يعد الاغتراب الأسري من أخطر المشاكل التي يتعرض لها الأبناء داخل الأسرة، إذ نجد الابن يشعر بغربة ووحدة بين أفراد أسرته فلا يستطيع الانخراط معهم، لشعوره بأنه مرفوض من قبلهم أن الوالدين في الأسرة الكويتية يعيشان خبرة الاغتراب بدرجة مرتفعة ، وأن الآباء أكثر اغتراباً مقارنة بالأمهات.
كما أن الأسرة العربية تتيح فرصاً جيدة ( فوق المتوسطة ) لتنمية شخصيات أفرادها غير أن ذلك يقل كلما ارتفع مستوى اغتراب الوالدين. فالوالدان الأكثر اغتراباً هم الأقل تعبيراً عن أسرهم بينما الوالدان الأقل اغتراباً هم الأكثر تعبيراً عن ذلك.
تبين أيضاً أن خصائص المفحوصين من حيث السن والتعليم والدخل والإقامة وعدد أفراد الأسرة لا تؤثر إلا بقدر محدود سواء في الاغتراب أو في مساهمة الأسرة في تنمية أفرادها . أما متغير الجنس فإنه يؤثر تأثيراً جوهرياً في الاغتراب حيث يبدو الآباء أكثر اغتراباً من الأمهات .
عدم ترابط الأسرة أساس المشكلة
فقد توصل علماء النفس إلى أن السبب في ذلك هو عدم ترابط الأسرة (أب وأم وأبناء) وجدانيا ونفسيا، وعدم وعي الوالدين بكيفية تحقيق الانسجام النفسي والاجتماعي بينهم وبين الأبناء. وهنا البداية فيشعر الجميع وخصوصا الأبناء بمشاعر الحرمان العاطفي، فيميلوا إلى العزلة وتفضيل الوحدة.
مدمر للنفسية
يخلق شعور الأبناء بالاغتراب داخل أسرهم صراعا نفسيا داخليا لديهم، مسببا لهم الإصابة بالانفصام في بعض الحالات ليصبح الابن في هذه الحالة أسيرا لأصعب مرض نفسي على الإطلاق بحسب وصف علماء النفس له.
الاغتراب الأسري والانحراف
يتطور الشعور بالاغتراب لدى الابن ليزيد شعوره بالرفض من قبل أفراد أسرته فيلجأ إلى البحث عن بديل ليشعر معه بما حرم منه داخل أسرته وليكون ذلك سببا رئيسيا في انحرافه في مراحل متقدمة ما لم ينتبه له.
حلول
يؤكد علماء النفس والخبراء على أنه يجب توعية الوالدين بمخاطر الاغتراب الأسري، وتثقيفهم وتأهيلهم للتعامل مع الأبناء لخلق جو أسري متجانس نفسيا واجتماعيا يدعم العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، والتأكيد على دور التفاعل في تعميق الروابط العاطفية والنفسية بينهم.
توطيد العلاقة بين الزوجين خطوة أولى
يعد تقوية العلاقة بين الزوجين وتعميق جذور المحبة والود والاحترام خطوة أولى وهامة بل وأساسية لتحقيق التفاعل والانسجام العاطفي بينهم وبين الأبناء، فينشأ الأبناء حريصون على التفاعل فيما بينهم مقبلون على الجو الأسري الدافئ الجاذب لهم والمحقق للمشاعر الطبيعية التي يبحث عنها ويحتاج إليها أي إنسان
طالما تحدثت وغيري عن المشكلات الاجتماعية والحياة الزوجية، وما اعتراها من أمراض ولم أكتف بالعرض وبيان الأسباب، بل ساهمت في تقديم العلاج؛ لعل الله تعالى أن ينفع بها؛ فالحديث في مثل هذه المسائل يهدف إلى بناء مجتمع نقي من الأمراض والعلل، فتعود نسائم الصحة تنعش أفراده، وبالتالي تعود إلى مجتمعاتنا الصحة الاجتماعية والنفسية والخلقية، والروابط التي كانت تشد أفراد الأسرة ـ وهي الخلية الأولى في المجتمع ـ فتجعلها أسرة متماسكة متحابة متعاونة، يألف بعضها بعضا، ويحنو بعضها على بعض؛ فيساعد القوي: الضعيف، والثري: الفقير، ويشعر كل فرد أن سعادته لا تتحقق إلى بوجود الآخر معه؛ فالجميع يلتف حول عمودي الأسرة: الأبوين، يحترم الصغير الكبير، ويرحم الكبير الصغير.
التفكك الأسري: معناه انحلال الروابط بين أفراد الخلية، كلُّ يعيش على هواه! فلا يحس بأنه مرتبط بغيره، فلا أحد يهتم بأحد، ولا يقدم المشورة والنصيحة لغيره، يلج ويخرج من البيت وكأنه ليس عضوا في هذا البيت، لا يشعر به أحد، وإذا سألت عنه، فلن تجد من يرشدك إلى أحواله؛ فهو حاضر غائب بل يركب أفراد المنزل رؤوسهم، فلا يستمعون إلى من يرشدهم إلى ما فيه سعادتهم ومصلحتهم.
