كتب عادل يحيى
وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام ولَم يتعرضوا لدور عبادة الآخرين بسوء ونحن في مصر نحمي دور عبادة الآخرين كما نحمي دور عبادتنا والتاريخ والحاضر يشهدان بتعانق المسجد مع الكنيسة والمعبد وحيث تحل جماعات التطرّف ومليشيا الإرهاب يحل الخراب والدمار
في خطبة الجمعة اليوم بمسجد سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) بالقاهرة أكد معالي أ.د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن مصر دولة عظيمة وراسخة المؤسسات منذ آلاف السنين ، وذكر أن أصحاب سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام ولَم يتعرضوا لدور عبادة الآخرين بسوء .
ونحن في مصر نحمي دور عبادة الآخرين كما نحمي دور عبادتنا ، والتاريخ والحاضر يشهدان بتعانق المسجد مع الكنيسة والمعبد وهو ما نجده واقعا حيا ملموسا على أرض الواقع بمصرنا العزيزة ، وقد تحدث القرآن الكريم عنها بلفظ المدينة خمس مرات ، أربع مرات في قصة سيدنا موسى (عليه السلام) ، وهي :
1- “وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ” (القصص : 15) .
2- “وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ” (القصص : 20) .
3- “فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ” (القصص : 18) .
4- ” قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ” (الأعراف : 123).
ومرة في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) ، وهي : “وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” (يوسف : 30) .
ووصف القرآن الكريم حاكمها بالملك في خمسة مواضع ، مما يعني وجود دولة ومُلْك عظيم ، وهي قوله تعالى في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) .
1- “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” (يوسف : 43 ).
2- “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ” (يوسف : 50).
3- “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ” (يوسف : 54).
4- ” قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ” (يوسف : 72) .
5- ” كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ” (يوسف : 76 ) .
وملك مصر لم يكن ملكا عاديا ، بل كان ملكا ظاهرًا ، حيث يقول الحق سبحانه على لسان مؤمن آل فرعون : ” يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ” (الأحزاب : 29) ، وخزائنها وصفت في عهد سيدنا يوسف (عليه السلام) بأنها خزائن الأرض ، يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) : ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف :55 ) .
فهي دولة راسخة الملك والمؤسسات عبر تاريخ يضرب لأكثر من سبعة آلاف عام في أعماق الزمن .
وإذا كنا على مشارف استقبال عام هجري جديد فإننا نؤكد أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر إلى المدينة المنورة ، ما إن استقر بها حتى عمل على إقامة وتقوية مؤسسات الدولة ، فبدأ (صلى الله عليه وسلم) بإنشاء المسجد ، الذي كان مؤسسة علمية وتربوية ودار عبادة في آن واحد ، وإلى جانب المسجد أقام لهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوقهم بالمدينة ، تأكيدًا على أهمية الاقتصاد بصفة عامة ، والتجارة بصفة خاصة ، ولا يقف الأمر في عصرنا الحاضر عند مفهوم السوق التقليدي ، إنما يتطور بتطور الزمان والمكان إلى إقامة الأسواق الدولية التي تصبح مراكز ارتكاز إقليمي أو دولي ، تجارية كانت أم لوجستية .
ومن أهم أعمدة بناء الدولة التي عمل نبينا (صلى الله عليه وسلم) على إرسائها ، ترسيخ أسس التعايش السلمي بين المواطنين وهو ما ترجم عمليًّا في وثيقة المدينة المنورة ، حيث أكد (صلى الله عليه وسلم) في الوثيقة على أن يهود بني عوف ، ويهود بني النجار ، ويهود بني الحارث ، ويهود بني ساعدة ، ويهود بني جشم ، ويهود بني الأوس ، ويهود بني ثعلبة ، وغيرهم من يهود المدينة مع المؤمنين أمة واحدة ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، وهم يد على من سواهم ، إلا من ظلم أو أثم .
ونؤكد أننا في مصرنا العزيزة نطبق هذه الوثيقة تطبيقًا عمليًّا نحفظ لشركاء الوطن دور عبادتهم كما نحفظ دور عبادتنا كما علمنا ديننا الحنيف ، وهذا مسجد سيدنا عمرو بن العاص (رضي الله عنه) موضع موقفنا الآن يعانق الكنيسة والمعبد في تطبيق عملي وفهم دقيق لمفهوم وثيقة المدينة المنورة .
ونؤكد أن الحفاظ على كيان الدولة والعمل على تقوية مؤسساتها مطلب وطني ومقصد من أهم مقاصد الشرع الحنيف ، فمصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان ، ولكل وطن مؤسساته التي هي بمثابة الأعمدة الحاملة للبناء ، ومن أهم هذه الأعمدة الجيش الوطني الذي يحمي البلاد من المخاطر التي تتهددها ، والشرطة الوطنية التي تسهر على أمن المجتمع وسلامه ، والقضاء العادل الذي يعمل على إعطاء كل ذي حق حقه ، والإعلام الوطني الذي يبني ولا يهدم، والمؤسسات الدينية والتربوية والثقافية التي تواجه الفكر المتطرف ، وترسخ لأسس التعايش السلمي بين أبناء المجتمع ، وهكذا سائر مؤسسات الدولة الوطنية من صحة ، وتعليم ، وتجارة ، وزراعة وصناعة، فكلما قويت مؤسسات الدولة عظم شأنها ، لذا فإن جماعات الفتنة والضلال إنما تعمل دائما على إضعاف كيانات الدولة ومؤسساتها وإقامة كيانات بديلة أو موازية ، لأن هذه الجماعات لا تنشأ ولا تقوم إلا على الخراب وأنقاض الدول، فحيث حلت هذه الجماعات حل الخراب والدمار .