تخيل نفسك في عالم ينقصه الكثير من القوانين لتنظيمه، ينقصه العديد والعديد من التشريعات، هل يمكنك أن تتخيل كم الفوضى التي ستسوده، بالواقع أنت لست بحاجة للتخيل إطلاقا، من أبرز الأمثلة هي الانترنت، الفيس بوك وتوتير، مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي التي تشجع بطريقة ما على الانتقاد والإشارة إلى الآخرين بأكثر الطرق سوءا.
بل الثقافة، التي تعتبر اليوم هي جسر حوار وتبادل معلومات والتقاء عقول وبناء كوني إنساني سلمي ومدني تعززه قوة الاقتصاد وتتجه به هذه القوة من قوة السلام والسياسة والسيطرة الى قوة الحياة والجمال والإبداع والفن، هذه الثقافة هي التي من المفترض ان تكون مرآة للمستقبل.
هل لو قابلت شخص ما على الطريق لم يعجبك تصرف ما أصدره ستتوجه إليه بوابل من الشتائم أو ستنتقده وتلقبه بأسوء الصفات شنعا فقط كونه مختلف أو قام بتصرف خاطئ، هكذا هو بالضبط الأمر على منصات التواصل الاجتماعي وخلف الشاشات، ينمو سلوك القاضي بأنفسنا بالإضافة إلى السلوكيات الأخرى.
قهر المرأة لم ينتهِ ولن ينتهي، فهو مستمر في هذا العالم وبأشكال مختلفة، على رغم أن العالم دخل مرحلة الذكاء الاصطناعي.
يرجع مفهوم الشر في الفلسفة والتحليل النفسي إلى زمن بعيد، وبالطبع، فقد حظي باهتمام بالغ في الفلسفة الغربية، حيث أدهش ذلك المفهوم الفلاسفة بداية من سقراط و أو غسطين مرورا بلاينتز وكانط.
ولفترة طويلة من هذا التاريخ كان “مفهوم الشر” قضية لاهوتية: إذا كان الإله خَيِّرا ومقتدرا، فلماذا يسمح لهذا الشر بأن ينتشر في العالم؟ وبعد كانط، انقطعت علاقة الفلسفة إلى حد كبير باللاهوت،
وبذلك، انحسر الاهتمام بالتساؤل عن الشر. ولم يعد كافيا أن تكون “مسألة الشر”، مقتصرة على الفلسفة، لكنها تجاوزت ذلك لتصبح مثار اهتمام الطب النفسي وعلم الاجتماع، وعلم الأحياء. وفي الأعوام القليلة الماضية، عاد مجموعة من الفلاسفة والمنظرين -المتأثرين بأعمال كانط و جاك لا كان- بالحديث من جديد عن قضية مفهوم الشر.
العنف ضد المرأة كانت بدايته ربما بتفاحة آدم، بكل ما تحمله هذه الروايات من خطيئة ومعصية بشرية، تحفزه الأديان والعقائد والتقاليد، والفتاوى التي يطلقها رجال الدين وكهنته الذين يكنون في دواخلهم كراهية مزدوجة للنساء، قصة قابيل وهابيل وجريمة القتل الأولى في التاريخ البشري عقب نفي الإنسان إلى الأرض وحتى الآن، تسود فكرة أن حواء أغوت آدم بتناول التفاحة وأن امرأة دفعت قابيل إلى قتل أخيه هابيل!
فأنت على سبيل المثال قد تكون مواطن مثالي بالعالم الواقعي وبالعالم الافتراضي تطلق العنان لكل ما هو سيء بك ربما تتحرش بغيرك أو تضايقه بأي طريقة أخرى، تهدده وتتنمر عليه.
اه يا زمن فيك القدر مكتوب انا إللى ساكن في المحن وجوايا الحيل مسلوب بيقولوا الحب وطن وانا وطني كله حروب بنيت لنفسي سكن والقلب عايش مغلوب الروح صابها الوهن ولا انا اللي كلى عيوب بكيت بدموع الشجن ونسيت جرح القلوب هو العيب في الزمن ولا انا مانيش محبوب كفاية جرح الوطن علمني ان القدر مكتوب
بديهية فكرة الشر ليست قديمة جدا في مجتمعنا، حيث يرجع تاريخها، من وجهة نظري، إلى نهاية الستينيات. حين وصلت الحركة السياسية الكبرى للعقد إلى نهايتها. بعدها دخلنا في فترة رجعية، أو ما أسميها بفترة الاستعادة. ففي فرنسا، تشير “الاستعادة” إلى فترة عودة الملك في عام 1815، بعد الثورة ونابليون”.
ونحن في فترة كهذه. فاليوم، نحن نرى في الرأسمالية الليبرالية، ونظامها السياسي، والبرلمانية ،الحلول الطبيعية والمقبولة. وتعتبر كل فكرة ثورية طوباوية وفي نهاية المطاف إجرامية. يتم الدفع بنا للاعتقاد في أن الانتشار العالمي للرأسمالية وما يسمى بالديمقراطية” هو حلم الإنسانية جمعاء. وأيضا أن العالم أجمع يرغب في هيمنة الإمبراطورية الأمريكية، وشرطتها العسكرية، الناتو.
