رحم الله كل ضحايا كورونا ، هذا الوباء القاتل الذي حصد زملاء لنا أعزاء في دار التحرير من خيرة أبناء المؤسسة ونصر الله أولئك الذين يواجهون هذا الكابوس القاتل بإرادة الحياة والأمل في الله والصمود أمام مخالبة المفترسة.
إن حاولت تشبيه هذا المرض من واقع تجربتي ،فهو مرض قاتل من يسقط في مخالبه يصبح الموت للمريض غاية وحلم لا يستطيع الوصول إليه ،فهو أشبه برجل موتور سقط عدوه بين يديه فأطبق على رقبته وصار حلم الضحية سرعة خروج روحه أو حدوث معجزة النجاة.
فقدت دار التحرير ثلاثة من خيرة أبنائها هم الكاتب الصحفي الأمين مع نفسه ومع مجتمعه ، الصادق مع قلمه وفكره ،الذي يتحرى الحلال فيما يأكل وفيما يكتب الاستاذ فتحي الصراوي مدير التحرير والزميل محمد فوزي فى أمن المؤسسة والزميل مجدي على بشركة الاعلانات المصرية وكلهم شرفهم الله بالشهادة وماتوا مثلما مات أمين الامة أبو عبيدة بن الجراح فى طاعون الشام وكذلك الصحابى الجليل معاذبن جبل وغيرهما من كبار الصحابة الاجلاء وقد صدق الله حين قال:”ثلة من الأولين وقليل من الآخرين” .
أما أخي فتحي رحمه الله وقبله عنده في الشهداء فهو من أفضل من عرفت وقابلت في حياتي ولو أردت أن أصفه فأقول إنه شخصية جادة عاشت حياتها مدركة أنها فى طرييقها إلى الله ،فلا وقت للعبث فى هذه المرحلة الذي يمثل أستثمارها أعظم ما يلقى صاحبها به ربه.
من هنا لم يعرف فتحي النفاق الصحفي أو النفاق الحياتي أو المداهنة أو البزنسة كما هو مشهور في وسطنا ..وكيف يعرف هذه الرذائل رجل ولدته سيدة من أهل القرآن الكريم ..تحفظ القرآن وتقوم بتحفيظه لأبناء قريتها ، وحمل أبناؤها عنها القرآن الكريم ــ وكما ذكر لي أخي فتحي فقد عاش حياته كلها يحميه من اليأس والقنوت ما يقرأه من ورد قرآني يومي بعد صلاة الصبح يراجع فيه جزءا من القرآن ويتزود بزاد إيماني يعينه على مواجهة قسوة هذه الحياة وإغراءتها .
عاش فتحي ـ رحمه الله وأجزل له من كرمه وعفوه وإحسانه ـ لايعرف إلا العمل والإخلاص فيما يعمل وعندما حاول البعض شراءه فى بداية حياته بطرق شتى لم يجد إلا رجلا لا يعرف إلا طريقا واحدة لاتتغير مهما لوح له بالإغراءات.
عرفته من خلال باب صحفي كان يقدمه في الصفحة الأولى بالجمهورية فى شهر رمضان قبل 2011م وكان الباب تحت عنوان بين الشريعة والقانون ولا يملك من يقرأه الاالتوقف أمامه إعجابا بمادته وبلغته وأفكاره فذهبت إليه مهنئا على هذا الجهد اللافت ودعوته لو شاء فى العام القادم أن يكون هذا الباب ضمن الملحق الديني فى رمضان في مساحة أوسع وهو ما حدث فعلا .
أما صفحته التى كان يقدمها على مدى سنوات طويلة فى ملحق دموع الندم “ميزان العدالة ” فهي مدرسة فى تعلم الصحافة القضائية وفى الثقافة القانونية،فإذا قرأت مقاله “وما يسطرون ” تدرك من العنوان لماذا هو كذلك في الجدية والأمانة والصدق فقد اختار عنوانا يذكره بحساب الله على ما يكتب حيث أقسم الله سبحانه بالقلم وما يسطرون فى قوله تعالى :ن والقلم وما يسطرون” لذا فإنك تقرأ مقالا مفعم بالحياة تكاد تشعر فيه بنبض قلبه وخلجات نفسه وتلمس صدق ما فيه ودقة المعلومات والحقائق بلا مواربة أو مجاملة .
في السنوات الأخيرة كتب في شهر رمضان بابا مهما هو: ” القرآن روح الامة” وكان كل حرف فيه هو فكر أخي فتحي وهو لون من الكتابة ـ لا أبالغ إن قلت إنها تضعه فى مصاف مفسري القرآن شديدي الوعي خاصة المتخصصين في التفسير الموضوعي ، وكان المفترض أن يكون هذا الباب موجودا فى رمضان الفائت إلا أن ظروف صفحات الجريدة التى قلت حالت دون ذلك.
إذا أردنا أن نكرم زميلنا واستاذنا فتحي الصراوي أو بمعنى أكثر دقة إذا أردنا أن نكرم أنفسنا ومؤسستنا فعلينا جمع أعماله الصحفية ومقالاته وطبعها بحيث تكون دروسا لأجيال الصحفيين وملجأ للباحثين في هذا المجال وفخرا لنا بأبناء مؤسستنا