أما بعد..
وحينما تعود في الغد..
لا تلمني، حينما لا أستطيع أن أنتزع من قلبي فكرة أنك من هشم تلك المرايا-التي تعكس صورة وجهك-العالقة في أيسري، لتنثرها أسفل قدمي مختبرا قدرتي على طول الصمت..
على أن أتجرع الموت قليلا وأنا أحصي الفصول..
أجمع المتناقضات..
أقاتل طواحين الوقت..
وأقلب أوراق الذاكرة مسافرا بين الصفحات..
أستحضر وجوها وأحذف وجوها، وكأنما في قدرة المرء أن ينسى ما كان ببساطة شديدة بمجرد أن يقلب الصفحة فقط..
فيشطب تاريخا ويبدِّل آخر..
لا تلمني..
حينما أؤمن بأنك تركتني لأدرس فلسفة الوحدة وكيف أنَّ المرء يقيم على أطلال الحنين صوامع للمناجاة..
بطقوس من دموع ودم..
تلتهمني الأسباب..
وتتناوشني النتائج..
وبينهما دروب ممتدة من سراب قاتل تتسكع بداخلنا..
وكيف زلت بنا الأقدام، فجرفتنا الخطى حيث عواصم الخراب..
لا وطن ولا منفى..
لا تلمني..
حينما تترسخ بداخلي فكرة أنه لا أحد يبقى حينما تحصد المناجل سنابل الأفول..
فكل من تجاوزونا بالأمس ذهبوا بلا عودة وكأنما ما أتوا إلا ليحصدوا الشمس والضياء..
ربما اكتفوا بأن يتركوا لنا رصيدا ذاخرا بالمآسي والأحداث التي تؤسس لحضارة طويلة من وجع ومن حزن..
لا تلمني..
حينما لا أستطيع أن أتجاوز زجاج قلبي المكسور بقدمين حافيتين..
فلم يعلمني أحدهم يوما..
كيف أسير على الزجاج دون أن أنزف أبعاض روحي وما من جدوى بعد الجراحات تُرتجى..
كأنما هو قربان يقدم في حضرة صنم..
لم يعلمني أحدهم السير على قدم واحدة، من باب أن الخروج بأقل الأضرار أفضل من فداحة الخسارة الكاملة..
ولكن غبائي أبى إلا أن يقذفني في عمق الحدث كاملا، فإما انتصار يخلده التاريخ..
وإما خسارة بشرف مناضل..
لم يعلمني أحدهم..
كيف أقفز لأتجاوز كلاعبي السيرك، أو كيف أسير على أطراف أصابعي كراقصي الباليه..
فلطالما مقتهما معا لبداوتي وتخلفي..
حينما تعود في الغد..
لا تلمني أنني..
وذات يأس..
حاولت أن أنتزعك مني، فأفسدتُني حتى آخر رمق..
فلا أنا عدتُ كما كنتُ..
ولا أنتَ بقيتَ بداخلي كما أسكنتُكَ أول مرة..
إذ انطفأ قنديل الشغف..
حينما أيقنتُ..
أننا نقتلُ بيد الغرباء، ربما..
لكن الغريب قد يقتلك برحمة..
إنما أن نُقتلَ بيدِ من نحبُ..
يؤسس للغد دولة من القسوة..
عنوانها..
أن الباب الذي يوصد في موسم الذبول..
لا يغريه ألف ربيع..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..