سر اتصال وزير الدفاع الأمريكي بنظيره الروسي والمطالبة بوقف القتال!!
المؤشرات قليلة.. على تحقيق نصر عسكري حاسم!!
انسحاب بوتين “انتحار سياسي” .. و”حرب الاستنزاف” في صالحه!!
انتخابات التجديد النصفي تؤرق بايدن .. في ظل التضخم وارتفاع الأسعار!!
خيارات الحل صعبة .. عشرات الأسئلة “حائرة” .. تبحث عن إجابة!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
حرب لا نهاية لها، ولا يمكن الانتصار فيها، في أوروبا؟ هذا ما يخشاه قادة الناتو ويستعدون له مع قرب اكتمال الشهر الثالث على اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وفي ظل مؤشرات قليلة على تحقيق نصر عسكري حاسم لأي من الجانبين وعدم وجود حل في الأفق.
يثير احتمال حدوث مأزق المخاوف من أن تظل أوكرانيا ساحة معركة أوروبية مميتة ومصدرًا لعدم الاستقرار القاري والعالمي لأشهر، أو حتى لسنوات، قادمة. ولعل ذلك يفسر سبب اتصال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، يوم الجمعة الماضي بنظيره الروسي سيرجي شويجو، لأول مرة منذ الغزو، ومطالبته بوقف فوري لإطلاق النار.
لكن رغم مطالبة أوستن بوقف إطلاق النار، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين، بدءًا من الرئيس جو بايدن، متفقون، حتى بعد أن أثار وزير الدفاع لويد أوستن الدهشة بقوله، بعد زيارة إلى كييف الشهر الماضي، إن هدف واشنطن ليس فقط مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ولكن “إضعاف” روسيا إلى حد كبير، بحيث لا تشكل تهديدًا.
كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟ هل وصل الحال بروسيا إلى الضعف الذي سبق أن أشار إليه وزير الدفاع الأمريكي؟؟ أم أن قطع إمدادات الطاقة لروسية إلى بعض دول أوروبا لم يعد محتملًا، علاوة على ارتفاع أسعارها نتيجة للعقوبات؟؟
تضخ الولايات المتحدة وحلفاؤها سيلًا مستمرًا من الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا لإبقائها في المعركة. ويقول معظم المحللين إنه بينما تحارب أوكرانيا بمفردها، يجب أن تستمر تلك الحقن التسليحية إذا أرادوا دعم تعهد الرئيس فولودومير زيلينسكي بالفوز، أو على الأقل الاستمرار في مضاهاة موسكوأو التغلب على تقدمها.
يزيد الطين بلة ما يمكن أن يجلبه حصول كل من فنلندا والسويد على عضوية حلف الناتو، خصوصًا بعد أن هددت روسيا باتخاذ إجراءات انتقامية إذا ما حدث ذلك وهو ما يحمل نُذُر صدام مباشر بين روسيا والناتو!
ذكر تقرير للأسوشيتدبرس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يشر إلى استعداده لتكثيف الغزو سواء بالتعبئة العامة للقوات أو باستخدام أسلحة غير تقليدية، وكذلك لم يُظهر أي علامة على التراجع. أيضًا يؤكد زيلينسكي، أن أوكرانيا لن تهزم الغزو الروسي فحسب، بل ستستعيد السيطرة على شبه جزيرة القرم وغيرها من المناطق التي احتلتها روسيا منذ عام 2014.
قال إيان كيلي، الدبلوماسي المخضرم المتقاعد الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في جورجيا، وهي جمهورية سوفيتية سابقة أخرى، “من الصعب للغاية أن ترى كيف يمكن تحقيق حل تفاوضي في هذه المرحلة”. وأضاف: “لا يرغب أي من الجانبين في وقف القتال وربما تكون النتيجة الأكثر ترجيحًا هي حرب تستمر عامين. أوكرانيا ستكون قرحة متقيحة في وسط أوروبا “. وقال كيلي: “سيكون انسحاب بوتين انتحاراً سياسياً”.
وذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس هذا الأسبوع أن “استراتيجيتنا هي التأكد من خروج أوكرانيا من هذه الحرب منتصرة”. أوكرانيا ستفعل ذلك على طاولة المفاوضات. هدفنا هو تعزيز موقف أوكرانيا على طاولة المفاوضات بينما نواصل تحميل الاتحاد الروسي تكاليف متزايدة.”
اذًا ما العمل؟ يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علاوة على تسوية تفاوضية، حفظ ماء الوجه لكل من روسيا وأوكرانيا.
بالنسبة لدول البلطيق ودول أخرى على الجانب الشرقي لحلف الناتو، فإن التهديد حقيقي. ويقولون إن تقديم تنازلات لروسيا في أوكرانيا سيشجع بوتين على الدفع باتجاه الغرب.
ولا شك في أن العالم كله تقريبًا يعاني مما نتج عن الغزو من تداعيات هائلة على مخزونات الغذاء العالمية وإمدادات الطاقة. وهذا بدوره سيخلق سلسلة من النتائج السياسية في الولايات المتحدة والعواصم الغربية.
داخل الولايات المتحدة، قد يكون لصدمة الحرب على أسعار البنزين والبقالة -التي ارتفعت بالفعل بسبب موجة التضخم العالية -عواقب سياسية، ومنها ما ينتظر حزب بايدن الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي الوشيكة. يرجح ذلك الانتقادات العنيفة التي وجهها الريس السابق دونالد ترامب لبايدن، حين قال: كيف نمنح أوكرانيا 40مليار دولار وأطفالنا لا يجدون الحليب؟!
الأصداء السياسية للحرب ستتردد بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر وحتى سباق 2024 للبيت الأبيض. ونظرًا لأن 63 من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين، ومعظمهم من كبار مؤيدي ترامب، صوتوا ضد قرار يدعم الناتو، فإن ذلك سيغذي المخاوف من عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض والتي قد تؤدي لكسر وحدة التحالف.
لقد ارتفعت أسعار البنزين مع خروج روسيا من معظم أسواق النفط العالمية. وأطلق بايدن على ذلك “ارتفاع أسعار بوتين” في محاولة لاستحضار بعض الغطاء السياسي للناخبين الذين هم بالفعل في مزاج سيئ مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي.
وقال ستيف هول، الرئيس السابق لعمليات روسيا في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لشبكة CNN : أعتقد أننا سنبقى في هذا الوضع على المدى الطويل وأن هذه ستكون حرب استنزاف. ستكون صعبة للغاية على أوكرانيا.”
ويشير تحليل نشرته النيويورك تايمز قبل أيام إلى أنه بينما تهدد الحرب في أوكرانيا بصراع طويل الأمد قد يستمر لسنوات، فإنها تختبر إرادة الدول الغربية، حيث يتساءل القادة الأوروبيون والأمريكيون عما إذا كانت الخسائر الاقتصادية المتزايدة ستؤدي إلى تآكل تضامنهم بمرور الوقت.
وقال مدير المخابرات الوطنية في إدارة بايدن، أفريل هينز، إن بوتين كان يسعى لفرض حصار طويل عليه و”ربما يأمل من ذلك أن تضعف إرادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع تفاقم نقص الغذاء والتضخم ونقص الطاقة “.
وكتب جيمس لاندال، في تقرير على موقع بي بي سي دوت كوم، أن الغزو الروسي لأوكرانيا وحد الغرب، فإلى متى تستمر هذه الوحدة؟ هناك قضايا يمكن أن تؤدي في النهاية إلى انقسام التحالف الغربي.
بعض الخيارات المتوقعة صعبة وقد تجعل من العسير على القوى الغربية البقاء على نفس الصفحة الدبلوماسية.. كما أن هناك العشرات من علامات الاستفهام تقف حائرة بحثًا عن إجابة!!
ما هو الهدف على المدى الطويل؟ إنه يتمثل في وقف الأعمال العدائية بالطبع. لكن هل يجب هزيمة روسيا؟ هل يجب أن تفوز أوكرانيا؟ كيف ستبدو الهزيمة والنصر من الناحية العملية؟
قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للنواب: “علينا ببساطة أن نفعل كل ما في وسعنا بشكل جماعي لضمان فشل فلاديمير بوتين، وفشل شامل”.
ولكن جونسون لم يقل ماذا يقصد بـ “فشل”. الشيء الوحيد الذي رفضه هو الضغط من أجل تغيير النظام في موسكو. وقال “من المهم جدا ألا نجعل من إزاحة الزعيم الروسي أو تغيير السياسة في روسيا هدفا”. سيحاول بوتين تصوير الأمر على أنه صراع بينه وبين الغرب، لكن لا يمكننا قبول ذلك.
وقد لا يشارك جميع الحلفاء الغربيين مثل هذه الطموحات، خوفًا من أن يستغل بوتين الخطاب للادعاء بأن الغرب يشكل بالفعل تهديدًا وجوديًا لروسيا وبالتالي يلجأ بوتين للخيار النووي!
إذًا لم يكن عبثاً أن حذر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، من الخطر “الجاد والحقيقي” للحرب النووية.
ويبدو أن تعدد أطراف الصراع سيشكل عقبة أمام الحل. في مرحلة ما، قد يكون هناك مأزق عسكري وقد يتزايد الضغط من أجل تسوية سياسية. الافتراض السائد هو أن الغرب سيدعم كل ما تختاره أوكرانيا. ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟
يتساءل لاندال: ماذا لو مارست بعض الدول الغربية ضغوطًا على أوكرانيا للسعي من أجل السلام بينما القيادة في كييف تريد الاستمرار في القتال؟ هل يمكن لبعض الدول أن تبدأ في الحد من دعمها العسكري لأوكرانيا؟ أو ماذا لو وافقت كييف على تسوية سياسية يعارضها الغرب، معتقدًا أنها تكافئ روسيا كثيرًا؟ هل يمكن أن ترفض بعض الدول رفع العقوبات عن روسيا وبالتالي تعرقل اتفاق سلام؟
من الناحية العملية، هذا يعني أنه ستكون هناك خيارات صعبة. هل يجب على الغرب، مثلًا، الضغط على روسيا للانسحاب الكامل إلى حدود ما قبل فبراير 2022 أو ترك بعض المناطق التي احتلتها فقط؟
من الممكن أيضًا أن يختلف الغرب حول مستقبل أوكرانيا على المدى الطويل. ماذا لو كانت هناك انقسامات داخل أوكرانيا؟ ماذا لو ظهرت فصائل، مثل القوميين الذين يريدون مواصلة القتال، وغيرهم ممن يريدون الاتفاق على صفقة؟
ثم ماذا لو اتخذت أوكرانيا خيارات سياسية قد يعارضها الغرب، كالسعي لامتلاك سلاح نووي، مثلًا؟ هل سيكون الدول الغربية على استعداد لتزويد أوكرانيا بالأسلحة التقليدية؟ أو حتى النظر في إمكانية عضويتها في الاتحاد الأوروبي؟
المواقف السياسية في النزاع نادرًا ما تكون ثابتة وقد يكون من الخطأ افتراض أن الوحدة الغربية ستستمر تلقائيًا في مواجهة التحديات المقبلة.
على جانب آخر، يتساءل الكاتبان مايكل كيماج وليانا فيكس، في مقال بدورية فورين أفيرز الأمريكية: إلى جانب من يقف عنصر الوقت؟
ويجيبان: قد يكون الوقت في صالح روسيا. قد تكون الحرب، التي يطول أمدها، والتي قد تستمر من شهور إلى سنوات، نتيجة مقبولة وربما حتى مواتية لموسكو. ستكون بالتأكيد نتيجة رهيبة لأوكرانيا، التي ستدمر كدولة، وللغرب، الذي سيواجه سنوات من عدم الاستقرار في أوروبا. قد تكون حربًا حرب طويلة الأمد لها آثارها على الصعيد العالمي، ومن المحتمل أن تتسبب في موجات من المجاعات والارتياب الاقتصادي. إن حربًا دائمة في أوكرانيا قد تؤدي لتآكل الدعم المقدم لكييف من المجتمعات الغربية التي هي في وضع لا يتحمل صراعات عسكرية طاحنة، حتى لو كانت تلك الصراعات تحدث في أماكن أخرى. يمكن للمجتمعات الغربية الموجهة تجارياً والمعتادة على وسائل الراحة في عالم “زمن السلم المعولم” أن تفقد الاهتمام بالحرب، على العكس من سكان روسيا، الذين حركتهم آلة الدعاية الخاصة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحشدتهم في مجتمع زمن الحرب.
ويقول كيماج وفيكس: قد يلجأ بوتين إلى حرب استنزاف لها مزايا عديدة بالنسبة له. قد تساعد حرب الاستنزاف الرئيس الروسي في ممارسة الضغط على التحالف عبر الأطلسي، خاصة إذا بدأ الدعم الغربي لأوكرانيا في التضاؤل. يرى بوتين أن الديمقراطيات الغربية غير مستقرة وغير فعالة، وربما يراهن على التحولات السياسية في أوروبا أو الولايات المتحدة مع تزايد ضغوط الحرب بمرور الوقت.
ويضيفان: ستواجه كييف العديد من الانتكاسات في حرب يكون لها عواقب استراتيجية وسياسية وإنسانية بعيدة المدى. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الاستعداد لدعم أوكرانيا على المدى الطويل.
يبدو أن الأيام حُبلى بالكثير والكثير من المُعطيات والأحداث، ولا يبقى سوى انتظار لحظة المخاض. وما زلنا لا نعرف نوع ولا هوية الوليد القادم في صورة نظام عالمي جديد، قد يختلف كثيرًا عن النظام الذي نعرفه!!