يقلل فقدان التنوع البيولوجي إنتاجية النظم الإيكولوجية كثيرا، ويقلل بالتالي سلة الطبيعة من السلع والخدمات التي نستخدمها جميعا دائما. كما أنه يزعزع استقرار النظم الإيكولوجية، ويضعف قدرتها على التعامل مع الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير، فضلا عن تلك التي يتسبب فيها الإنسان مثل التلوث وتغير المناخ وتدمير الموارد والبيئات الطبيعية . ونحن ننفق بالفعل مبالغ طائلة في التصدي للكوارث التي تفاقمها إزالة الغابات مثل الفيضانات والأضرار الناجمة عن العواصف؛ ومن المتوقع تزايد هذه الأضرار بسبب زيادة الاحترار العالمي.
ونتعرض للضرر، بصور كثيرة، بسبب فقدان التنوع البيولوجي. فالهوية الثقافية متجذرة في البيئة البيولوجية. والنباتات والحيوانات هي رموز لعالمنا، يُحافظ عليها في الأعلام والتماثيل كما حافظ عليها القدماء المصريين وغيرها من الصور التي تحدد هويتنا ومجتمعاتنا. كما أننا نستلهم الجمال والقوة بمجرد النظر في الطبيعة.
وفي حين أن فقدان الأنواع كان دائما ظاهرة طبيعية، إلا أن وتيرة الانقراض تسارعت بشكل كبير في السنوات الماضية نتيجة لزيادة النشاط البشري. فالنظم الإيكولوجية تُجزّأ أو يقضى عليها، وهناك أنواع لا حصر لها آخذة في الانقراض أو أنها قد انقرضت بالفعل. ونحن نتسبب في أكبر أزمة انقراض منذ الكارثة الطبيعية التي قضت على الديناصورات قبل 65 مليون سنة. وهذه الإنقراضات لا يمكن إيقافها اوتحويل مسارها، وتمثل تهديدا لمستقبلنا بسبب اعتمادنا على محاصيل الغذاء والأدوية وغيرها من الموارد البيولوجية. ومن غير الأخلاقي أن ندفع أشكال الحياة الأخرى إلى الانقراض، وبالتالي حرمان أجيال الحاضر والمستقبل من خيارات البقاء والتنمية. ويبقى السؤال، هل يمكننا الحفاظ على النظم الإيكولوجية في العالم، ومعها الأنواع البرية والبحرية التي نهتم بها، والملايين غيرها من الأنواع الأخرى، التي قد تنتج بعضها غذاء الغد ودوائه؟ والجواب يكمن في قدرتنا على تحقيق مطالبنا بصورة تتماشى مع قدرة الطبيعة على إنتاج ما نحتاج إليه واستيعاب مخلفاتنا استيعابا مأمونا.
الأخطار المحدقة التي تتهدد التنوع البيولوجي
لا يزال فقدان الموئل، من خلال التغيرات في استخدام الأراضي وبخاصة تحويل الأنظمة الإيكولوجية الطبيعية إلى أراض زراعية، هو أكبر سبب مباشر لفقدان التنوع البيولوجي. فقد حُوّل 20 إلى 50 في المائة من مجموع مساحة الأحياء البرية الأربعة عشر الموجودة على كوكب الأرض إلى أراض زراعية.
لا يزال الاستخدام غير المستدام للنظم الإيكولوجية والاستغلال المفرط للتنوع البيولوجي (تدمير البيئات الطبيعية وفقد الموائل والصيد الجائر والإتجار غير المشروع في الحياة البرية والتي تمثل تهديدات رئيسية. ويستخدم البشر الكثير من الأنواع لتلبية الاحتياجات الأساسية. وتعاني الكثير من الأنواع من التدهور نظرا لاستخدامها على مستويات غير مستدامة أو لحصادها بصور تهدد النظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها. وينتشر هذا التدهور على نطاق واسع.
من المتوقع أن يغدو تغير المناخ بصورة تدريجية تهديدا كبيرا للتنوع البيولوجي في العقود المقبلة. فقد لوحظت التغيرات في توقيت الازهرار وأنماط الهجرة، فضلا عن توزيع الأنواع بالفعل في أنحاء العالم. وفي أوروبا، على مدى الأربعين سنة الماضية، تقدمت بداية موسم النمو بنسبة 10 أيام في المتوسط. ويمكن لهذه النوعية من التغيرات أن تغير في سلاسل الغذاء وخلق تباين في إطار النظم الإيكولوجية التي طورت فيها الأنواع المتعددة فيما بينها اعتمادا متبادلا ومتزامنا، مثل الاعتماد المتبادل القائم بين التعشيش وتوافر الغذاء.
