فرصة ذهبية ثمينة امام الطامعين والطامحين الى اصدار قانون عادل ومتميز للأحوال الشخصية في الجمهورية الجديدة. قرار السيد الرئيس بتشكيل لجنة من كبار المختصين وذوي الشأن في الأحوال الشخصية من رجال الشريعة والقانون وكبار المستشارين ورؤساء المحاكم وغيرهم يمثل نقطة ارتكاز مهمة للانطلاق نحو الأهداف السامية للارتقاء بالاسرة المصرية والسعي نحو طموحات لا محدودة في المجتمع المعاصر..
الفرصة الذهبية تتجلى في الوقت المتاح للدراسة والفحص والتمحيص للمواد الخاصة بالقانون والمواد الأولى بالرعاية لنزع فتيل التوترات على صعيد الاسرة الزوج والزوجة والأولاد.. اللجنة التي شكلها السيد المستشار عمر مروان وزير العدل امامها اكثر من أربعة اشهر لتنتهي من عملها وسوف تبدأ من الان ولمدة خمسة عشر يوما في تلقي المقترحات بشأن التعديلات مشروع القانون على البريد الالكتروني وهوmojip.nov.eg وتعقد اجتماعاتها بوزارة العدل ولها الحق في الاستعانة بمن تشاء وطلب البيانات والمعلومات والإحصاءات التي تريد من أي جهة.
قضايا الأحوال الشخصية من القضايا السهلة ولكنها من نوع السهل الممتنع كما يقولون فهي سهلة لانها محددة في الاطار الشرعي الذي رسمه الله تعالى لصلاح الانسان والارتقاء بالبشرية واحكام الأحوال الشخصية تكاد تكون محصورة في الزواج والطلاق واحكام النسب والرضاع والنفقة والحضانة الميراث والوصية والأهلية والحجر والولاية على النفس والغيبة وغيرها مما يتصل بتلك الأمور.
معظم الدراسات تشير الى ان المشكلة مع الأحوال الشخصية بدأت مع محاولات التقنين..وهي في الأصل ليست مشكلة لكن الازمة الحقيقية هي ان الاكمة كان وراءها ما وراءها فقد كان هناك رغبة واضحة في التخلص من الغطاء الشرعي وجعل كل الأمور مدنية كما يقولون بمعنى ادق لا سلطان لشرع او دين ولا لفقه ولا فقهاء!
ومع التوجه الى القانون المدني منذ أيام محمد علي زاد نفوذ القانون الفرنسي وتقلص نفوذ الشريعة الإسلامية حتى أنشئت المحاكم المختلطة في عهد إسماعيل ثم بعد ذلك الغي القضاء الشرعي ودخلنا في دوامات لا متناهية يصارع الجميع بحثا عن شيئ ما..
الحقيقة ان اللجنة المشكلة أخيرا ليست الأولى من نوعها ولكن مصر تمتلك سجلا زاخرا باعمال العديد من اللجان الخاصة لمناقشة ووضع قانون شامل للأحوال الشخصية على مدى اكثر من مائة وعشر سنوات ففي سنة 1915 شكلت لجنة لوضع تقنين لاحكام الأحوال الشخصية ولكنها لم تنته الى نتيجة عملية كما يقول الدكنور محمد البلتاجي في كتابه القيم دراسات في الأحوال الشخصية وبعد خمس سنوات صدر القانون رقم 25 لسنة 1920 باحكام النفقة والاحوال الشخصية ثم المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ويعد ذلك بسنوات صدر قانون المواريث رقم 77 لسنة1943 وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ثم مرسوم بقانون لتقرير حالات سلب الولاية على النفس سنة 1952..
ومنذ ذلك الحين والدعوات لوضع قوانين للأحوال الشخصية لاتتوقف وفي كل مرة يتم تشكيل اللجان بصفة رسمية لوضع قانون شامل للأحوال الشخصية منها :
ففي سنة 1936 دعت وزارة العدل الى تشكيل لجنة من كبار العلماء لكنها لم تنجز كل جوانب القانون الشامل لكنها اتمت عملها في الجوانب المالية فقط..وكذلك الامر في العام 1956 الفت عدة لجان لتبديل القوانين المصرية ومنها الأحوال الشخصية لكنها لم تنجز المهمة..
