لا أحد يختلف مع ما تقوم به الدولة من محاربة الفساد والضرب بيد من حديد على المفسدين وخاصة في أجهزة المحليات التي تهاون الكثير منهم في مراقبة ومنع التجاوزات والمخالفات التي حدثت في مجال بناء العقارات وقام مجلس النواب مؤخرا بإصدار قانون التصالح في مخالفات البناء والذي يتضمن بنودا كثيرة لإزالة هذه المخالفات التي أقيمت على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والبناء بدون ترخيص وفرض غرامات كبيرة على من أقام هذه المخالفات، ولكن هناك بند هام جدا أثار كثيرا من القلق والخوف لدى معظم المواطنين، وهو أن يتحمل مالك الشقة المخالفة قيمة الغرامة المفروضة فكيف يتأتى ذلك؟ ولماذا لا يتم تحميل الغرامة بالكامل كل من أسهم وشارك وأقام هذه العقارات المخالفة من كبار مسئولي المحليات والمحافظة ورئيس الحي ومسئولي المتابعة ومالك العقار وورثته في حالة وفاته؟
فهناك آلاف العمارات والأبراج تتضمن نحو٣ ملايين شقة في كافة أنحاء الجمهورية سليمة من ناحية إقامتها وليست على أملاك الدولة، ولا هي أراض زراعية، ولكن بدون ترخيص يسكنها ملايين الأسر متوسطة الدخل اشتروها بالتقسيط وجمعوا أموالها بعد عرق وتعب السنين؛ سواء في الغربة أو مع الكد والكدح ليل نهار، وهذه الفئة وليس الأغنياء هم الذين تحملوا إجراءات الإصلاح الاقتصادي القاسية التي اتخذتها الدولة، وذلك إيمانا منهم أن ذلك في صالحهم وصالح مستقبل أولادهم على المدى الطويل وحب و ثقة في القيادة السياسية ، وكذلك هذه الفئة هي التي كانت أكثر تضررا اقتصاديا من جائحة كورونا التي أثرت بالسلب على الاقتصاد المصري، ويعاني الكثير منهم قلة الدخل أو انعدامه في أحيان كثيرة، وأصبحوا الآن يجدون صعوبة في توفير مستلزمات أسرهم.
ولكن أن يأتي الآن قانون التصالح في مخالفات البناء ويحملهم بأعباء لا طاقة لهم بها ويزيد من صعوبة الحياة عليهم، فيجب على المسئولين واضعي هذا القانون أن يستمعوا إلى صرخات الضحايا من هؤلاء المواطنين؛ حيث أصبحوا في همٍ بالليل والنهار من كثرة التفكير في كيف يتدبرون قيمة هذه المخالفات وهم لا يملكون من حطام الدنيا إلا حوائط هذه الشقة التي تسترهم بدلا من المبيت في عشش أو النوم في الشوارع؛ حيث إنهم لا ذنب لهم في شراء هذه الشقق التي أقيمت بدون رخصة، وهي ليست ثمنها رخيصة وتتراوح ما بين ٢٠٠ ألف و٣٠٠ ألف جنيه تم سدادها من لحم الحي وبالتقسيط، ولو كانوا يملكون المال الوفير كانوا اشتروا في أفضل المناطق وبأي سعر وبإجراءات سليمة، ولكن ما باليد حيلة؛ ولذا لا بد من إلغاء هذا البند من القانون للحفاظ على استقرار هذه الفئة العريضة من الشعب المصري وتوفير إحساسها بالأمان؛ لأنها هي الجبهة الداخلية التي تحملت الظروف الصعبة وسوف تتحمل أي مواجهات يواجهها الوطن؛ سواء داخليا أو خارجيا، وليس في مصلحة أحد إثارة هذه الفئة إلا أعداء الوطن.
mahmoud.diab@egyptpress.or