من الممكن أن يتسبب نقل النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة – بقصد الإتجار أو بدون قصد – إلى منطقة خارج نطاقاتها الجغرافية الطبيعية في حدوث أضرار كبيرة للأنواع الأصلية التي تتنافس معها على الغذاء، أن تتغذى عليها، وبالتالي نشر الأمراض والتسبب في حدوث تغيرات جينية من خلال التناسل مع الأنواع الأصلية وانتشار سريع للأمراض المعدية مثل جائحة فيروس كورونا (COVID19 )، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى تعطيل جوانب عدة من شبكة الغذاء والبيئة المادية والصحية. وقد عُثر على 530 نوعا غريبا تحمل دليلا ثابتا بالأثر الواقع على التنوع البيولوجي في 57 بلدا جُمعت بياناتها، وبمتوسط 50 نوعا لكل بلد (في نطاق من تسعة إلى 200).
ويسبب تراكم تلوث الفوسفور والنيتروجين، الذي يسببه بشكل كبير فائض الأسمدة الزراعية المتسربة من الأراضي الزراعية ومن المجارير والنفايات السائلة الأخرى، في تراكم طحالب قادرة على الاستفادة من العناصر الغذائية المضافة. ويمكن أن تكون الطحالب نفسها سامة وتسبب خطرا على الصحة، إلا أن ضررها الأكبر على التنوع البيولوجي هو الذي يسببه عندما تحليلها للأوكسجين أو استخدامه بكميات كبيرة في المياه، مسببة بذلك ’’مناطق موت‘‘ لا يمكن لإن شكل من أشكال الحياة من البقاء فيها. وقد ارتفع عدد مناطق الموت هذه بصورة كبيرة وقد يؤدي استمرار إطلاق الملوثات من المصادر الحضرية والزراعية – مجتمعة مع النمو المتوقع في التنمية الساحلية والتكثيف الزراعي، إلى تكاثر عدد مناطق الموت في العقود القادمة، إلا إذا نُفذت تغييرات كبيرة في السياسات الزراعية.
الإجراءات التي يجب اتخاذها
تقوم الشركات الخاصة وملاك الأراضي والصيادين والمزارعين باتخاذ الإجراءات التي تؤثر على التنوع البيولوجي. وتحتاج الحكومات إلى الاضطلاع بالدور القيادي الحاسم، وخصوصا من خلال وضع القواعد التي يُسترشد بها في الاستخدام الأمثل الموارد الطبيعية، ومن خلال حماية التنوع البيولوجي في مناطق نفوذها البرية منها والبحرية.
وبموجب اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD )، يتعين على الحكومات العمل على الحفاظ على التنوع البيولوجي واستخدامه استخداما مستداما للأجيال القادمة. كما يتعين عليها وضع استراتيجيات وطنية للتنوع البيولوجي وخطط العمل ودمجها في إطار خطط وطنية أوسع نطاقا للبيئة والتنمية. ولهذا الأمر أهمية خاصة لقطاعات معينة مثل الغابات والزراعة ومصايد الأسماك والطاقة والنقل والتخطيط الحضري. ومن الالتزامات الأخرى في المعاهدة:
تحديد ورصد المكونات الهامة للتنوع البيولوجي التي ينبغي الحفاظ عليها واستخدامها استخداما مستداما.
التوسع في إنشاء محميات للحفاظ على التنوع البيولوجي، وفي الوقت نفسه تعزيز التنمية السليمة بيئيا جوار هذه المحميات.
إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية المتدهورة واستعادتها، وتعزيز انتعاش الأنواع المهددة بالتعاون مع السكان المحليين.
احترام المعارف التقليدية، المتعلقة باستخدام التنوع البيولوجي استخداما مستداما، وحفظها وصونها بالتعاون مع الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
منع إدخال الأنواع الغريبة – التي يمكن أن تهدد النظم الإيكولوجية والموائل والأنواع – والسيطرة والقضاء عليها.
السيطرة على المخاطر التي تشكلها الكائنات العضوية المعدلة باستخدام التكنولوجيا الحيوية.
تعزيز المشاركة الجماهيرية، وبخاصة عندما يصل الأمر إلى تقييم الآثار البيئية للمشاريع التنمية (EIA ) التي تهدد التنوع البيولوجي.
توعية الناس ورفع الوعي بأهمية التنوع البيولوجي والحاجة إلى الحفاظ عليه.
دمج الإستراتيجية الوطنية للتغير المناخي مع أهداف التنمية المستدامة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام قادر علي التكيف مع تغير المناخ.
وأخيرا، فالقرار النهائي في ما يتعلق بالحفاظ على التنوع البيولوجي هي في يد المواطن الفرد. فالخيارات الصغيرة للأفراد – بعضها إلى بعض – هي التي لها بالغ الأثر، ذلك أن الاستهلاك الشخصي هو الذي يدفع التنمية، التي بدورها تستخدم الطبيعة وتلوثها. فبإمكانية الجمهور من خلال برامج الوعي البيئي ، من خلال إيلائه العناية عند اختيار المنتجات التي يشتريها والسياسات الحكومية التي يدعمها نحو تنمية مستدامة. وتقع على الحكومات والشركات وغيرها مسؤولية قيادة الجمهور وتوعيته مع إشراك أصحاب المصلحة لتوفير فرص عمل خضراء
. كاتب المقال -مؤسس كلية الطب البيطري جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية- اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالاتحاد العربي لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية