رمضان شهر النفحات ويأبى الا ان يزودنا ويمتعنا كل يوم بالجديد والمبهر سواء على المستوى الروحي والسموالايماني والوطني ايضا والمجدول بوشائج تعانق الحاضر وتختال بالماضي وهي تطيرفرحا الى المستقبل في عالم يكسوه الطهر ويجلله النقاء..
واذا كنا في كل رمضان قد جعلنا ختام نهار رمضان وقبل الافطار ساحة من المتعة والرياضة الروحية والسباحة في عالم من الانوار القرانية حتى تعود الناس كل الناس اهل مصر جميعا وحتى الدول العربية والاسلامية على متعة الاستماع للقران مجودا باصوات الكبار وعملاقة وعباقرة التلاوات القرانية والذين حفروا اسماءهم في عقول وقلوب الامة بصورة مذهلة فاننا امام متعة قرانية جديدة وفي توقيت اخر هذه المرة بعد العشاء تنطلق اضواؤها واشعاعاتها من قلب الجامع الازهر بعد الافطار وتحديدا مع صلاة التراويح.
تجربة جديدة فريدة في غاية الروعة مع كتاب الله الكريم وفي شهر القران العظيم حيث يتبارى ويتنافس شباب مصر وشيوخها ايضا من علماء القراءات في صلاة التراويح بقراءات القران العشر المشهورة( نافع وابن كثيروابو عمرو البصري وابن عامر الشامي وعاصم الكوفي وحمزة الكوفي والكسائي الكوفي وابوجعفر المدني ويعقوب البصري وخلف العاشر) ورواتهم وطرقهم العشرين الاكثر شهرة مثل قالون وورش والبزي وقنبل والدوري والسوسي وحفص وغيرهم.
وذلك تقدمة لمشروع قراني كبير من مصر للعالم الاسلامي خاصة والعالم كله عامة القران الكريم بكل احرف القراءة التى نزل بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بصراحة احسست بجمال وحيوية قوة مصر الناعمة عندما تنهض وتستنهض وانت ترى هذا الجمال يشع من قلب مصر الازهر والذي يملأ الفضاء الالكتروني كل يوم وليلة معوضا غيابا غريبا لوسائل الاعلام وخاصة القنوات الفضائية عن هذا العمل الفريد. احساس غريب لا تقدر على وصفه او شرحه وانت تتفحص الوجوة الوضيئة من المصلين والاعداد المتراصة والصفوف المنتظمة كحبات اللؤلؤ من كل الاجناس والالوان من كل بلاد الدنيا على ارض ام الدنيا باعداد تفوق اعداد المصريين بكثير في ارجاء الجامع الازهر.
تشاهد بكل فخر نوعا متميزا من الائمة الذين يتقدمون الصفوف للصلاة جمال وشياكة وحسن هندام سواء بالزي الازهري او بغيره وكانهم ائمة في مهمة اعلى من الرسمية فضلا عن الفصاحة والثقة والايمان والخشوع والمهابة.. مشاهد لم يألفها احد في الصور المقدمة عن المشايخ وائمة المساجد وخاصة في الدراما وغيرها من البرامج اياها التى جعلت من الائمة بابا للنكتة والفكاهة واشياء اخرى لاتليق..الان في الازهر انت امام صورة عصرية حضارية بالزي الازهري الجميل الذي يلفت القلوب والعقول معا..
قد يقول البعض همسا او جهرا وما المشكلة صلاة تراويح تؤدي مثلمايحدث في الاف المساجد بمصر التى تشهد اقبالا منقطع النظير خاصة التاريخية المعروفة والتى لا تكاد تجدفيها موطئا لقدم؟
الاجابة ببساطة.. القضية ليست صلاة تراويح بالفعل وانما الامر جلل..توجه جاد ورسالة قوية بليغة من مركز اشعاع حضاري لم يخفت ضياؤه على مر العصور رغم انف الكارهين والحاقدين والمتربصين ومن شايعهم فضائيا وارضيا من المتحذلقة والمتفزلكة والمتنمرة والموقوذة والمتردية والنطيحة.
ما يحدث انتصار جديد للقران الكريم وانوار القران بالاحرف السبعة التى اشرقت به انوار الرسالة المحمدية على هذا الكون للعالمين..
وهو خطوة عملية مهمة على طريق تصحيح النظرة الضيقة والرؤية الخاصة من جانب اعداء القران الكريم سواء من المستشرقين وتوابعهم ومن يسمون انفسهم بالعلمانييين ومتعصبي المذاهب ومتحجري العقول واتباع مذاهب فقهية فرضوا راويا او قراءة معينة تتوافق مع شيوخ مذاهبهم ليس الا واقاموا حروبا بغير داع او وعي على غيرالرواية المشهورة لديهم.
وايضا هي محاولة حتى وان كانت غير مقصودة لمواجهة عمليات تسيس القراءات والايعاز بربط بعضها بتوجهات خاصة كما يحدث بالفعل من بعض المتسلفة او من يفهمون السلف على طريقتهم الخاصة ولا نقول اهوائهم للترويج لقراءة معينة مما اثار جدلا كبيرا وكاد ان يشعل فتنة عمياء وسمعنا عن معارك ومواجهات فقهية وما اسموه من سحب البساط من قراء معينين لصالح قراءات اخرى وتم استغلال الموقف اقتصاديا ايضا ودعائيا.
حتى اصدرت بعض الجهات قرارات بتحريم القراءة بغير الطريقة والرواية المعتمدة والزمت بذلك محطات الاذاعة والقنوات الفضائية وايضا المطابع الخاصة بطباعة المصحف ولعل هذا ما يفسر سر الانتشار الكبير لطبعات بعينها برواية بعينها في مناطق معروفة وحجب الطبعات بروايات اخرى ومنع تداولها!
امام مثل هذه المواقف صدرت فتاوى مهمة تؤكد ان منع القراءات المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو منع لجزء من القران الكريم.
والمعروف ان علم القراءات واحد من عجائب القران التى تنقضي ودراسته مما تفنى فيه الاعمار وهوثغر عظيم لا يوفق اليه الا من اراد الله له الخير لقوله تعالى ” ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا “.
والامر فيه انتصار كبير للصحوة القرانية التى تنير ارجاء مصر المحروسة ومدارس القران التى يرتفع عددها يوما بعد يوم باشراف وزارة الاوقاف والازهر الشريف ويتجاوز منسوبيها الالاف وايضا معاهد القران الكريم وكلياته ودراساته العليا.
وايضا انتصار للدراسات الجادة والدقيقة التى تتناسب وجلال وعظمة القران ولا ابالغ اذا قلت انه يساهم في وضع ضوابط جديدة وكوابح لفوضى الاجازات والشهادات المضروبة للمقرئين وهي تجارة راجت لفترة اساء البعض استغلالها والتربح من ورائها وهو ما يلوث الثوب الابيض لعالم تحفيظ القران الكريم.
ما يلفت الانتباه ويجب ان نتوقف امامه مع تلك الخطوة المهمة هو استخدام وسائل التواصل الحديثة بدقة ومهارة عالية ليس فقط لاذاعة الصلوات على اليوتيوب والنت ولكن لادارة العملية على النت وفتح باب التفاعل مع الجماهير والقاء محاضرات ودروس ومراجعات اونلاين وحركة تفاعل نشطة بين العلماء والشباب.
سألت فضيلة الدكتور عبدالمنعم فؤاد العميد الاسبق لكلية الوافدين والمشرف على اروقة الازهر العلمية عن اصل الحكاية فاجاب بان الفكرة نبعت من البحث عن طريقة لحفظ الروايات القرانية خاصة تلك التى يخشى عليها من الاندثار وتم الاستعداد لذلك سواء في المقرأة الخاصة للقران بالجامع الازهر وهي مفتوحة لكل راغبي حفظ لقران وتعلمه.
وفي الخطة ان يتم تسجيل القران كاملا بالقراءات العشر والروايات العشرين المشهورة لاول مرة في مصر والعالم الاسلامي..
هذا العام في صلاة التراويح تم تخصيص ستة من القراء الحفاظ الثقات لامامة الناس في التراويح وكل يوم يقدم قراءة برواية وسيتم تقديم الروايات العشرين المعروفة طوال الشهر الفضيل وقد بدأنا في اليوم الاول برواية قالون عن نافع و ورش عن نافع ثم راويا ابن كثير البزي وقنبل وهكذا.
وتذاع الصلاة على الهواء مباشرة على قناة الازهر على النت ويتم الالتزام بالاجراءات الاحترازية وتنفيذها بدقة وفقا لقرارات مجلس الوزراء الخاصة بجائجة كورونا ..
اوضح د. فؤاد ان المقرأة الرمضانية برواية حفص يوميا من الواحدة ظهرًا عدا الجمعة لقراءة حزب من جزء وتبدأ بشرح قصير لحكم تجويدي من أحد شيخي المقرأة والشيخ الآخر يستخرج الأمثلة والشواهد.وبعد القراءة يفتح المجال للمستمعين للمشاركة في القراءة من خلال رابط برنامج (تيمز).
وفي النهاية يطلب من المستمع استخراج التطبيقات للحكم المشروح.يدير المقرأة الدكتور هانى عودة مدير عام الجامع الأزهر باشراف فضيلة الشيخ حسن عبدالنبي وكيل لجنة مراجعة المصحف الشريف.
نعم مشروع جاد وعظيم يستحق الاشادة وكل الدعم والمساندة لتستمر اشراقات مصر الاسلامية السمحة على العالم .
والله المستعان .
Megahedkh@hotmail.com