وقديما لم تكن ظاهرة التفكك في أسرنا على الرغم من بساطة الحياة فيها، حيث قيادة الأبوين بارزة فيها، وليس فيها كل أمارات التفكك التي فشت في المجتمع، وأدت إلى هذا الخلل الاجتماعي الذي فتك بالأسرة، وتوسع حتى عمت مظاهره نواحي الحياة.
لم تعد الأسرة تجتمع على مأدبة الطعام، ولا سهرة في ليلة جميلة، ولا ينصت الصغير إلى الكبير ويطلب منه النصح، ولم تعد تجد الأخ الكبير أو الأخت الكبيرة كأنهما أميران صالحان في البيت، وبقية أفراد الأسرة متنافسون في محبة بعضهم بعضا، يأنسون ببعضهم على عكس ما هم عليه الآن؛ فلا تكاد تشعر بالروابط الأخوية والأبوية، والبنوية، كما خفت رابطة الأمومة والأبوة، فالجميع كأنه سلطان نفسه فلا يهمه أمر غيره، وهذا لم يكن قائما من قبل.
إن أهم سبب في هذا التفكك: يعود إلى ضعف الوازع الديني، وغياب شبه تام لسلطة الأبوين الرحيمة الحكيمة، ثم الطغيان المادي والتقني الذي أصاب بعض المجتمعات؛ فغرقت في مستنقع الترف والبذخ، فحسبت أن سعادتها في هذا، ولكنه في حقيقته كان وقودا لهذه الأمراض.
إن اعتماد بعض الأسر في تدبير شؤون البيت، وتربية الأبناء على العمالة المنزلية: ساهمت في زرع هذه الفجوة المخيفة بين أفراد الأسرة، فالأم وكلت الخادمة بالبيت، وانصرفت عن أبنائها، والأب ما بين سفر وعمل وانشغال دائم لا ينقطع، والأولاد ضائعون في هذا الجو يتنقلون بين أحضان الألعاب بمختلف أشكالها وربما أصدقاء السوء.
هناك صور لأسر ما تزال تعيش ببهجة التضامن الأسري، وربما نطلب من الذين يعانون من التفكك الأسري أن ينظروا إليها متأملين، ليستفيدوا من حياتها، ويؤوبوا إلى رشدهم، فيحذون حذوهم وتعود إليهم سعادتهم، متمثلة في هذا الجو الحنون بين أفراد الأسرة.
وقد قيل: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بمعنى: إن الحياة المادية البحتة التي قوامها يقوم على إحياء الجوانب المادية في حياة البيوت، نسي أفراد المجتمع أو تناسى أثر القيم والفضائل والأخلاق الحميدة في بناء المجتمع القوي المتماسك المتراحم، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان؛
بل لا بد من تقوية الجانب الروحي وإسناد القيادة له في إدارة شؤون المنزل دون أن يغفل هذا الجانب صنوه المادي. فتنسجم الحياة وتتوازن، وتستقيم على ما يرضي الله تعالى. وينقشع ظلام الاغتراب الروحي داخل البيوت.
إن التفكك الأسري والاغتراب الروحي الذي يصنع الجفاء والجفاف في البيوت، إذا لم يتدارك أمره ويستأصل من أساسه، ويحل محله الوئام والوداد والتفاهم والانسجام الفكري والعقلي: فسوف تعيش الكثير من الأسر مستقبل أيامها في مشكلة لا أقول: بيئية؛ وإنما اجتماعية لحياتنا، ينتج عنها التفكك وانفصام العرى، وانعزال كل فرد في البيت عن أخيه؛ فعلينا الإياب إلى ما يسعدنا، ويعيد البهجة إلى بيوتنا، والسعادة إلى قلوبنا ووجوهنا، من خلال الارتقاء الروحي، والدفء الأسري والتماسك.
وعلى الأبوين أن يعودا إلى البيت. وعلى الأولاد أن يستشعروا بأن سرورهم وسعادتهم يكمن في الفيء إلى بيوتهم، يلتمسون منها التوجيه الرشيد، والنصح الوفي، وحب اللقاء الأخوي والأبوي كما كانت الأسر فيما مضى، مع تجاوز الأخطاء التي كانت في المنازل سابقا، فاللهم نسألك حسن الختام. والإياب إلى رحاب الإسلام.
التركيز على دور الاسرة في غرس القيم وتوجيهها ايجابيا مع ما يتناسب من متغيرات العصر . ضرورة الاهتمام بالجانب القيمي لدى الابناء والاهتمام بان يكون ذلك نابع من دواتهم وعن قناعة وان نحرص ان لا تكون قيم الابناء ارضاء للوالدين والمجتمع بل يكون الهدف ارضاء الخالق تنشئة الابناء ضمن حدود الواقع واشعارهم بما يحيط بهم وعدم عزلهم حتى ينشؤوا افرادا اقوياء فاعلين في المجتمع تثقيف وتوعية الابناء بكل ما يطرأ على ثقافتنا وقيمنا من فكر مستحدث كالعولمة مع تدربيهم على مواجهتها . تفعيل دور المؤسسات التعليمية والاسرية بالاهتمام بالأبناء والعمل على دعم هويتهم الذاتية وتعزيزها صياغة برامج ارشادية تهدف الى التخفيف من الاغتراب الاسري والنفسي وغرس قيم ايجابية اهتمام المؤسسات المختصة ككل بالصحة النفسية للتلميذ واسرته والعمل على خلق الية تواصل مستمرة بين التلاميذ واولياء امورهم
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان