تبذل الدولة المصرية وقيادتها السياسية الرشيدة العديد من الجهود لأجل أن تتبوأ مكانتها اللائقة بها بين مصاف الدول المتقدمة وخاصة في المجال الصناعي الذي يعد قاطرة النهضة، ومن ثم وضعت الخطط الاستراتيجية التي ساهمت في جذب الاستثمارات في العديد من ربوع الوطن والعمل على تطوير وتوطين بعض الصناعات المفصلية التي تشكل أهمية بالغة في الاقتصاد الوطني المصري، وتعتبر مصر من الدول التي سارعت في تمهيد وتطوير البنية التحتية التي شجعت في جذب كافة الاستثمارات إليها، وهذا بفضل المناخ الداعم الذي وفرت له الدولة ومؤسساتها المختلفة التوجيه والمتابعة ولم تدخر القيادة السياسية جهدًا من أجل أن يتم الانتهاء من مراحل العديد من المشروعات القومية، وهذا ما ساعد في التغلب وإزالة العديد من المعوقات والتحديات التي كانت تعرقل مسيرة الإنتاجية وسبل التسويق.
وقد أكدت رؤي القيادة السياسية على ماهية التطوير والتوطين للصناعة الوطنية المصرية، مرارًا وتكرارًا وأشارت إلى ضرورة الوصول لحد الاكتفاء الذاتي في العديد من الصناعات والوصول إلى مراحل التصدير في بعض الصناعات التي تتوافر مواردها الطبيعية بالدولة المصرية، وقد لاحظنا المتابعة المستمرة على مدار الساعة لمشروعات كان من أبرزها تدشين شبكة الطرق والمواصلات التي حققت المعادلة الصعبة؛ حيث ربطت ربوع وأركان القطر المصري بسواحله ومطاراته وموانيه المتعددة، بكافة أنواع النقل البحري والبري والجوي، بما يسر وسهل الحركة والتنقل للمواد الخام والبضائع، ومن ثم مهد كل شبر في الوطن لأن يكون صالحًا للاستثمار في مجالات مختلفة ومتعددة.
ويمثل تطوير وتوطين الصناعة المصرية خطوة استراتيجية تهدف إلى دعم قدرات الإنتاج الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ورفع كفاءة الصناعات المحلية لتكون قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، فالاعتماد على الموارد الخام المحلية يتيح تحسين مهارات الإنتاج وتطوير التكنولوجيا اللازمة لتصنيع المنتجات بجودة تنافسية، وتحقيق التوازن بين الاستيراد والتصدير مما يدعم الاقتصاد الوطني، حيث يسمح التوطين بفتح المجال لإنشاء صناعات جديدة تكميلية ومساندة للصناعات القائمة.
بدءًا من استخراج المواد الخام وصولًا إلى المنتج النهائي، مع تطوير آليات الرقابة والجودة لتتناسب مع المعايير العالمية، مما يرفع من قيمة المنتجات المصرية في الأسواق الخارجية، ومن ثم أضح تطوير وتوطين الصناعة المصرية ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال دعم هذا التوجه، يمكن لمصر أن تعود بقوة لمكانتها كقوة صناعية إقليمية وعالمية، مستفيدة من مواردها الطبيعية والبشرية، ومواكبة للتحولات الاقتصادية العالمية، ومن ثم اتخذت الدولة الإجراءات اللازمة لدعم فلسفة التوطين وقدمت العديد من التسهيلات المحفزة للاستثمار الداخلي والخارجي المباشر.
وقد حققت رؤية الدولة المصرية آمال وطموحات المصريين قاطبة وأكدت على أن السعي والعمل الجاد يحقق الأحلام والغايات، ولا يمكن أن ننكر أن ماهية توطين وتطوير الصناعات في الدولة المصرية كان أحلام تسعي دائما للعودة واسترجاع المكانة المفقودة؛ في ظل الصعوبات والتحديات والمتغيرات التي يصعب حصرها، ويكفي أن نشير إلى تحدي واحد يتمثل في تهالك البنية الأساسية بالدولة على مر عقود من الزمن، ومن ثم أسهمت فكرة توطين الصناعة المصرية بما لا يدع مجالًا للشك في تحقيق القيمة المضافة للمنتج المحلي، كي يصل لمستوى العالمية والتنافسية ليواكب التطور التقني المتسارع، بما يحقق النمو المأمول والتنمية المستدامة في قطاع الصناعة؛ فمصر تمتلك مقومات ذلك متمثلا في الموقع المتفرد والبنية التحتية القوية بما يعد مصدر قوة للعديد من الصناعات المرتبطة بالمهارة البشرية والموارد والثروات الطبيعية، بما يجعل الدولة مؤهلة لأن تكون رائدة في هذا القطاع على المستوى الإقليمي والعالمي.
