يتصور غالبية البشر أن الإبداع مقتصر على الأعمال الفنية أو الأدبية . بل إن الإعلام المغرض أصبح يروج للأعمال الفنية والأدبية الشاذة التي تهاجم قيم المجتمع وعقيدته وهويته على أنها أعمال مبدعة ،وهذا خطأ كبير. لأن مفهوم الابداع الحقيقي مختلف تماما عن هذا التصور القاصر .
ومن أجل توضيح المفهوم الحقيقي للإبداع ، كان من الضروري الإستعانة برأي الخبراء والمتخصصين . ومن هؤلاء الدكتور أمين رمضان عضو مجلس إدارة مركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية والذي يرى أن الإبداع مرتبط بكل جوانب الكون وليس الحياة فقط، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه “بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ” (البقرة – 117). وبديع هنا تعني: الخلق على غير مثال سابق، ومن تعريفات العلماء للإبداع “الإتيان بشيء جديد ومفيد”.
وأوضح د. أمين أن الكون كله يظهر الإبداع في أجل معانيه، فالتنوع والتعدد في المخلوقات لا يحصى، هذا التعدد يعطي للحياة تكامل وجمال واستمرار وازدهار في لوحة ربانية بديعة وواضحة الدلالة على المبدع، وكأنه رسالة للإنسان بأن الإبداع هو طريق الحياة الإنسانية المزدهرة والمنسجمة مع الكون.
وضرب مثلا على إبداع الخالق قائلا : “انظروا إلى تنوع مليارات البشر، في كل شيء تقريباً، وتنوع عالم النبات، وعالم الحيوات، وعالم الصخور والمعادن، وعالم الأحجام بين التناهي في الصغر والضخامة في الحجم، وعالم التعقيد بين البسيط والهائل في التعقيد مثل مخ الإنسان الذي وصفه العلماء بأنه أعقد المخلوقات”..
وختم د. أمين رؤيته الثاقبة بالتأكيد على أن الإبداع من ضروريات استمرار الحياة قائلا :”من العجيب أن الحياة تدفع الإنسان دفعاً للإبداع، بوجود تحديات باستمرار، وعندما يواجه الإنسان التحديات، ويوجد حلول لها، فإن مجموعة جديدة من التحديات الأكثر تعقيداً تظهر، وهذه تحتاج للتفكير خارج الصندوق وإيجاد أفكار إبداعية جديدة لحلها، وتستمر الحياة في تطورها وازدهارها. والغير طبيعي أن يتوقف الناس عن التفكير، فتحسبهم أيقاظاً وهم رقود، ويكون الهلاك مصيرهم، والبقاء للتنوع والتعدد والتكامل”.
أما السفير أشرف عقل مساعد وزير الخارجية المصري سابقا فنشر مقالا مطولا على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك عن الإبداع ، وجاء فيه :”يُعرّف الإبداع لغويا بأنه الإتيان بشيء لا نظير لهُ فِيه جودة وإِتقان ، حيث يكون هذا الشيء ابتكاراً لم يسبق له مثيل . كما يعرف اصطلاحا بأنه عملية تقوم على تحويل الأفكار الجديدة والخيالية إلى حقيقة واقعة ، ينتج عنها إحضار شيء جديد غير موجود مسبقاً إلى الوجود .
وأوضح السفير أشرف أن الإبداع يتحقق عن طريق تجاوز الطرق التقليدية في التفكير، وتطوير أفكار وأساليب جديدة مبتكرة وغير عادية ، والاستفادة من المعرفة والبصيرة والإلهام والمعلومات التي تكونت وتطورت من التجارب المختلفة وفي الحياة.
أما عن مجالات الابداع فيرى السفير أشرف أن الإبداع لا حدود له ويشمل شتى مجالات الحياة وفي كل مجال يظهر فيه المبدعون. بالاضافة للإبداع الفني والإبداع الأدبي هناك الإبداع التكنولوجي ، الإبداع العلمي ، والإبداع الصناعي ، والإبداع الحرفي ، والإبداع اللغوي .
وهناك رؤية أخرى ترى أن الإبداع الحقيقي هو أن يعمل الانسان كل ماهو مفيد لنفسه ولغيره من الناس ، وأن يستمر هذا العطاء المفيد حتى أخر لحظة من الحياة . وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الفتاح عبد الباقي مخاطبا كل انسان :”عش فعالا فاعلا حتى آخر لحظة فى عمرك ، لا تقل النساء جاء سن اليأس بل جاء سن الأمل والعطاء ،لا يقل الرجال احيلت للمعاش بل احيلت للعطاء والتفكير ووضع خبرتي شمعة تضيء طريق من يأتى بعدى. لا تفقد حماسك للحياة حتى اخر لحظة في عمرك، ومن بعدها تعيش أفكارك وعطاءك ويرحل جسدك ومخك أفرغ كل إبداع فيه ليصبح حياة لك بعد موت الجسد ويصبح صدقة جارية نفعت الدنيا فتجدها فى الآخرة”.
ويستشهد الدكتور عبد الفتاح على رؤيته بالحديث النبوي الشريف : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ).
Aboalaa_n@yahoo.com
.