السنوات الأربع الماضية، أصابت المراقبين بالدوار، ففترة رئاسة ترامب (الأولى) مليئة بالتهويل والتضليل ونظريات المؤامرة والعنف اللفظي والرمزي. حافلة بالانتهازية، وعشق الذات، والتهميش الدائم للمعارضين السياسيين، والشركاء الدوليين، ووسائل الإعلام.
منذ عام 2016، بدا على ترامب هوس مزدوج بسلفه، تمثل في سعيه لمحو إرث أوباما السياسي، بالتراجع عن إجراءاته وقوانينه، مثل قانون الرعاية الصحية الميسرة، والمراسيم المتعلقة بالبيئة والتنوع البيولوجي، والنصوص التي تحارب الاغتصاب في الجامعات، والاتفاقيات الدولية حول المناخ وحول إيران، إلخ). كما زعم أحقيته بجائزة نوبل!!
هل هي قضية الأنا؟ ربما، لكنها ليست الأنا فقط. لقد غازل ترامب جزءًا من الناخبين البيض بمشاعر الهوية وبأنه تم انتخابه ليعيد عظمة أمريكا الأسطورية. إنه أبيض، أبوي متسلط ومنغلق على نفسه.
ماري سيسيل نيف، أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث متعددة التخصصات CRI بباريس، تتساءل: في مقال لها بمجلة كونفرسيشن: هل هي قضية الأنا العليا؟ وتجيب بنعم، فترامب يحب الظهور على أنه شخص “خارق”، لا يعتمد على أحد لأنه فريد من نوعه، مبعوث العناية الإلهية القادر على إنقاذ أمريكا.
في السياسة الخارجية، كان انفصاله عن الأطر التقليدية للتعاون الدولي واضحًا، انتهج ترامب استراتيجية التخويف والتهديد والتعنت، وانبهر بالديكتاتوريين وتسبب في العزلة النسبية للولايات المتحدة على المسرح الدولي.
وإذا كانت السياسة التجارية العدوانية تجاه الصين أظهرت بعض التماسك، فقد تم تقويض الثقة المتبادلة مع حلفاء أمريكا التقليديين (أوروبا وكندا). وخيارات واشنطن الدبلوماسية في الشرق الأوسط لم تخفف التوترات، بل على العكس (انسحاب أحادي الجانب للقوات الأمريكية من سوريا، ودعم غير مشروط لنتنياهو حتى في الاستيطان، وتجاهل تام للفلسطينيين).
ورغم اجتماع ترامب ثلاث مرات مع رئيس كوريا الشمالية، منها مرة في بيونج يانج عام 2019 هي الأولى التي يقوم بها رئيس أمريكي، لم يتخذ كيم أي خطوة لنزع السلاح النووي، ولكن، بفضل ترامب، اكتسب كيم مكانة دولية كان يتمناها.
كما أدى الانسحاب من اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس والاتفاق النووي مع إيران إلى إضعاف التعددية بشكل كبير وهو أمر ضروري لإدارة أزمات الكوكب الكبرى.
تمثل جوهر طموح ترامب داخل البيت الأبيض، في الترويج لعلامته التجارية الخاصة، في قطاعات العقارات والترفيه. فالقصة المصاحبة لعلامة ترامب التجارية هي قصة المال السهل، قصة القتال، “الفوز”، “النصر”، الغزو.
اعتمد ترامب على العشيرة، وهي دائرة صغيرة من الأقارب الذين يكرسون الولاء الراسخ للرئيس، يدافعون عن مصالحه الشخصية بأي ثمن، رغم القانون والقواعد والأنظمة.
أثار ترامب الانقسامات في المجتمع الأمريكي، وعمق الشروخ الاجتماعية والاقتصادية والجنسانية والعرقية، ومع ذلك حمَّل الديمقراطيين والمناهضين للعنصرية ونشطاء المناخ المسؤولية.
وسواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فقد ذهب ترامب غير مأسوف عليه!!