ومما لا شك فيه أن توطين الصناعة وفق رؤى السيد الرئيس تسهم في تعزيز مسارات الابتكار بصورة كبيرة ويساعد ذلك في تشجيع أصحاب العقول المستنيرة وأصحاب العمل على مواصلة الجهود للارتقاء بالقطاع الصناعي، مما يساهم قطعًا في حل المشكلات التي كافة مسارات التنمية بالدولة المصرية.
ويمثل قرار الدولة بإعادة شركة النصر لصناعة السيارات إلى الإنتاج تحولاً استراتيجياً قويا نحو توطين الصناعات الثقيلة وتعزيز القدرات الوطنية في مجال التصنيع، وهذا القرار يعكس التزاماً واضحاً بدعم الصناعة المحلية، ليس فقط كهدف اقتصادي، بل كركيزة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وبناء اقتصاد مستدام، وقد تمثلت الدوافع وراء عودة شركة النصر إيماننا بفكرة التوطين، فإعادة تشغيل شركة النصر يعكس التوجه الجاد نحو توطين الصناعات الإستراتيجية وتقليل الاعتماد على الاستيراد وتحقيق الاستقلالية الاقتصادية وتوفر فرصاً لابتكار منتجات تلبّي احتياجات السوق المحلي والعالمي.
وينبع القرار من رؤية سياسية وطنية واضحة تدعم بناء قاعدة صناعية قوية ووعياً بدور الصناعات الكبرى في تحقيق التنمية الشاملة من خلال تبنيها سياسات دعم موجهة، بداية من دور الحكومة في دعم المشروع، والتسهيلات الإدارية والتشريعية، وإزالة العراقيل البيروقراطية التي تعيق الإنتاج الصناعي، وإصدار قوانين تشجع على الاستثمار في الصناعات المحلية وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وتقديم الدعم المالي والخبرات الداعمة المطورة المدعوة بالفكر الاستراتيجي، وتخصيص ميزانيات لتطوير البنية التحتية اللازمة لإحياء المصنع، والاستعانة بالخبرات الدولية من خلال تبادلات رسمية واتفاقيات تعاون مع دول رائدة في مجال صناعة السيارات.
وجدير بالذكر أن إعادة تشغيل المصنع تمثل دفعة قوية للقطاع الصناعي، مما يزيد الإنتاجية ويوفر فرصاً لتنويع المنتجات، وتوفير آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، مما يساهم في تقليل البطالة وتحسين مستوى معيشة الأسر؛ نتيجة لانتهاج سياسة التصدير مع الالتزام بالمعايير العالمية، مما يمكن أن تصبح منتجات شركة النصر قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، والتعاون مع الدول المتقدمة يتيح لمصر اكتساب تقنيات حديثة ترفع معدلات الجودة وكفاءة الإنتاج المحلي، وصولا للإبداع والتوجه لتصنيع سيارات كهربائية وصديقة للبيئة تسهم في تحقيق رؤية مصر نحو التنمية المستدامة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
إن إعادة شركة النصر لصناعة السيارات إلى دائرة الإنتاج يُعد دليلاً على الجدية في تحقيق التوطين الصناعي كجزء من استراتيجية شاملة للتنمية الاقتصادية، من خلال الدعم الحكومي الموجه، والرؤية السياسية الطموحة، ويمكن لهذا المشروع أن يصبح نموذجاً يحتذى به في استعادة الصناعات الوطنية الكبرى ودعم الاقتصاد المصري على المدى الطويل، ونثمن الجهود التي أعادت بعودة شركة النصر لصناعة السيارات للإنتاج بشركات داعمة، ومن ثم ينبغي مواصلة الجهود نحو مزيد من التوطين للعديد من الصناعات التي تعد مصر رائدة فيها، ونحث على ضخ مزيد من التسهيلات للمضي قدمًا في تحقيق التنمية الصناعية الشاملة.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر