إن الأموال المستحصلة نتيجة فرض الضرائب على الأفراد ما هي إلا دعمًا ماليًا للخزينة العامة, وبالتالي فإن المواجهة القانونية المستخدمة لمن تخلف عن دفع الضرائب لا يمکن أن تقتصر على التدخل الجنائي الذي بدأ يخلق احساسًا اجتماعيًا بوطاة أداة التجريم, وإنما يحتم اللجوء إلى وسائل قانونية غير القانون الجنائي, وإن أداة التجريم يجب أن تکون آخر الوسائل التي يمکن اللجوء إليها في مواجهة المتهربين من دفع الضرائب سواء کانت ضريبة دخل أو ضريبة المبيعات وغيرها من الضرائب التي تفرضها الدولة.
الضريبة مفهوم أساسي في الأنظمة الديمقراطية فهي واجب على كل فرد والجميع يتولى دفعها…وهو الوجه المالي للعلاقة بين المواطن والدولة… فأموال الضرائب موارد يجري استخدامها لتوفير النظام والحماية والخدمات وتحسين شروط الحياة. بعض أنواع الضرائب تتناسب مع معدلات الدخل والأخرى مرتبطة بالخدمات…
ضرائب السلع محدودة أو معدومة فمعظم السلع تنتج في نفس المجتمعات والجمارك قليلة او معدومة خصوصا بعد تطبيق اتفاقية التجارة الحرة التي نحن طرف فيها…ضريبة المبيعات في حدود ال10% وتتباين من منطقة لأخرى في الولايات المتعددة والحكومة ليست طرفا في البيع والشراء والتسعير ورسوم الخدمات هي في الحدود التي تغطي كلفتها.
في بلادنا يدفع المواطن ضريبة على كل شيء ورسوما يصعب حصرها وقد تتجاوز انواع الضرائب والرسوم التي تدفعها عند القيام باي نشاط تجاري او اقتصادي العشرات بعضها تعرف معناه واغلبها لا تعرف من اين اتت ولماذا في بعض الحالات تدفع ضريبة على الضريبة كما هو الحال في الضرائب الإضافية على فواتير الاتصالات التي تزيد على 50%.
في الاتفاقيات بين الدول يجري الحديث دائما عن الحد من الازدواج الضريبي اي ان لا يتم تقاضي الرسوم الضريبية او تكليف الاشخاص اكثر من مرة على نفس النشاط…المدهش ان ذلك لا يحصل دائما …السيارة التي قيمتها في المنشأ عشرة الاف دينار يدفع المستهلك ما يعادل سعرها جمارك وبعد ذلك رسوم تسجيل وترخيص وعشرات الضرائب التي لا معنى من وجودها على فاتورة تسجيل مركبة.
لا ضير في ان يدفع الناس ما عليهم من اجل تلقي الخدمات لكن ما معنى ان تدفع ضريبة معارف اذا كان الابناء خارج النظام المدرسي ولا تتلقى الاسرة دعما بالمقابل. وما معنى ان ادفع ضرائب لتسجيل المركبات اذا كانت الطرق رديئة واسواء مما كانت عليه في السنوات السابقة ولماذا لا توجه رسوم المركبات لتحسين الطرق واوضاعها.
ما الذي يبرر لحكومة ان تستقبل ملايين اللاجئيين ليجري الانفاق عليهم وعلى خدماتهم من اموال تمت جبايتها من واقتطاعها من خبز ومصاريف الناس الذين يشقون ليلا نهارا لمجابهة مطاليب البقاء على قيد الحياة في عالم لا يعرف الا الرفع والزيادة في كل شيء الا دخول المواطنين.
واخيرا هل هناك لجان برلمانية للتخصيصات كما هو الحال في المجتمعات الديمقراطية حيث يجري تحديد واقرار التخصيصات المالية للاولويات التي يقررها الناس من خلال صناديق الاقتراع والممثلين الذين جرى اختيارهم.. الاصلاح الاقتصادي ليس تحديد للمبالغ اللازمة لتمويل رغبة هنا وقرار هناك ومطلب الجهة الفلانية او الجماعة العلانية والتفكير في كيفية مباغتة الناس واختيار المواقيت التي تمرر فيها القرارات غير المفهومة او المبررة.
لا احد يصدق كيف يرتفع الدين بالمليارات سنويا في الوقت الذي تتراجع فيه اسعار الطاقة التي قيل انها السبب في الحاجة للدين سابقا…ولا احد يدرك لماذا تراجعت قدرة اقتصادنا على توليد فرص عمل مع ان الناس من حولنا يبحثون عن بيئة امنة للاستثمار…ولا احد يفهم لماذا غابت التنمية عن المحافظات بالرغم من تجدد الوعود باحداثها وايجاد الصناديق الخاصة بها وتوفر اموال المنحة الخليجية التي اشترط اصحابها ايجاد مشاريع يمكن تمويلها.
حالة الافلاس الفكري في البناء على انجازات كنا نتفاخر فيها في سنوات خلت وتقليص انشطتنا الاقتصادية الى الحديث عن تشجيع الاستثمار الذي فقدت شجاعته تحت وقع تضارب السياسات وبطء الاجراءات وتذكير المستثمر اليومي بحاجته الى غطاء ورعاية لكي يتمكن من الاستمرار قضايا تحتاج الى انتباه يفوق النظر الى التفنن في دفع المواطن الى عتبة الهاوية في اكثر الاوقات صعوبة وشدة.
لا احد ينكر انجازات الدولة في جوانب كثيرة وفي مقدمتها الامن لكن ذلك لايبرر التغاضي عن ان الفقر والتجويع والاحساس بالغبن عوامل لا تقل في تهديدها للاستقرار عن الافعال التي يقوم بها الاشخاص الخارجين عن القيم والقوانين والاعراف….الحفاظ على امن المواطن لا يتاتى بزيادة الدوريات وتحديث اساطيل المركبات وتجهيزات الدرك وحرس الحدود فحسب بل هو هدف يقوم تحقيقه على استراتيجيات تتناول تمكين الناس من العيش بكرامة وحرية وعدل في بيئة يحبونها وتوفر لهم ما هو جدير بالدفاع عنه. ادبيات البعض التي توجه الى اتهام من ينتقد بالجهل او ضعف الانتماء ادبيات فيها من النفاق والانتهازية الكثير الكثير فلا احد يعيش على ارض الاردن ولا يريد له الخير والمنعة وتقسيم المجتمع الى ملائكة وشياطين فعل ينتمي الى زمن ولى…..فالوطن لساكنه والمواطنة ليست حكرا على زمر المنتفعين ممن يدورون في فلك صناع قرار المرحلة.وكل المشروعات التى تريد تحقيقها الدولة تحتاج الى أموال، ومن هنا بات من المهم والضروري الالتزام بدفع الضريبة على كل ذى دخل. وبالتالى فإن أداءها واجب وطنى لا يمكن تجاهله بأى حال من الأحوال. وكل ضريبة تحددها الدولة لا يمكن فرضها إلا من خلال تشريعات.. ولا يجوز الإعفاء منها إلا فى الحدود التى يبينها القانون.
جريمة التهرب من أداء الضريبة هي جريمة إيجابية عمدية لا يكفي فيها القصد الجنائي العام، إذ تطلب القانون في هذه الجريمة قصدا جنائية خاصة وهو أن تتجه نية الجاني إلي تحقيق النتيجة الإجرامية، وهي التهرب من أداء الضريبة، أي حرمان الإدارة الضريبية من الحصول على حقها في هذه الضريبة الواجبة قانونا. . بصراحة: التهرب الضريبي ليس شطارة لكنه جريمة بحق الوطن، والمطلوب العدالة في دفع الضريبة تماماً كما في حال تحقيق المكاسب الوطنية، ومطلوب المساءلة للمتهربين ضريبيا وغير المنصفين من متابعي الضريبة، ومطلوب إجراءات عملية وواضحة لحماية الفقراء والطبقة الوسطى وأصحاب الدخول المحدودة، ومطلوب من الحكومة تحسين الظروف الإقتصادية ليشعر بها كل مواطن وفق المتطلبات الملكية السامية.