احتلت صفقة طائرات سوخوي”سو -35″ الروسية، التي تعاقدت عليها مصر مع موسكو وتسلمت الدفعة الأولى منها، جانبا كبيرًا من اهتمام الإعلام العالمي. وتناولت التقارير الإخبارية هذه الصفقة بالبحث والتحليل، خصوصًا وأن الولايات المتحدة اعترضت عليها وهددت بمعاقبة مصر في حالة إتمامها، وتوعدت واشنطن بخفض او منع المعونات العسكرية التي تقدمها لمصر!!
وتصف التقارير هذه الصفقة بأنها تجسد الإرادة المصرية وتمثل تحديًا للولايات المتحدة وإسرائيل وتحولًا في ميزان القوى بالمنطقة، لا سيما في ظل التوترات الحالية والنزاع حول مناطق التنقيب عن البترول والغاز في شرق المتوسط وما يجري في ليبيا، إضافة للنزاع حول مياه النيل وسعي إسرائيل للحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة.
يصف تقرير على موقع ألـ ـ مونيتور الصفقة بأنها تتحدث بلسان مصر قائلة للولايات المتحدة، بوضوح، إن معوناتك ليست ضرورية. تلك هي الرسالة الموجهة للبنتاجون بعد أن تلقت مصر أول طلبية لها من مقاتلات سوخوي -35 الروسية.
ويستطرد كاتب التقرير، ديف ماكيتشوك، قائلا: هذه الطائرات جديدة تماما وتعكس ضوءً متوهجًا تحت أشعة الشمس المصرية. وكأنها تردد بصوت عالٍ: لا يهمنا جيش الدفاع الإسرائيلي، لا تهمنا الولايات المتحدة وتهديداتها بالعقوبات. اذهبوا للتنمر بدولة أخرى!
نسب الموقع للواء نصر سالم، الرئيس السابق لقسم الاستطلاع بالجيش المصري وأستاذ الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، قوله إن استحواذ مصر على مقاتلات سوخوي من طراز “سو- 35” متعددة المهام إلى جانب ميج-29 إم إس MiG-29Ms ومقاتلات رافال وإف- 16فالكون، يضمن لمصر السيطرة الجوية لحماية مصالحها.
ويتساءل: “الولايات المتحدة امتنعت عن تزويد مصر بمقاتلات إف – 35 التي زودت إسرائيل بها، فلماذا تعارض صفقة مقاتلات سو- 35 الروسية؟”، مضيفًا أن الجيش المصري يسعى للحصول على معدات لا تقل عن تلك المملوكة لإسرائيل.
ووفقًا لمحطة تليفزيون روسيا RT ، “أشارت المصادر إلى أن هذه الطائرات المقاتلة الثقيلة وطويلة المدى ستمنح الجيش المصري تفوقًا في سماء المنطقة، وهذا هو سبب الاعتراض الشديد عليها من جانب الولايات المتحدة”.
وكان موقع Top War الروسي، الذي يركز على الشؤون الدفاعية، قد أفاد في 23 يوليو أن الدفعة الأولى من مقاتلات سوخوي “سو 35” توجهت إلى الجانب الأوروبي من روسيا، تمهيدًا لتسليمها لمصر.
الصفقة وقعتها القوات الجوية المصرية، في 18 مارس 2019، وبلغت قيمتها 2 مليار دولار لشراء 24 طائرة من هذه المقاتلات روسية الصنع، بما في ذلك المعدات اللازمة لها، وفقًا لمصادر رسمية مصرية.
ووفقًا لما ذكرته وكالة IUVM Press، فإن السبب الرئيسي الذي جعل مصر تصر على شراء الطائرة هو أنها تتفوق على طائرات إف -15 وإف-16 الأمريكية الصنع.
ونسب ألـ – مونيتور إلى اللواء حمدي بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان، قوله إن مقاتلات سوخوي تمثل إضافة رئيسية للقوات الجوية المصرية في ضوء المخاطر المحدقة بالمنطقة.
وقال بخيت إنها تتمتع بقدرة فائقة على المناورة وهي متعددة المهام ويمكنها مهاجمة الأهداف البرية والجوية النائية، وخاصة التحصينات الخرسانية والمدارج الثقيلة. ويمكنها الطيران بسرعة 2800 كم/ساعة ويصل مداها إلى 4500 كيلومتر. وستسمح إضافة خزانات وقود خارجية لها بالسفر لمسافات أكبر دون الحاجة للتزود بالوقود.
وقال بخيت: “إن الأمن القومي المصري فوق كل شيء. وما دام الأمر يتطلب استحواذ مصر على مقاتلات سوخوي-35، فمن حقها أن تفعل ذلك، وهي حرة في تقرير ما تريد. لقد أعطت الولايات المتحدة لإسرائيل أحدث طائراتها، وهي مقاتلات إف -35. ومعنى هذا أن واشنطن تستخدم معايير مزدوجة مع مصر عندما تهدد بفرض عقوبات “.
وبالطبع، فإن الرسالة واضحة للغاية: مصر لا تهتم بما تفكر فيه الولايات المتحدة.
وذكرت مجلة فوربس، في تقرير للكاتب بول إيدون المتخصص في شؤون الدفاع، إن تسليم الدفعة الأولى من الصفقة يؤكد أن القاهرة مضت قدماً في شراء الطائرات الحربية الجديدة رغم تحذيرات واشنطن.
وذكرت فوربس أنه في نوفمبر الماضي، حاول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر، في رسالة، إقناع وزير الدفاع المصري محمد أحمد زكي بإلغاء الصفقة.
الرسالة حذرت من أن “صفقات الأسلحة الجديدة الكبرى مع روسيا ستؤدي – على الأقل – إلى تعقيد المعاملات الدفاعية الأمريكية المستقبلية والمساعدة الأمنية لمصر”.
وبالنظر إلى هذه التهديدات الأمريكية، تثور التساؤلات حول الأسباب التي دفعت مصر للمضي قدما في الصفقة
وتشير فوربس إلى أن مصر أنفقت مليارات الدولارات على المعدات العسكرية المتقدمة من كل من روسيا وفرنسا في السنوات الأخيرة. واشترت سفينتين هجوميتين برمائيتين من طراز ميسترال وأسطولًا من طائرات رافال المقاتلة متعددة المهام المتطورة من فرنسا.
ومن روسيا، حصلت مصر على أكثر المعدات العسكرية في عام 2010 مقارنة بما كان عليه الأمر منذ السبعينيات. وتشمل حتى الآن أسطولًا من طائرات ميج -29 إم. وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “كا- 52″ وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي” إس-300″ المتقدمة. وطلبت القاهرة هذه الأسلحة قبل أن تصدر الولايات المتحدة قانون (CAATSA)، في 2017، والذي يقضي بمعاقبة أية دولة تعقد صفقات تسليح ضخمة مع روسيا.
هذه المشتريات كانت تهدف، على الأقل، لتنويع مصادر الأسلحة المصرية لجعلها أقل اعتمادًا على واشنطن وأقل عرضة لأي حظر محتمل على الأسلحة الأمريكية. وبعض أنظمة التسليح هذه أعطت مصر قدرات لم تكن تمتلكها من قبل.
ونظرا لأن الأسطول المصري من طائرات F-16 يفتقر إلى صواريخ أمرام جو-جو بعيدة المدى، والتي تمتلكها معظم طائرات إف -16 الأخرى في المنطقة، فإن طائرات الرافال المصرية مسلحة بصواريخ جو- جو خارج مدى الرؤية، من طراز ميتيور. وإذا كانت طائرات سو-35 الجديدة مسلحة بصواريخ R-77، وهي المكافئ الروسي لـصواريخ أمرام AMRAAM، فإن المقاتلات الفرنسية والروسية بمصر ستتفوق بلا شك على المقاتلات الأمريكية فيما يتعلق بقدراتها من صواريخ جو-جو.
ولا شك في أن مصر واثقة من قدرتها على أن تتجنب أو تتغلب على أي عقوبات أمريكية محتملة بشأن مشترياتها من طراز “سو-35” وتنويع تسليح جيشها، ولولا قوة الإرادة لما أقدمت مصر على هذه الخطوة.