في الحقيقة، فإن قادتنا وناشري الدعاية على علم تام بأن الرأسمالية الليبرالية، هو نظام غير منصف، وظالم، وغير مقبول للغالبية العظمى من البشرية. كما يعلمون أيضا أن ديمقراطيتنا هي مجرد وهم: أين قوة الشعب؟ أين هي السلطة السياسية لفلاحي العالم الثالث، وللطبقة العاملة الأوروبية، وللفقراء في كل مكان؟
نحن نعيش في تناقض: واقع وحشي، لا مساواتي بشكل كبير-حيث يتم تقييم كل الوجود على أساس المال فقط، وتقديم ذلك كله على أنه المثال. ولتبرير محافظتهم، فإن أنصار النظام القائم لا يمكنهم اعتبار هذه الحالة مثالية أو شيئا رائعا. لذا بدلا من ذلك، فقد قرروا أن يقولوا إن كل الباقي مروع. بالتأكيد، على حد قولهم، قد لا نكون نعيش في ظل حالة من الخير المطلق، ولكننا محظوظون أننا لا نعيش حالة من الشر.
ديمقراطيتنا غير كاملة. لكنها أفضل بكثير من الديكتاتوريات الدموية. الرأسمالية غير عادلة، لكنها ليست إجرامية مثل الستالينية.
لقد تركنا ملايين الأفارقة يموتون من الإيدز، لكننا لم نرفع شعارات العنصرية القومية مثل موسوليني. قتلنا العراقيين بطائراتنا لكننا لم نقطع أعناقهم كما يفعلون في رواندا، إلخ.
لهذا فإن فكرة الشر أصبحت قضية محورية وضرورية، وليس هناك مثقف واحد سيدافع عن النفوذ الطاغي للمال، وما يصاحبه من تهميش سياسي للمحرومين من حقوقهم، أو العمال البسطاء، لكن الكثيرين يتفقون على أن الشر الحقيقي يكمن في مكان آخر.
من سيدافع اليوم عن الإرهاب الستاليني والإبادة الجماعية الأفريقية والذين يقومون بالتعذيب في أمريكا اللاتينية؟ لا أحد. هنا يكون التوافق المتعلق بالشر حاسما. فبدعوى عدم قبول الشر، ننتهي إلى الاعتقاد في أننا، وإن لم نكن في أفضل الأحوال خيرا، فنحن في أفضل حال ممكنة، حتى لو كانت ليست عظيمة.
إن الإحجام عن “حقوق الإنسان” ليس إلا الرأسمالية الليبرالية الحديثة: لن نذبحك، لن نعذبك في غياهب الكهوف، لذا الزم الهدوء واعبد عجل الذهب. أما هؤلاء الذين لا يريدون أن يعبدوه، أو الذين لا يؤمنون بتفوقنا، فهناك دوما الجيش الأمريكي وتوابعه الأوروبية لإسكاتهم.
ولكن الحل الشكلي القانوني ليس أفضل بأي حال. في الحقيقة، فإن التزام المرء بأن يكون ذاتا قد لا يعني أي شيء للسبب التالي: إن احتمالية التحول لذات لا تعتمد علينا بل تعتمد على ما يحدث من ظروف والتي في الغالب تكون منفردة.
وهذا التمييز بين الخير والشر بالفعل يفترض وجود ذات ولذا فإنه لا ينطبق عليه. دائما بالنسبة للذات وحدها، وليس بما قبل الحيوان الآدمي، أن الشر محتمل.
على سبيل المثال في أثناء الاحتلال النازي لفرنسا انضممت لصفوف المقاومة. فأصبحت ذاتا تتعلق بالتاريخ في الذي يصنع. ومن داخل عملية التحول لذات تلك، يمكنني أن أحدد ما هو الشر (أن أخون رفاقي للتعاون مع النازيين، إلخ)،
واستطيع أيضا أن أحدد ما هو الخير خارج المعايير المتعارف عليها. من ثم فالكاتبة مارجريت ديراس سردت كيف أنه لأسباب ترتبط بمقاومة النازية، شاركت في أعمال تعذيب الخونة. ينبع التمييز الأساسي هنا بين الخير والشر من داخل عملية التحول لذات ويتغير بحسبها (وأسميها شخصيا فلسفة، أي التحول إلى حقيقة).
ولكي نلخص ما سبق، ليس هناك تعريف طبيعي للشر، فالشر دائما متعلق بموقف محدد حيث يسعى لإضعاف أو تحطيم الذات. لذا فمفهوم الشر يعتمد بالكامل على الأحداث التي تشكل الذات نفسها من خلالها. فالذات هي التي تشخص ما هو الشر، أو ما هو ليس شرا، وليس الفكرة الطبيعية عن الشر هي التي تحدد الذات “الأخلاقية”.
ولا توجد كذلك حتمية شكلية قانونية يمكننا أن نحدد الشر من خلالها، حتى لو بشكل سلبي. في الحقيقة فإن كل الحتميات تفترض تشكل الذات في الأساس، وفي ظرف معين. ولذا لا يمكن أن تكون هناك حتمية تتحول لذات باستثناء مقولات تافهة تماما.
لهذا ليس هناك شكل معمم للشر لأنه لا يوجد إلا كحكم تكونه الذات في موقف معين وفي تتابع الأحداث في هذا الموقف، ولذا فالفعل نفسه (أن تقتل على سبيل المثال) من الممكن ان يكون شرا في بعض السياقات، وقد يكون ضرورة للخير في سياقات أخرى.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان