الاخبارية – رويترز
ترجلت رهام الأحمد من سيارة الأجرة التي كانت تركبها مع امرأة أخرى في وسط الرياض ودخلت المركز التجاري الذي تعمل فيه أربعة أيام في الأسبوع في بيع أدوات التجميل.
أصبحت رهام الأحمد الحاصلة على الشهادة الثانوية أول فتاة عاملة في عائلتها. لم يكن والداها يرغبان في خروجها للعمل لكنهما تراجعا في نهاية الأمر بعد أن زادت تكاليف المعيشة في العاصمة.
وفي ضوء سريان ضرائب جديدة عالية وتخفيضات في الدعم الحكومي بدأت أسر كثيرة تعتمد على نحو متزايد على خروج المرأة للعمل.
وأصبحت النساء يتفاوضن على مكانة جديدة لهن في النسيج الاجتماعي الدقيق في البلاد وهو اتجاه حظي باحتفاء البعض بينما قابله البعض الآخر بارتياب في المملكة التي لا تزال التقاليد المحافظة متجذرة فيها.
اختارت رهام الأحمد ابنة الأربعة والعشرين عاما التي تعيش مع والديها وأخوتها الخمسة الأصغر سنا متجرا معظم زبائنه من النساء وذلك للتخفيف من شدة مخاوف الوالدين من اختلاطها بالرجال.
قالت “كنت أشعر بالذنب عندما أطلب من والدي أي شيء. لكن منذ بدأت أشتغل أشعر بالفخر لأن بإمكاني مساعدة أسرتي”.
وتخرج كل يوم آلاف النساء في مختلف أنحاء البلاد للعمل وهو أمر لم يكن يخطر حتى على البال قبل بضع سنوات فحسب لكنه أصبح الآن عرفا سائدا في ظل الإصلاحات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحديث المملكة.
وتسلط السعودية الضوء على ما حققته من تقدم في قضايا المرأة في وقت تتعرض فيه لانتقادات في الغرب بسبب سجلها في حقوق الإنسان بما في ذلك حملة تضييق على المعارضة وقعت في حبائلها عشرات من الناشطات في مجال حقوق المرأة وكذلك بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018.
ولا تسمح المملكة بقيام الأحزاب السياسية أو إجراء الانتخابات.
ولا توجد حاليا أي امرأة في مجلس الوزراء السعودي أو في أي أدوار استشارية عُليا. ويضم مجلس الشورى 30 امرأة فقط بين أعضائه البالغ عددهم 150 عضوا.
غير أن النساء يشكلن الآن 33 في المئة من مجموع الأيدي العاملة أي قرابة مثلي النسبة التي كان سائدة قبل خمس سنوات. وأصبحت النساء من مختلف الفئات العمرية والمستويات التعليمية يقبلن العمل في وظائف كانت مقصورة من قبل على الرجال السعوديين والعمالة الوافدة في المطاعم ومتاجر السوبرماركت وشركات المحاسبة وتصميمات الجرافيك.
وفي إطار الإصلاحات أُتيح للنساء قيادة السيارات منذ عام 2018. غير أن رهام الأحمد التي يبلغ دخلها الشهري 4500 ريال (1200 دولار) لا تستطيع تحمل نفقات دروس تعليم القيادة، هذا بخلاف ثمن السيارة.
قالت “أصرف حوالي ثلث مرتبي على التاكسي” مضيفة أنها تدخر المال لشراء سيارة. “لكني سعيدة فعلا لأن لي عمل أحصل منه على دخل خاص في نهاية الأمر. لم يخطر على بالي قط أن هذا ممكن بالنسبة لي”.
ويعمل عدد صغير من النساء منذ فترة طويلة في السعودية لكن وظائفهن كانت عادة في القطاع الحكومي في خدمات التدريس والرعاية الطبية عملا بقواعد الفصل التام بين الجنسين التي كانت سارية.
غير أنه مع تخفيف القيود على اختلاط الجنسين وقيادة السيارات وبعض جوانب وصاية الرجال على المرأة بدأت الشركات توظف أعدادا أكبر من النساء.
وينطبق هذا بصفة خاصة على قطاعي تجارة التجزئة والضيافة اللذين أطلقت فيهما الحكومة خطة عام 2011 لإحلال مواطنين محل العمالة الوافدة الأرخص وذلك لمعالجة البطالة بين السعوديين التي يبلغ معدلها الآن 11 في المئة.
وقالت الخبيرة الاقتصادية جينيفر بيك “كثير من الوظائف التي تشغلها النساء كان يشغلها تقليديا غير السعوديين”. وقد سهلت القوانين الجديدة عمل المرأة في الوظائف التي تتطلب التعامل المباشر مع الزبائن.
وتبين أبحاثها أن عدد السعوديات في القطاع الخاص قفز إلى 935508 في عام 2021 من 56 ألفا في عام 2010 وأنه يواصل الارتفاع.
* أعراف اجتماعية
لا يحدث التغير في الرياض فحسب.
ففي عنيزة وهي مدينة بمنطقة القصيم في قلب المجتمع المحافظ بدأت الاتجاهات تتغير وأصبح عدد أكبر من النساء يعملن رغم حذر البعض من الانقلاب على التقاليد.
واجهت غادة السلمان (33 عاما) بعد تخرجها من الجامعة صعوبات في العثور على عمل في القصيم التي تبلغ البطالة بين نسائها نحو 18 في المئة، أي ثلاثة أمثال معدل البطالة بين الرجال.
وتحولت إلى صناعة المخبوزات وافتتحت في نهاية الأمر ثلاثة متاجر يبلغ عدد العاملين فيها 45 فردا.
وفي مهرجان التمور في الآونة الأخيرة عملت على الترويج لإنتاج مخبزها “مخبز روز ربن” (الشريط الوردي) وهو من أنشطة الأعمال القليلة المملوكة لنساء في القصيم.
قالت وهي تقدم لزبائنها شرائح من كعك بالتمر “لولا والداي لما استطعت أن أفعل أي شيء من ذلك”.
وأضافت “أغلب الآباء هنا لا يوافقون حتى الآن على عمل بناتهم طوال اليوم مع الرجال حتى إذا كن هن رئيسات العمل وحتى إذا كن يرتدين النقاب”.
وترتدي غادة السلمان ما يغطي الوجه وعباءة سوداء طويلة مثل معظم النساء في الأماكن العامة في عنيزة. غير أنها تواجه العتاب من المحافظين الأكبر منها سنا.
وشكا رجل في الستينات من عمره من سرعة التغير الاجتماعي وهو يتلذذ بأكل واحدة من كعكها المكوب.
قال الرجل طالبا عدم نشر اسمه إن الحكومة “تقول لنا إن النساء يجب أن يعملن لكن هذا يخالف تقاليدنا”.
* فجوة الأجور بين الجنسين
يرى آخرون أن هذه التغيرات تأخرت كثيرا. فقد انضمت رنا التركي (45 عاما) إلى شركة أبيها العاملة في النفط والغاز عام 2000 وكانت من أوائل النساء اللائي عملن بالشركة، وعملت لسنوات في مكتب لا اختلاط فيه بين الجنسين.
قالت رنا التركي التي أصبحت الآن من أصحاب شركة روابي القابضة وأحد مديريها “في ذلك الوقت لم يكن الرجال مهذبون حتى. لم يكن أحد يقول صباح الخير أو يركب المصعد معي، ولم يطيقوا حتى الوقوف معي في غرفة واحدة”.
وأضافت “الحمد لله الأمور تغيرت. في أيامي كنا حتى نخاف من طلب مرتب. لكن الفتيات هذه الأيام يدخلن ويتفاوضن بشدة. فهن يدركن قيمتهن”.
ورغم ذلك فإن فجوة الأجور بين الجنسين في السعودية تبلغ 49 في المئة وفقا لأبحاث جمعية النهضة غير الحكومية.
قالت هالة الدوسري خبيرة حقوق المرأة السعودية التي تعمل في الولايات المتحدة “الاتجاهات الاجتماعية مازالت تحكم دخول المرأة إلى سوق العمل” وأشارت إلى أن معظم الوظائف الجديدة للنساء أجورها منخفضة.
وأضافت أنه رغم سريان قوانين لمنع التحرش والتمييز فلا تزال النساء يتعرضن للتحرش ويُحرمن من حقوقهن.
وقالت الاقتصادية جينيفر بيك إن بعض أصحاب الأعمال مازالوا يطلبون من النساء موافقة ولي الأمر على عملهن وذلك رغم الإصلاحات الأخيرة التي تتيح للمرأة قدرا أكبر من التحكم في حياتها.
وقال صاحب عمل بإحدى الشركات الكبرى لرويتر إنه يفضل توظيف النساء لأنهن يجتهدن في العمل أكثر من الرجال ويحصلن على نصف الأجر.
وقالت 400 شركة هي تقريبا كل الشركات التي حاورتها مجموعة الأبحاث التي تعمل فيها بيك إن أجور النساء السعوديات أقل من الرجال وقال ثلث الشركات إن النساء أكثر إنتاجية من الرجال.
لكن بالنسبة لكثيرات من السعوديات ليست هذه سوى متاعب متزايدة.
فقد قالت غادة السلمان صاحبة المخبز “الشابات يسألنني طول الوقت كيف يمكنهن أن يحققن ما أنجزه. أقول لهن: قبل عشر سنوات كان ذلك مستحيلا. أما الآن فالمستقبل لكُنّ”.