تحليل – أحمد تركي
لم يأت شكر الأمم المتحدة للقيادة السياسية العُمانية السلطان هيثم بن طارق، على مساعدة سلطنة عُمان السخية لبعثة الأمم المتحدة في الحديدة باليمن، من خلال إعادة التموضع المؤقت لبعض أفراد البعثة، من فراغ وإنما انطلاقاً من سياسة خارجية عُمانية ثابتة وراسخة في دعم جهود الأمم المتحدة منذ أن أصبحت عضواً فاعلاً في المنظمات الدولية والإقليمية.
فقد أعربت روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية عن خالص شكرها وتقديرها للسلطان هيثم بن طارق وللسلطنة وقالت: إن هذه المساعدة كانت حاسمة بالنسبة للأمم المتحدة خلال فترة صعبة للغاية، وقد قامت السلطنة بدور التسهيل لقدوم أفراد هذه البعثة بالسفينة إلى مدينة صلالة، حيث تم إجلاؤهم بعدها بالطائرات من هناك إلى وجهاتهم المقصودة.
الواقع أنه على مدى خمسة عقود مستمرة ومنذ قيام الدولة الحديثة في فجر السبعينيات، ثمة ثوابت أساسية للسياسة الخارجية والدبلوماسية العمانية ظلت تحافظ عليها السلطنة وتؤكد عليها في كافة المحافل الدولية وعبر الممارسة العملية التي تنطلق من مبادئ راسخة قوامها احترام الآخرين وتبادل المنفعة المشتركة والسعي إلى بناء عالم فاضل من القيم والمفاهيم التي تؤسس لمعنى التسامح والإخاء بين الشعوب، والتزمت بالمواثيق والقوانين الدولية والأممية وكل ما من شأنه أن يعمل على بناء التقارب بين الدول والشعوب بما يرسخ المشترك الإنساني.
فقد أدركت سلطنة عُمان مبكراً أهمية ومحورية مكانتها بين الأمم، وفق الفكر السامي للسلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، كيف لها أن توظف تاريخها ومركزها الاستراتيجي الجغرافي وحاضرها المشرق في تحقيق مكانتها كرمز للسلم في العالم عبر دبلوماسية أصبح لها مسارها المميز بين الشعوب بما يحقق الاستفادة القصوى من العلاقات مع العديد من الدول على امتداد المعمورة، ويوجد المزيد من التفاعل والتواصل الحضاري الذي يمثل امتدادا للإسهام العماني العريق في الحضارة الإنسانية وعلى نحو يعزز التفاهم والحوار بين الشعوب.
وقد أكد السلطان هيثم بن طارق أن السلطنة ماضية في هذا المسار الذي تأسس عبر هذه العقود في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – وهو ما أشادت به الدول والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، التي كانت قد وقفت بجلاء أمام مواقف السلطنة الإيجابية والملموسة، وكثيرا ما نوهت بها كنموذج في التعاون الدولي، وليس من صورة أبلغ لذلك من التأبين الكبير الذي كانت قد أقامته للسلطان الراحل – رحمه الله – وشهد شهادات عميقة في الأدوار العمانية في صناعة السلام وتأكيده على مستوى العالم.
فعُمان تؤمن دائما في سياستها الخارجية بوحدة الإنسانية والتشارك الكبير الذي يجب أن يقوم في العالم المعاصر لأجل تلمس الآفاق الأرحب لتعزيز المشتركات في سبيل كل ما هو إيجابي ولصالح البشر جميعهم، وفق مفاهيم عديدة قوامها احترام الذات الإنسانية والعقل البشري وأن التعاون والتكامل الاقتصادي والثقافي والمعرفي، كل ذلك هو ما يكفل للبشرية أن تسير نحو المزيد من النماء وتستطيع في الوقت نفسه أن تجتاز التحديات الراهنة.
تجدر الإشارة إلى أن ما قامت به عُمان من التسهيل والتعاون مع جهود الأمم المتحدة في مثل هذه الظروف التي يمر بها العالم اليوم أمام جائحة كورونا (كوفيد19)، هو أمر يستحق الوقوف والتقدير، طالما كانت كل دولة منشغلة بأحوالها وهي تعمل على مكافحة هذا الوباء الذي انتشر في كل دول العالم.
ولعل فعالية أسبوع التقارب والوئام الإنساني الذي ينظمه مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، كل عام يمثل أحد أبرز ملامح التجربة العمانية ومميزاتها المنفردة بها عن الآخرين في تقديم النموذج الرائع داخليا وخارجيا في التسامح والتعايش والتعاون والتلاقي الإنساني، وهو نقطة مضيئة وسط عالم يموج بالصراعات والتعصب والقتال والكراهية، وهو ما يحتاجه العالم الآن.
وهنا يكمن سر نجاح التجربة العُمانية في البناء والتنمية المستدامة خلال مسيرة أكثر من خمسة عقود، باعتبار أن استراتيجية التقارب والوئام الإنساني هي جزء أصيل ومتجذر في الثقافة والمجتمع العماني القائم على التسامح والتعايش في إطار وطن واحد يستوعب الجميع، فالتقارب والوئام الإنساني هو القوة الدافعة لعملية التنمية والإعمار والتقدم وهو ما أوصل عمان إلى هذه المرتبة المتقدمة في التنمية البشرية والتنمية المستدامة وارتفاع مستوى معيشة مواطنيها، ولذلك فإن ثقافة التقارب والوئام الإنساني هو نمط حياة لقيادتها ولمواطنيها تجسده الروح العمانية الأصيلة التي مزجت بين الحداثة والتطور والحفاظ على التقاليد المجتمعية الأصيلة في التكافل والتواصل والتراحم بين أبناء الوطن.