القارة أكثر عسكرة من أي وقت مضى .. والأوضاع تنذر بالانفجار!!
330 ألف جندي للحلف على حدود روسيا.. 130 طائرة في حالة تأهب قصوى .. و150 سفينة في دوريات مستمرة..!!
300ألف جندي روسي .. مع الدبابات وقاذفات الصواريخ والقواعد البحرية والجوية
حتى أمن الطاقة مهدد..ويثير الخلافات!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
ردًا على طلب السويد وفنلندا الانضمام لعضوية الناتو، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو يوم الجمعة الماضي، أن موسكو ستنشئ 12 قاعدة عسكرية جديدة في غرب البلاد. وقال إن القواعد الجديدة ستكون جاهزة “بحلول نهاية العام”. مشيرًا إلى “تنامي التهديدات العسكرية على حدود روسيا”، وألقى باللوم على الناتو والولايات المتحدة.
تشترك فنلندا في حدود برية بطول 1300 كيلومتر مع روسيا، في حين أن جزيرة جوتلاند السويدية لها أهمية استراتيجية في بحر البلطيق، وتبعد 300 كيلومتر فقط عن المعسكر الروسي العسكري في كاليننجراد.
في تقرير لموقع جلوبال ريسيرش يقول الكاتب بيتر كونيج، إن “انضمام كل من فنلندا والسويد يتعارض تمامًا مع وعد الولايات المتحدة / الناتو عام 1991 للرئيس الروسي آنذاك ميخائيل جورباتشوف، بأن (الناتو لن يتحرك شبرًا واحدًا باتجاه الشرق من برلين)”. في ذلك الوقت كان مجموع أعضاء الناتو 14 دولة، منها اثنتان في الأمريكتين -الولايات المتحدة وكندا -و12 في أوروبا. وبحلول أواخر التسعينيات، بدأ الناتو يتوسع سريعًا واليوم يضم 30 عضوًا، 28 في أوروبا ونفس الدولتين في الأمريكتين. ومعظم تلك الدول الجديدة تقع شرق برلين.
أيضًا، خلال الحرب العالمية الثانية، تحالفت فنلندا مع ألمانيا النازية في قتال الاتحاد السوفيتي، عندما فقد الاتحاد السوفيتي حوالي 27 مليون شخص وجندي ومدني. أي أنه ليس لفنلندا سجل نظيف إزاء روسيا.
ويتساءل كونيج: هل يمكن أن تكون، أم أنه من المحتمل جدًا أن تكون كل من فنلندا والسويد قد تعرضت للإكراه من قبل واشنطن، أو من جانب أوروبا/الناتو لاتخاذ قرار طلب عضوية فورية في الحلف؟
الآن يوجد في القارة عدد من الجنود والأسلحة في حالة تأهب قصوى أكثر مما كان عليه الوضع منذ عقود ولكن بدون اتفاقيات الحرب الباردة التي كانت توفر الطمأنينة. أما الآن، فإن الأوضاع تنذر بالانفجار!!
دبابات تشالنجر 2 البريطانية تجوب الريف البولندي. النخبة من القوات الخاصة الفرنسية تراقب ساحل البحر الأسود في رومانيا. بطاريات الصواريخ الأمريكية تقوم بمسح سماء سلوفاكيا. طائرة نرويجية من طراز F-35 تسارع لاعتراض طائرة روسية تظهر قرب سواحل فنلندا.
أصبحت أوروبا الشرقية أكثر عسكرة من أي وقت مضى منذ ذروة الحرب الباردة. مرة أخرى، تتواجه القوى العظمى المسلحة نوويًا عبر الامتداد الواسع بين بحر البلطيق والبحر الأسود.
وصارت القارة العجوز أقل أمانًا اليوم مما كانت عليه في أي وقت منذ عام 1945. وأدى ذلك إلى طرح سؤال حول ما إذا كان الحشد العسكري لحلف الناتو قد جعل أوروبا محمية بشكل أفضل، أو أدى ببساطة إلى تفاقم وضع مشحون بالفعل.
