وإن لحرية الرأي والتعبير اهمية كبيرة لأنهما الوسيلة الاساسية من اجل تقدم المجتمعات حيث ان التقدم والتطور ما هما إلا نتاج حرية الرأي ، وذلك لان تنمية المجتمع لن تحدث من دون رقابة فعلية من جانب اصحاب الفكر وتشجيع الجمهور على الوعي وإدراك المسؤولية التي تقع عليه في حاضره ومستقبله ، بالإضافة الى ذلك فأن حرية الرأي والتعبير هي السياج الحامي لكافة الحقوق والحريات العامة ، وبالتالي فأن غياب حرية التعبير والرأي في مجتمع ما لها الكثير من الاضرار العامة والخاصة فهو يعني اطلاق يد الحاكم في احتكار جوانب من حياة المواطنين الفكرية وسن قوانين تخدم مصالحه وسلطاته ، اما بالنسبة لممارسة هذه الحرية فتتمثل في تنمية الفكر والقدرة على الدراسة والإسهام في طرح الافكار التي تنهض بالمجتمع وإقراره وبالتالي تنشئة مواطن قادر على البذل والعطاء .
أولاً : الاساءة الى حرية التعبير عن الرأي .
إن حرية الرأي والتعبير المقصود بها كفالة تمتع كل انسان بالحق في ابداء رأيه وتلقي المعلومات والأفكار دون تدخل من جانب الغير ، ويعرفها آخرون بأنها فتح للمجال واسع أمام الانسان لالتماس ضروب المعرفة والإحاطة بأسرارها سواء للاستفادة الشخصية منها في تكوين رأيه الذي يؤمن به أو تمهيداً لنقل الاستفادة بها الى غيره من الاشخاص بشتى الطرق والوسائل المكتوبة او الشفهية ، ويرى البعض بأنها أمكانية كل فرد في التعبير عن آرائه وأفكاره ومعتقداته الدينية بكافة الوسائل المشروعة سواء كان ذلك بالقول أو بالرسائل أو بوسائل الاعلام المختلفة ، ويرى آخرون بأنها الامكانية المتاحة لكل انسان ان يحدد بنفسه ما يعتقد انه صحيح في مجال ما.
ومن الملاحظ أن مفهوم حرية التعبير عن الرأي له عدة صور منها بالقول ( وتتمثل بإلقاء المحاضرات او ندوات او مقابلات او الاجتماعات والمظاهرات السلمية) ، و كذلك جميع الوسائل المسموعة او بوسائل النشر المقروءة المختلفة ( كالصحف او المجلات او الكتب) ، وفي الوقت الحاضر اصبح الانترنيت من اكثر الوسائل انتشارا للتعبير عن الرأي ، حيث اعطي مساحة لكل فرد في كل المجتمعات لكتابة ما يدور حوله وعرضه على شبكة الانترنيت والتعبير عن رأيه ووجهة نظره الشخصية وبالتالي فأن الانترنيت اكثر الوسائل استعمالا لتداول المعلومات والآراء.
وقد نصت الاعلانات الدولية على حرية الرأي والتعبير ومنها ، المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 والذي نص على ( أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل ، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية ) ، وكذلك المادة (10) من الاتفاقية الاوربية لسنة 1950 والمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 والمادة (13) من الاتفاقية الامريكية لعام 1969 والمادة (32) من الميثاق العربي لحقوق الانسان 2004 ، أما الدساتير الوطنية والمقارنة فقد نصت على هذا الحق ايضاً ، مثل المادة (65) من الدستور المصري الحالي لسنة 2014 ، والمادة ( 38 أولاً ) من الدستور العراقي لسنة 2005 . وإن التعبير عن الرأي أما أن يكون بالكلمة أو بالصورة أو بالرسم أو بالكاريكاتير ، وهناك قيود توضع على حرية الرأي والتعبير الهدف منها هو حماية مبدأ الشرعية والالتزام بحماية حقوق الاخرين وعدم المساس بسمعتهم ونزاهتهم وشرفهم وعدم الاخلال بالنظام المجتمعي والنظام والآداب العامة ، فليس من حرية الرأي والتعبير نشر وبعث النزعات العنصرية أو التحريض عليها أو ارتكاب اعمال العنف.