وفي 21 يونيو 1979 صدر قرار جمهوري بتعديل بعض احكام قانون الأحوال الشخصية الذي اثار جدلا كبيرا قبل اصدار القانون وبعده خاصة وانه صدر في غيبة مجلس الشعب وقبل ان يعود المجلس للانعقاد بثمانية واربعين ساعة فقط !!
يمكن لاعضاء اللجنة الموقرة طلب مضابط البرلمان لتلك الجلسات وما تضمنته من نقاشات بين الأعضاء او المختصين وكذلك الدراسات حول بعض القضايا من الناحيتين الشرعية والقانونية..
كذلك يمكن الرجوع والاستئناس بالدراسات الفقهية المعمقة لبعض علماء الشريعة وفقهاء القانون حول القضايا الجدلية وهي لا تزال معروضة او موجودة في مشروع القانون الجديد.. وهناك بحوث تمت بالفعل لدراسة وتأصيل ما استجد واستحدث من أمور فيما يتعلق بالزواج والطلاق وما يتبعها ويدور حولها من مطالب حاصة من جانب الجمعيات النسوية وجماعات تحرير المرأة او المرأة الجديدة وهي موجودة ومنشورة ..
لعله ليس من قبيل المفاجأة ان قضية مثل توثيق الطلاق معروضة منذ زمن طويل في مشروعات القوانين السابقة وكانت محل ترحيب ولا اعتراض على عملية التوثيق في الأصل بل اعتبره الكثيرون تأكيدا وحماية لحقوق الرجل والمراة على السواء وليس كما يتصور البعض بان هناك مشكلة مع التوثيق .. فليس في ايجاب توثيق الطلاق ولا في تنظيم طرق العلم به أي قيد على حق الطلاق الذي اسنده الله للزوج ..
المشكلة الحقيقية بوضوح تأتي من الرغبة في والإصرار على التعدي على حق الطلاق تحت ستار التوثيق وانتزاع الحق الشرعي للرجل فيه ..
في اعتقادي ان الجانب الأهم في اللجنة هو وجود رؤساء محاكم الاسرة ولديهم كنز عملي حقيقي من ارض الواقع لمعظم المواد وخطورتها او فوائدها .. تجربة عملية وميدانية عما فعلته القوانين سيئة السمعة التي تم تمريرها بليل او تلك التي تم سلقها او إصدارها تحت جنح الظلام في غيبة المجلس والتي لاتزال ظلالها القاتمة قائمة حتى الان.. هؤلاء يمثلون الإضافة الحقيقية والجادة لعمل اللجنة..
من البديهي ان تستبعد اللجنة مشورة كل من تورط في اصدار القوانين المعيبة السابقة سواء من علماء الدين او رجال القانون مهما كان موقفهم او مهما قيل عن حسن نواياهم بعد ان أوهموا المجتمع بان تلك القوانين هي سفينة الإنقاذ وطوق النجاة والطريق السريع الى حياة رغدة وسعيدة لكل امرأة وانها القادرة على ترويض أي رجل في كل عصر وحين حتى فوجئ الجميع بانها اساءت للاسرة المصرية وارهقت جميع الافراد ازواجا وزوجات وأبناء وحتى الجدود والجدات مثلما هو حادث مع قوانين حق الرؤية ومسكن الحضانة والخلع وغيرها..
ان صدق النوايا والرغبة الحقيقية في الإصلاح وانتشال المواطن من هموم يعيشها والتخلص من منغصات الحياة على ارض الواقع بعيدا عن افتعال لمشكلات او اختلاق قضايا او وجود رغبات من نوع ما لتحقيق اهداف ما او انتزاع مكاسب فئوية او الانتصار لجهات او التحيز لجبهات او خلق حالة تمييز تحت أي مسمى كل ذلك يكفل او يضمن نجاحا حقيقيا واستقرارا وراحة بال يبحث عنها الجميع تحت مظلة قانون شامل وعادل لا يتجرأ على حقوق الله ولا حقوق العباد..
**عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما النساءُ شقائق الرجال) رواه أبو داود.
والله المستعان ..
Megahedkh@hotmail.com