منذ سنوات طويلة نتحدث عن الروتين في الجهاز الإداري للدولة. وكتبنا كثيراعن الموظف “عبد الروتين ” الذي يتفنن في تعطيل مصالح الناس بحجة التمسك باللوائح القوانين . وهناك مئات الدراسات والكتب والمحاضرات والدورات التدريبية لكيفية التخلص من الروتين الذي يصيب أي جهاز إداري بالجمود والتخلف وبالتالي تعطيل المصالح.
ورغم تقدم وسائل الإتصال الحديثة وانتشار استخدام الكومبيوتر والتوجه الحكومي الى التحول الرقمي ، الا أن كل ذلك لم يقهر سطوة الروتين الإداري. وقد نصبر قليلا إذا كان هذا الروتين يؤدي لتعطيل بعض المصالح . ولكن لا يمكننا الصبر إذا كان هذا الروتين سيتسبب في تأخر صرف علاج للمرضى ، أوتأجيل توقيع الكشف الطبي عليهم ، أو عرقلة إجراء تحاليل طبية ضرورية . لأنه في هذه الحالة يتحول الروتين إلى سلاح قاتل يهدد حياة ملايين المرضى .
وقد تجلت سطوة الروتين القاتل في وقعة حدثت الأسبوع الماضي في مستشفى أسوان للأورام وسجلها الصديق حمادة بدران من أهالي اسنا في رسالة ورتني عبر المسنجر يقول فيها :
“ذهبت مع أحد البسطاء مريض بورم سرطاني في الكبد إلى مستشفى أسوان للأورام .وللأمانة عرفت لماذا الجميع يحب أهالى أسوان وكل من يعيش فيها . فأسوان بلد جميلة وأهلها الطيبين ،ومعاملتهم الطيبة للغريب ومساعدتهم وارشادهم .عرفت حب الشعب المصري لأهل أسوان الطيبين من خلال معاملتهم الطيبة وايضا عدم الاستغلال فى المطاعم والمقاهى”.
وأضاف : “وعرفت معاملتهم الطيبة من تسهيل الأمور داخل هذا المستشفى وكأنهم أهل منذ ان وصلت مع المريض على باب المستشفى واخبرنى ان عدد الكشف اكتمل وتعالوا بكرة . فأخبرته بأننا قادمين من اسنا ، فترك مكانه وذهب بالداخل واستاذن من الطبيبة التى سمحت بدخول الحالة وقامت بتحويل المريض لقسم الباطنة. عرفت طيبة أهل أسوان بمعاملة أفراد الأمن والتمريض والاداريين وتوصيل المريض فى الداخل للمكان المطلوب لانهاء الاجراءات لعمل أشعة والتحاليل. ولكن للاسف مع كل هذة المعاملة الطيبة يقف الروتين حائلا فى عدم استكمال رحلة علاج المريض، وطلب منه العودة لإحضار خطاب مختوم من إدارة اسنا الصحية لعمل التحاليل والاشعة غالية الثمن مجانا”.
واختتم الصديق بدران رسالته بتساؤل مهم :”السؤال هنا إذا كان المريض من البسطاء ، ويعيش على معاش الشؤون الاجتماعية، ومسجل له ضمان اجتماعى ، وعمره أكثر من 65 عام. فلماذا نضع أمامه العراقيل وخاصة سوف يتم تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل فى الايام القادمة ولماذا نحرم إنسان من العلاج المجانى بسبب الروتين “.
وأرى أن هذا التساؤل مشروع ، ويجب على وزارة الصحة وكل الهيئات والمستشفيات والمراكز الطبية التابعة لها الإسراع لكسر الروتين القاتل ، والقيام يما يلزم للمريض ثم تستكمل الإجراءات والأوراق المطلوبة فيما بينها إلكترونيا.
بقى عزيزي القارئ أن نتعرف معا على المعنى الحقيقي لكلمة روتين، والذي يختلف عن المفهوم الدارج له والذي حصرناه في كل ما يعرقل مصالح الناس . فالروتين كلمة فرنسية الأصل وتعني تكرار عمل أو سلوك ما بشكل دوري. وفي اللغة العربية تعني (الدأب) أي التعود على عمل أو إجراء مكرر.
ويرى خبراء علم النفس أن “تكرار ممارسة الإنسان لعمل معين بشكل دوري، يصبح بمثابة روتين يومي دائم لا يستطيع تجاوزه أو تخطيه”. هنا تكمن الخطورة لأن الوصول الى هذه الحالة سيصيب الإنسان بالملل، ويقلل من إنتاجيته، ويمنعه من التفكير بأي تطور أو أي ابتكار. والحل في هذه الحالة بحسب موقع سطور الالكتروني يتمثل في “إحداث تغيير إيجابي يدخل إلى الروتين اليومي بعضا من الإثارة المطلوبة لزيادة الإنجاز والأداء بشكلٍ أفضل “.
Aboalaa_n@yahoo.com