يرى الرئيس الروسي أنها مجرد خطوة أحدث في موقف أكثر خطورة من الموقف الذي برر هجومه على كييف. في الأيام الأخيرة، صعد من لهجته فيما يتعلق بضربة محتملة على أعضاء الناتو، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تفعيل المادة 5، في اتفاقية الدفاع المشترك للحلف، وعلى الأرجح قد تؤدي إلى نشوب حرب عالمية، وربما حرب نووية.
ويقول الناتو إنه ليس أمامه خيار سوى توسيع وجوده في أوروبا الشرقية. في تقرير كتبه هنري فوي ونشره موقع الفينانشيال تايمز، يتساءل الأدميرال روب باور، رئيس لجنة الناتو العسكرية، أعلى سلطة عسكرية في الحلف: “إذا لم يكن التوسع أكثر أمانًا، فإن عدم التوسع لن يجعلنا أكثر أمانًا،”. ويضيف “عامل الردع مهم جدا.”
هناك 40 ألف جندي في أوروبا الشرقية تحت القيادة المباشرة للناتو أو 10 أمثال العدد في اليوم السابق لغزو أوكرانيا. تستضيف ثماني دول الآن من مجموعات الناتو القتالية ضعف العدد السابق. وتم تفعيل قوة رد سريع قوامها 10 آلاف جندي باسم الدفاع الجماعي لأول مرة في تاريخ الحلف. لقد انقلب الأمر بعد أن هاجم الروس أوكرانيا.
في الأول من مارس، قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: “لقد تطور الأمن والدفاع الأوروبي في الأيام الستة الماضية أكثر مما حدث في العقدين الماضيين”، بعد سقوط جدار برلين، كان لدى الولايات المتحدة 200000 جندي في ألمانيا الغربية.
اليوم، أصبحت دول الجناح الشرقي لحلف الناتو، من دول البلطيق في الشمال، وصولاً إلى بلغاريا على البحر الأسود، تتباهى بوجود حوالي 330.000 جندي: جيوش وطنية مدعومة بتعزيزات من أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا. بالإضافة إلى القوات البرية، هناك ما يصل إلى 130 طائرة للناتو في حالة تأهب قصوى، وحوالي 150 سفينة حربية تقوم بدوريات في البحار. وصف البعض التغيير في وجود الناتو في أوروبا الشرقية بأنه “لم يكن من الممكن تصوره سابقًا”.
كان بوتين قد ألقى خطابًا بمؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، يُنظر إلى ذلك الخطاب الآن على أنه لحظة تاريخية في علاقاته مع الغرب، وأنه كان بمثابة جنازة تشييع للشراكة بين موسكو والناتو قال بوتين: “لقد وضع الناتو قواته في الخطوط الأمامية على حدودنا”. “من حقنا أن نسأل: ضد من هذا التوسع؟”
كان حنق بوتين ضد ما يراه توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا بمثابة قرع طبول مستمر للحرب طوال أكثر من 22 عامًا من حكمه لروسيا. منذ إعادة توحيد ألمانيا وانهيار الاتحاد السوفيتي، انضمت 12 دولة إلى الحلف. ثلاث منها -دول البلطيق -كانت جمهوريات سوفيتية سابقة. وكانت سبع أخريات في السابق أعضاء في التحالف العسكري لحلف وارسو الذي كانت تقوده موسكو.
أصبح الجناح الشرقي للناتو على مسافة من للكرملين تقل بمقدار 1100 كيلومتر عما كانت عليه حدود ألمانيا الغربية عام 1989. وعند غزو أوكرانيا في فبراير، عاد بوتين إلى موضوع توسع الناتو كمبرر. لكن ما حدث بعد الغزو هو توسع الناتو بالفعل بعد أن تقدمت كل من السويد وفنلندا بطلب الانضمام إليه!
ويشير تقرير الفينانشيال تايمز إلى أن المنطقة العسكرية الغربية لروسيا، والتي تغطي المناطق المتاخمة لفنلندا ودول البلطيق وبيلاروسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى معقل كالينينجراد، تضم أكبر عدد من القوات المسلحة وأفضلها تجهيزًا في روسيا. هناك أكثر من 300000 جندي يمثلون طيفًا كاملًا للحرب، من فرق الدبابات والقوات الخاصة وقاذفات الصواريخ الأرضية، إلى جانب القواعد البحرية والجوية.
نتيجة لتحركات الكرملين في السنوات الأخيرة لتعميق سيطرته على حليفه بيلاروسيا -حيث نشرت القوات المسلحة الروسية عشرات الآلاف من القوات هذا الشتاء -أصبح الوجود العسكري المعزز للناتو وروسيا الآن على مقربة من بعضهما البعض، بغض النظر عن النتيجة النهائية لغزو بوتين لأوكرانيا.
ستضيف عضوية فنلندا أكثر من 1300 كيلومتر إلى حدود الناتو وروسيا، أي أكثر من ضعف طولها الحالي. ولو أضفنا بيلاروسيا كوكيل روسي، فإن جبهة المواجهة بين القوتين العسكريتين ستمتد بطول حوالي 3750 كيلومترًا.
كذلك كشفت الحرب عن أن الاتحاد الأوروبي يعاني من انعدام أمن الطاقة. وقد تعثرت جهود الاتحاد الأوروبي لفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث استمرت مجموعة من الدول في معارضة فرض حظر على واردات النفط الروسية.
منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير، نفذت الكتلة المكونة من 27 دولة خمس حزم من العقوبات على موسكو. يقول لورني كوك في تقرير للأسوشيتدبرس، إن ما كان يستغرق سنوات في الماضي تم تحقيقه في أقل من ثلاثة أشهر. لكن الحد من دخل روسيا من الطاقة عن طريق تخلص الاتحاد الأوروبي من الاعتماد على النفط الروسي -ناهيك عن إمدادات الغاز الروسية -يثبت أنه من الصعب تنفيذه.
اقترحت المفوضية الأوروبية، في 4 مايو حزمة سادسة من العقوبات تشمل حظر واردات النفط من روسيا. وأقرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن ضمان اتفاق الجميع “لن يكون سهلاً”.
المجر إحدى دول الاتحاد الأوروبي غير الساحلية وتعتمد بشدة على النفط الروسي، إلى جانب جمهورية التشيك وسلوفاكيا. كما أن بلغاريا لديها تحفظات. تحصل المجر على أكثر من 60٪ من نفطها من روسيا و85٪ من غازها الطبيعي.
وتثير أزمة النفط تساؤلات حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد وصل إلى أقصى حدود وحدته بشأن العقوبات. هذا يوضح مدى صعوبة الاستغناء عن الجانب الروسي في السعي لتحقيق أمن الطاقة في أوروبا.
يرى جودي ديمبسي، في مقال على موقع كارنيجي يوروب، أنه إذا انتهت هذه الحرب وعندما تنتهي، فإن هذه الاختلافات ستجعل الأمر أكثر صعوبة على الاتحاد الأوروبي لإرساء سياسة خارجية وأمنية ودفاعية قوية.
ربما كان مصدر الإزعاج الأكبر في العلاقات بين روسيا والغرب بعد الحرب الباردة هو وضع، أو موقف، دول “الجوار القريب” لروسيا، حسبما يرى زاكاري بايكين في مقال على موقع مركز الدراسات السياسية الأوروبية.
وهناك قضايا نتجت عن انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن لم يتم حلها: ما هي حدود “العالم الروسي”، وما هي الامتيازات التي تنبع من مطالبة روسيا بوضعها كقوة عظمى، ومن الذي يمكنه كتابة القواعد التي تحكم نظام الأمن الأوروبي.
ويبدو أن هناك مخاطر من حدوث تصعيد غير مقصود بين الناتو وروسيا، الآن، بعد أن راهن بوتين على الحرب، فإنه لا يستطيع القبول بأقل من تأمين حياد كييف.
ويقول بايكين: بغض النظر عن نتيجة هذه الحرب، ستستمر روسيا في الوجود بشكل ما. سيظل النظام الأمني الأوروبي المستقر مستحيلاً دون منح المصالح الروسية الأمنية المعلنة شكلاً من أشكال الشرعية الرسمية. ورغم أن الولايات المتحدة قد تعمل على تعزيز أمن أوروبا على المدى القصير، فإن الدول الأوروبية ستضطر في النهاية لتحمل وطأة هذا الجهد، بالنظر إلى أن واشنطن ستضطر حتماً إلى تحويل انتباهها نحو بكين ومسرح المحيط الهادئ.