ولابد من معرفة ان هنالك ارتباط وثيق بين حرية الرأي وحرية الفكر والاعتقاد ، عندما تتجاوز الفكرة التي يؤمن بها الشخص الى مرحلة اشراك الاخرين في هذه الفكرة أو العقيدة – بعرضها عليهم – فحرية الفكر هي حركة داخل الانسان يتولد عنها الاعتقاد بفكرة معينة وممارسة هذه الحرية أي التعبير عنها هو الذي يعرف بحرية الرأي.
ثانياً : الاساءة الى الاديان والمذاهب والرموز الدينية .
ابتداء لابد من التمييز بين مصطلح الاديان وبين المذاهب والرموز الدينية :
فبالنسبة الى الدين فذهب بعض الشُرّاح إلى أن الدين هو كل ما يستمد من وحي القوى الغيبية من نظم وتعاليم لتدبير شؤون الناس في الدنيا والآخرة ، كما يذهب بعضهم الآخر إلى ان معنى الدين بوجه عام ينصرف إلى القواعد والأحكام التي ينزلها الله تعالى بوحي من عنده على الأنبياء ، وهي تنظيم العبادات أي علاقة المرء بربه ، والأخلاقيات علاقة المرء بنفسه ، أي إن الدين هو نظام عقائد وأعمال متعلقة بشؤون مقدسة أي مميزة محرمة تؤلف من كل من يعتقدونها أمة ذات وحدة معينة.
أمّا المذهب وهو رأي فلسفي أو ديني ، أو المبادئ التي تسترشد بها طائفة دينية أو غيرها من الجماعات ، وتنظم سلوك أفرادها دون ايراد الحجة عليها .
أمّا الرموز الدينية فالمقصود به هم الاشخاص الذين يقتدي بهم افراد طائفة من الطواف ويعدوهم المرجع الذي يرجعون اليه في مسألة من المسائل الدينية .
إن المجتمعات البشرية تختلف عن بعضها في امور كثيرة منها طريقة التفكير أو الاعتقاد ، وبما أن الحرية هي متأصلة في الجنس البشري تماماً كالكرامة ، فهي تفرض على كل هذه المجتمعات المختلفة احترام الانسان وعدم الضغط عليه أو اجباره على اختيار عقيدة معينة أو اعتناق دين غير مقتنع به .
وهذا يعني أن لكل انسان الحق في حرية المعتقد واختيار العقيدة التي يقتنع بها وله الحق ايضا في ممارستها وذلك ضمن حدود احترام حريات الاخرين في ممارستهم لعقائدهم وفي اطار المحافظة على النظام العام والآداب والأخلاق العامة ،
فالإنسان الذي منحه الله عز وجل القدرة على التفكير والتمييز بين الخير والشر والحق والباطل ، له حق الخيار في الانتماء الى العقيدة التي يقتنع بها ، ولكن ليس له الحق في فرض عقيدته على الاخرين بالقوة أو ومنعهم من ممارسة عقيدتهم ، على هذا فالدين ضروري في حياة الانسان لأنه يمنحه القدرة على مواجهة المصائب و الصبر على المتاعب والمشقات والتسليم لأمر الله ويمنحه الراحة النفسية والحكمة العقلية والهدوء والاستقرار والأمان النفسي ، وذلك لان الشرائع السماوية قد جاءت لهداية الانسان وتوعيته بالإيمان وتكريم الانسان وتوجيهه وتحديد حقوقه وحرياته وواجباته
ولذلك ارسل الله ( عزّ وجل ) الرسل والأنبياء لهداية الانسان الى الطريق المستقيم ، ولنشر الشرائع السماوية التي كرست حقوقه وحددتها له حتى لا يتجاوز حدود حقوقه وحرياته ، والتي من اهمها الحق في حرية المعتقد .
وبالنظر لأهمية حق الانسان في حرية عقيدته وحرية ممارسة شعائرها الدينية ، نلاحظ أن المواثيق الدولية والدستورية قد نصت عليها ، ونظمتها في نصوص قانونية توجب الاتباع والاحترام ، ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 في المادة (18) منه ، كذلك المادة(9) من الاتفاقية الاوربية لعام 1950 ، والمادة (18) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ، والمادة (12) من الاتفاقية الامريكية لعام 1969 ، والمادة(30) من الميثاق العربي لحقوق الانسان لعام 2004.
أمّا بالنسبة للدساتير ، فقد نص الدستور المصري الجديد لسنة 2014 في المادة 64 منه على حرية العقيدة ، وكذلك الدستور العراقي لسنة 2005 فقد نص على هذه الحرية ايضاً في المواد(42 – 43 / اولاً وثانياً) ، وهذا ما يدل على الاهتمام العالمي والوطني لهذا الحق على أن لا تخالف النظام العام ولا الآداب العامة .
وبعد كل ما ذكرناه فأن توجيه الاهانات الى الرموز الدينية أو الاساءة الى الديانات السماوية أو الازدراء بالأنبياء أو الرسل أو السخرية منهم يشكل انتهاكاً للحرمة والحرية الدينية ، وبالتالي فان هذه الاساءات سواء كانت موجهة الى الاديان او المذاهب او الرموز الدينية هي نمط من انماط الارهاب فكري ، وذلك لان هذه الاساءات لا تتناسب مع جوهر الدين ، وبالتالي فهي تخلق اخطر اشكال الفتن .
وإن هذه الاساءات تعددت صورها وأمثلتها ، والتي منها التعرض للسيد المسيح وأمه مريم العذراء في برنامج هزلي اسرائيلي تناولهما بالسخرية ، وقد استنكرت المؤسسات والمنظمات الاسلامية هذا الاستهزاء والسخرية بهما ، وأدانت هذا التعرض لهما وطالبت بتجريم ازدراء الاديان السماوية ، وكذلك الاساءات والإهانات الموجهة الى الاسلام والمسلمين من قبل المتطرفين اليهود الذين يكررونها مرات عديدة والتي منها ما نشرته الصحف في النروج والدنمارك من رسوم مسيئة الى الرسول محمد تحت ستار حرية التعبير والتي تم الاحتجاج عليها من قبل المسلمين ، وكذلك الفيلم الامريكي المسيء الى الرسول .
وكذلك فقد نهى الله تعالى رسوله الكريم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة لما يترتب على السب مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ، وفي ذلك يقول تعالى في سورة الانعام الآية 108 ( لاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ،
وفي هذا احترام الأديان والمقدسات ، فالحالة الدينية في كل المجتمعات البشرية تقتضي وجود مراكز ورموز تتمحور حولها ، والثابت عندنا في الفقه الإسلامي أن الإسلام يحترم معابد أهل الذمة أتباع الديانات الأخرى ، فلا تُمَسّ ولا يُتَعَرَّض لها بإساءة ، رغم ما نعتقده من أن هذه الديانات شابها التحريف ، وأن الدين الحقيقي إنما هو الإسلام ، يقول تعالى في سورة آل عمران الآية 85 : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وكذلك يقول جل وعلا في آية 19 من سورة آل عمران : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ، ومع ذلك فلا يحق لنا أن نعتدي على حقوق الآخرين أو نسيء إلى معابدهم وأماكن عبادتهم ، وبذلك فأن الاساءة الى احد الاديان هي السبب الاساسي لقيام صراعات واقتتال طائفي من قبل انصار الطائفة التي تم الاساءة اليها وهذا بالتالي يؤدي الى خلق ظاهرة الارهاب فكري .