمة، فينبغي لنا جميعا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد، وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم، وتضافر كافة الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى، وأن تقدموا كل ما يُسهم في إثراء جهود التطور والتقدم والنماء”.
لقابوس الوفاء ولهيثم الولاء… ولتحيا عمان
وقد جاءت كلمة أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان بعنوان (لقابوس الوفاء ولهيثم الولاء… ولتحيا عمان) ونشرتها مجلة عالم الهجن، لتؤكد على خصوصية تجربة البناء والتنمية والنهضة في عُمان، وتحمل العديد من الدلالات العميقة في إطار ثلاثة من المعاني المركزية في النهضة العمانية وهي: الوفاء للسلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – والدعم والولاء للسلطان هيثم بن طارق، والتحية للوطن عُمان بأن تحيا وتستمر المسيرة الزاخرة بالإنجازات.
يؤكد هذا المعنى على استمرار التطوير في عُمان نحو بناء الأمن والسلام والاستقرار، إلى المزيد من الرقي متحدية كافة الظروف والتحديات، كالظرف الراهن الذي يعيشه العالم أجمع وتتأثر به السلطنة، هذه الجائحة التي لها انعكاس كبير على مجمل مفاصل الحياة الإنسانية والجوانب الاقتصادية. حيث قال أسعد بن طارق: “كنا نقول (قابوس خلفك لا شقاق ولافتن)، واليوم نؤكد القول (يا هيثم نحن جندك في كل المحن).
لقد كشفت كلمة نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان، قوة الانسان العُماني وعظمته على مدار التاريخ، وأنه صاحب حضارات عظيمة، كما لخصت مضمون الفكر العماني الأصيل ورسالة النهضة التي بدأها السلطان قابوس عليه رحمة الله، وتستمر اليوم مع السلطان هيثم بن طارق، تلك الرسالة التي آمن بها جميع المواطنين وحملها القائد الراحل على عاتقه، لترسم طريق الازدهار والأمل والمستقبل.
وأكدت كلمة أسعد بن طارق أن السلطان قابوس أوفى بعهده بأن حقق آمال هذا الشعب ومع رحيله فإن المسؤولية تتعاظم وتصبح جسيمة، فالخطاب السامي الأول الذي ألقاه السلطان هيثم بن طارق بُعيد أدائه قسم اليمين سلطانًا للبلاد، وضع منهاج عمل واضحاً، من أجل مواصلة مسيرة الخير والتنمية والبناء وذلك حين أكد على الثوابت والأسس التي قام عليها بناء الدولة العمانية العصرية، والعزم على السير وفقها، وترسم النهج الذي وضعه السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ وعدم الحيد عنه، بل الاستمرار في البناء عليه، وذلك من أجل الحفاظ على البناء الشامخ لهذا الوطن، والحرص على تعزيز مكتسباته ومنجزاته وصونها، وإضافة الجديد عليها عبر منظومة من الخطط والأهداف تراعي الأولويات وتحقق التطلعات، بما يبني مستقبلًا أفضل للوطن والمواطن.
كل هذه الكلمات التي جاءت في أول خطاب للسلطان هيثم بن طارق ترسم ملامح المستقبل المشرق لعُمان، ومن هنا جاء تأكيد كلمة نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان، بأن عُمان تقوم على مبادئ راسخة ورؤية واضحة، وهي تلك الأرض الطيبة التي تحتضن الطيب من كل شيء، زرعا وفكرا وتوجها، وستبقى عُمان تتقدم بثبات وتؤدي دورها المحوري بثقة تجاه أبنائها والعالم، وتمد جسور المحبة والسلام ونشر رسائل الحب والوئام في مختلف أنحاء المعمورة.