يقول د.السيد رشاد بري فى دراسة نقدية لديوان “عاشق حالة” النقش على جدران القلب :
لاقيمة لرفرفة نبضات فى قلب “محب”،ولالهفهفة آمال فى تراتيل “حب”،ولا لحلم يثوربين الشغاف والشرايين ،عله يصبح وردة بوح تصل إلى من “نحب” ..لاقيمة لأسطورة حب مالم تسجلها نبضات شاعر،دفئا أو لهيبا ،غضبا عاصفا أواحتواءحريريا، ضجيج مطارق فوق رءوس مستثارة،أم أنات ناى تعانق همسات قيثارة..لافرق،ففى كل الحالات ستظل بين ضفتى القصيدة حية باهرة،فيكتب لها الخلود فى هذا الوجود.
وبقدر مايسعد الحب بالشعروالشاعر..نسعد”نحن”المتلقين ومعنا”العالم كله”بالاكتشاف الأول لهما معا، تلك السعادة التى تعطر أنفاسك الأولى بزهرة لم تمنح عبقها لأحد قبلك،أو فكرة لم ينفخ فيها أحد من روحه فتبعث ساحرة شجية مثلك،أو قصيدة باحت بمكنونها أخيرا لتمنحنا ألق الفرح و متعة الاكتشاف .. ذلك الفرح وتلك المتعة التى قدمها لنا هذا الصوت الشعرى ” الذى يغرس زهرته الأولى فى حديقة الشعر” ..الشاعر “خالد عبد المحسن”من خلال ديوانه الأول:”عاشق حالة”..ولأنها التجربة “لأولى”فقد أغنتنى عن معاناة النقد بمقاييسه الفنية الصارمة ، وأفسحت لى المجال لاندياح الفرح بهذه الشاعرية التى اكتشفناها فجأة بعد سنوات من الزمالة العزيزة،والصداقة النبيلة مع “خالدعبد المحسن” الكاتب الصحفى بمجلة الأهرام العربى بمؤسسة الأهرام، لتتدفق المشاعر الاحتفاء جياشة تجاه شاعر استطاع أن يقنعنا فى تجربته الأولى تلك ،بأنه يمتلك الموهبة،والإمكانية،لتجاوز حدوده الراهنة التى تفرضها – مؤقتا- تلك البدايات،.. وبهذا المنطق الفرح،وذلك الجيشان العاطفى المشروع..يمكننا أن نقول فى تلك القراءة المحبة إن قصائد هذه المجموعة الشعرية الأولى ،كشأن البدايات حكمت أجواءها الشاعرية الثنائيات الواضحة والمتباينة : (الأنا) و (الآخر)- (الشاعر ) و(المحبوبة)- (الداخل ) و(الخارج)..هنا نحن أمام شاعر يسموويتعفف،وقد يثور أو يلوم،؟أو حتى ينزف، لكن أبدا لايمتلك جرأة القطيعة حتى لو ألحت، أو بقى حائرا فى مسارات سيزيفية بين قمة الجبل الأنثوى شهية المرتقى، وسفحه شحيح المشتهى هنا نراه يقول:
” تتبدل أوتار القلب
مابين الحالة والحالة
يغدو طيرا
يهبط واد
يصعد جبلا”
،لكنه فى كل الحالات يظل يقطر ذاته، قابضا على “جمرة العشق”،وهو بلاشك يحرض قلوبنا على ذلك،قبل أن تفقد دفئها الذى يمنحنا القدرة على الاستمرار فى مغامرة الحياة،والأهم قبل أن تطفئ جذوتها برودة العادى والمألوف واليومى وضجيج الأشياء يقول خالد عبد المحسن:
” أموت وحبك يحييني
سلام منك يسعدني
ونظرة منك تكفيني
أطير إليك بأشواقي ..
فإذا لاقيتك كنت سكيني
مواجع الحب في قلبي تؤرقني
لكنك تسري في شراينى ..”
قد ينظر إلى الديوان هنا بأن معادله الشعرى ينحسر،أو يكاد فى “الذات”/”الشاعر” ، و”الآخر”/”المحبوبة”،وأن شاعريته تراوح بين هذه “الأنا”التى هى ظل الآخر ،دونما محاولة مغايرة للتقاطع مع هذا الآخر ،أو الاشتباك المقتحم لتفاصيله العميقة ،وماهيته الخفية، بما يتيح لهذه الشاعرية – ضمن ما يتيح التمدد الدلالى/الفنى بين الواقعى والمتخيل، الفيزيقى والميتافيزيقى ،المرئى وما وراء الرؤية .. وهذا صحيح فى جانب منه ،لكننا فى السياق ذاته لانستطيع أن نغفل نجاح الشاعر فى ثنايا تجربته الأولى فى تقديم بعض القصائد التى استطاعت بشكل أو بآخر،أن تستقطب ماهو شعرى ، وتضفيره إبداعيا بما هو إنسانى فى تجربته.. يقول الشاعر:
” ما بين مصدق وحانق
صارت حياتي
علامات استفهام
تعلوها الدهشة
مجنون أم صادق؟
درويش أم مارق؟”
من أكثر الأدوات الفنية التى استخدمها الشاعر فى هذه التجربة “المقابلة” ،ويحسب له أنه نجح ، باستثناءات قليلة ،فى أن ينحو بقصيدته بعيدا عن مجرد المقابلة اللفظية ،بل حولها إلى نافذة شفيفة لكشف جوهر المتغيرات داخل المتاهة المسماة بالمشاعر الإنسانية ،وهى تجابه بين لحظة وأخرى متغيرات عاصفة،فى مقدمتها هذا الانشطاربين رومانسية الحلم ومعطيات الواقع ،هذا التشظى الذى يجعله غير قادرعلى استيعاب، ومن ثم التكيف مع هذا الهجمات المستمرة من المتناقضات والأضداد وانقلابات الأوضاع.. لكن الشاعر هنا نجح إلى حد كبير في نسج خيوط تجربته, واستيعاب تناقضاتها، وبالتالى صياغتها في حيز شعرى لا يفارق قناعاته مهما كان يحيط به من تناقضات يقول:
” لم لا تأنس
لروح تشبهها
فجفاف الروح أفقدها
فصارت لاتصلح للسكنى”
وهو يقدم لنا شاعرية تعكس ـ بأقدار متفاوتة ـ بوح الشعر بشجن الحب ، باعتباره المعادل الموضوعى للحياة، حيث يعيد من قصيدة إلى أخرى ومن سطر شعرى إلى آخر، صياغة هذا البوح تجاه معطيات واقعه بمعناها الحسى والشعرى على السواء..
” خالي الوفاض
أترك ساقي للريح
أنقش على الغيم
أسكن موج البحر
تتلقفني الأيام
“
على صعيد لغة المجموعة – وشاعرنا لغوى متميز فى الأساس- جاءت لغة الديوان محتشدة بلوعة الحب وملتمعة ببريق التوترالعاطفى, معبرة إلى حد كبير عن هذا الزخم الإنسانى شاهق الرومانسية،الذى تضفيه مشاعر الحب المحلقة فى فضاءات يوتيوبية،بعيد عن أغلال الجسد،فتحقق لنا لحظات ارتحال تلامس شغاف الفؤاد،وتملأ بعض فراغات الروح بأسرارها ،حيث تشيع بين ثنايا الديوان كلمات مثل :” أوتار القلب،العهد، الهجران،الأشواق،الأحلام،الحيرة،الشجن،الأنين.. إضافة إلى معظم المفردات المعبرة عن المشاعر الحميمة كالحب، والغرام، والهوى، والحنين ..
وهى فى المجمل لغة تراهن على البساطة والحميمية،رقيقة رقة أهداب سوسنة تقاوم النعاس،مغردة كأنها يمامة استيقظت للتو على مداعبة نسمة فى الغسق،لغة حتى وإن كانت أحادية الدلالة أحيانا،لكنها ظلت فى معظم القصائد رقراقة،متدفقة،خصبة،محلقة..حيث استطاعت فى كثير من الأحيان أن تنقل إلينا هذا الإحساس الجارف بسطوة العشق،وفوران العواطف.. تتغنى بالحب وله، حتى وهى تعبر عن اللوعة والتشكى منه.
..فى ختام هذه القراءة الاحتفائية تبقى التحية للشاعر خالد عبد المحسن ،والترحيب بتجربته الشعرية الأولى “عاشق حالة” التى تبشر بالقادم،وتومئ بالآتى،وتعد بالأكمل والأنضج،وأهلا به فى القافلة الماجدة،قافلة الشعراء.