ذهبت في ختام مناسبة عزاء لأواسي ابن المتوفي ، ولاحظت عليه علامات الحزن والهم الزائد . فقلت لمرافقي الشاب يبدو أنه خائف من المسئولية التي تركها له أبيه خاصة وأنه الإبن الأكبر . فرد مرافقي ليست المسئولية وحدها سبب همومه ولكنها ديون تكلفة العزاء من سرادق ومقرئين ومشروبات والتي تجاوزت 30 الف جنيه ، وهي تكلفة كبيرة مقارنة بحال معيشة أهالي قريتهم . سنحت فرصة للتحدث معه على انفراد وبادرته :” ليه كلفت نفسك طالما ليس معك .. كان من الافضل ان يكون العزاء في دار مناسبات وتوفر على نفسك الديون “. فرد الشاب بنبرة يختلط فيها الحزن مع الهم مع الحسرة قائلا :” مضطر والله يا استاذ .. أبويا مش اقل من ابو فلان وابو فلان .. لو معملتش كدى الناس حتاكل وشي .. ويقولوا اني قصرت في حق ابويا “.
تأكدت أن حب المظاهر وراء ظاهرة ” مهرجانات العزاء ” ، وهي ظاهرة غير محموده بدأت للأسف تنتشر في مجتمعنا مؤخرا، وتنافس فيها الفقراء مع الأغنياء مدفوعين بمقولة ” محدش أحسن من حد “. والقول الاخر ” احنا مش أقل من فلان او علان “!!. الغريب أن هذه التكلفة العالية لمهرجانات العزاء تتضمن الاتفاق مع صور فيديو يدور بين المعزين للتسجيل المهرجان بالصوت والصورة مع التركيز على أعيان القوم من باب التفاخر . وشاهدت بنفسي مرات كثيرة احد أقارب المتوفي يهمس في أذن المصور أن يركز على جانب معين من السرادق يجلس فيه مسئولين أو نواب أو الأثرياء أو الأعيان .
وقال أحد أصحاب محال الفراشة أن تكلفة سرادقات العزاء تبدأ من 10 الاف جنيه وتتدرج حتى تصل إلى 150 ألف جنيه وذلك حسب مساحة السرادق ونوعية الكراسي المطلوبة . وأوضح في تصريحات صحفية ” سعر السجادة تصل إلى 50 جنيه حسب حالة السجاد، وسعر الكرسى الجلد 100 جنيه، والكرسى العادة يبدأ من 5 جنيهات ويصل إلى 40 جنيه، وسعر الكرسى المطلى بالذهب والمخصص لقارئ القرآن الكريم يبدأ من 750 جنيه وحتى 1500 جنيه “.
والذي يرفع تكاليف العزاء ، الأسعار المبالغ فيها للمشاهير من قراء القرآن الكريم والذي يتم الإتفاق معهم من باب المباهاة ” الفشخرة ” . ويقول الشيخ محمد حشاد، شيخ عموم المقارئ المصرية في تصريحات منشورة :” أن بعض قراء القرآن الكريم يحصلون الآن على أجور باهظة تصل إلى 50 و100 ألف جنيه “. ويصطحب القارئ الشهير معه في كل عزاء شلة من “الهتيفة” بعضهم متطوع وأخرين بأجر. ومهمتهم الهتاف له بصوت عال بعد كل آية يقرأها، ويطلبون الإعادة .
وأوضح الشيخ حشاد أنه ناشد الأهالى أكثر من مرة بعدم الإسراف فى سرادقات العزاء قائلا :” بعض السرادقات تصل تكلفتها إلى 150 ألف جنيه بالذبائح التى قد يذبحها أهل المتوفى للمعزين ، وهذه الأموال يكون أبناء المتوفى لا سيما القصر أولى بها لتعينهم على أعباء الحياة من بعده ”.
ساهم وباء كورونا الى الحد مؤقتا من مهرجانات العزاء ، ولكنها سرعان ما تعود مع تراجع الوباء . وأرى ان الوقت حان ليتدخل العقلاء والعلماء والوجهاء لشرح مخاطر هذه الظاهرة على المجتمع وانها توسع هوة الفرق بين الأغنياء والفقراء مما يهدد السلم المجتمعي. ويمكنهم الاستناد في ذلك على الحكم الشرعي الصادر من دار الإفتاء على لسان الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية وهو : ” إقامة السرادقات لأجل المباهاة والتفاخر، إسراف محرم شرعًا، وتشتد حرمته إذا تحمل القصر من أهل الميت نصيبا من ذلك، أو كان أهل بيته في حاجة إليها”.
ولأن غالبية المصريين يتجاهلون الأحكام الشرعية أرى أن الحل العملي يبدأ بتوقف الأثرياء والوجهاء في القرى والمدن عن هذه الظاهرة المؤسفة وسرعان ما يقلدهم الفقراء ثم تستقيم الأوضاع .
Aboalaa_n@yahoo.com