الإسلام دين الإنسانية ، دين الرقي ، دين التراحم ، دين التكافل ، حيث جعل من قضاء الحوائج الأساسية للإنسان منهجًا ثابتًا ، وفي مقدمتها أساسيات ومقومات الحياة التي يُعدُّ إطعام الطعام في القلب منها ، فعن سيدنا عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) قال : لمَّا قدمَ النَّبيُّ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا ، فَجِئْتُ في النَّاسِ ، لأنظرَ ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ ، أن قالَ : “يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ ، وأطعِموا الطَّعامَ ، وصِلوا الأرحامَ ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ” (صحيح ابن ماجه) .
فقد ذكر نبينا (صلى الله عليه وسلم) في الحديث أربعة أسباب لدخول الجنة : ثلاثة منها تتعلق بالجوانب الإنسانية ، وهي: إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، وصلة الأرحام . وواحدة منها تتعلق بعلاقة العبد بخالقه ، وهي الصلاة بالليل والناس نيام .
ويقول الحق سبحانه وتعالى : “لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”(البقرة : 177) ، ويقول سبحانه: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” (الإنسان : 8-9) ، ويقول سبحانه: “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ *أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ” (البلد : 11-16).
وإذا كان الإسلام معنيا بإطعام الطعام بصفة عامة ، فإن شهر رمضان المبارك له خصوصية في ذلك ، منها قول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من فطر فيه صائمًا فله مثل أجره ، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء ” ، وفيه صدقة الفطر التي هي مرضاة للرب ، وطُهرة للصائم ، وطعمة للمساكين ، وهو شهر إطعام الطعام بكل ما تعنيه كلمة الإطعام من معان ، سواء أكان إطعاما مباشرا في صورة وجبات مجهزة تعطى للفقراء والمحتاجين أو تهدى للأصدقاء والجيران والمقربين ، أم في صورة عينية سلعًا أو نقدًا ، والنقد أنفع للفقير .
ذلك مع عظم الثواب المترتب على الإنفاق في سبيل الله ، حيث يقول الحق سبحانه : “ومَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”(البقرة : 265) ، ويقول سبحانه : ” قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (سبأ : 39) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”( متفق عليه) .