ونسعى لأن نجعل من بيوت الله (عز وجل) بابًا واسعًا لاستعادة قيمنا الإيمانية والروحية والأخلاقية والإنسانية
كتب عادل يحيى
في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي، ومحاربة الأفكار المتطرفة، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة، ألقى معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة 24/ 6/ 2022 م خطبة الجمعة بمسجد “سيدي عبد الرحيم القنائي”، بمحافظة قنا، تحت عنوان: “أخلاق الحبيب (صلى الله عليه وسلم)”، بحضور السيد اللواء أ.ح/ أشرف الداودي محافظ قنا، والسيد المهندس/ نبيل محمد الطيبي السكرتير العام، والسيد المهندس/ أشرف رشاد الشريف زعيم الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب، والمهندس/ محمد خليل العماري عضو مجلس النواب، والدكتور/ نوح العيسوي رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب وزير الأوقاف، والشيخ/ جابر طايع رئيس القطاع الديني السابق، والدكتور/ ماهر علي جبر مدير مديرية أوقاف قنا، والشيخ/ علي طيفور مدير مديرية أوقاف سوهاج، ولفيف من القيادات التنفيذية والشعبية.
وفي خطبته أكد أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الحديث عن نبي الله (صلى الله عليه وسلم) حديث عظيم، فما أعظم الحديث عن أخلاق سيدنا الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وما عسى أن يقول قائل في سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفي أخلاقه وشمائله، وهو الذي زكى ربه لسانه فقال: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى”، وزكى بصره فقال: “مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى”، وزكى فؤاده فقال: “مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى”، وزكى عقله فقال: “مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى”، وزكى معلمه فقال: “عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى”، وزكى خلقه فقال: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، وزكاه كله فقال: “لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”، وشرح صدره فقال: “أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ”، ورفع ذكره فقال: “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”، ويقول سبحانه: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”، ويقول سبحانه: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا”، ويقول الشاعر:
أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِ خَاتَمٌ
مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ
إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ
فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
ويقول الشاعر:
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري
بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ
إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدرًا
فَحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَّحابا
مشيرًا إلى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أصدق الناس، وأشجع الناس، وأكرم الناس، وأوفى الناس، كان خير الناس للناس، وخيرهم لصحابته وأهله وأمته، فهو الرحمة المهداة، يقول سبحانه : “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”.
كما أكد أنه لا يستطيع أحد مهما بلغت فصاحته وبيانه أن يوفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعضًا من أخلاقه وشمائله، إلا أننا نقف مع صفة واحدة من صفات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا وهي الصفة العظمى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ”، فقد كان (صلى الله عليه وسلم) أرحم الناس بالناس، وأرحم الخلق بالخلق، كان يقول (صلى الله عليه وسلم): “لا تُنزَعُ الرَّحمةُ إلَّا من شقيٍّ”، وها هو (صلى الله عليه وسلم) يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ (رضي الله عنهما) فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): “مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ”، ويقول عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه): دخَلَ رسول (صلى الله عليه وسلم) يومًا حائِطًا مِن حيطانِ الأَنصارِ، فإذا جَملٌ قدِ أتاهُ فجَرجرَ، وذَرِفَت عيناهُ -: فلمَّا رَأى النَّبيَّ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ) حَنَّ وذرِفَت عيناهُ فمَسحَ رسولُ اللَّهِ (صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ) سراتَهُ وذِفراهُ، فسَكَنَ، فقالَ : “مَن صاحبُ الجمَلِ” ؟ فجاءَ فتًى منَ الأَنصارِ، فقالَ : هوَ لي يا رسولَ اللَّهِ، فقالَ : “أما تتَّقي اللَّهَ في هذِهِ البَهيمةِ الَّتي ملَّكَكَها اللَّهُ، إنَّهُ شَكا إليَّ أنَّكَ تجيعُهُ وتدئبُهُ”، وشملت رحمته (صلى الله عليه وسلم) الطيور، حيث قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ : “مَن فجعَ هذِهِ بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها إليها”، وفي هذا يقول الشاعر:
وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ
هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ
كما أكد أن ديننا دين الرحمة، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) نبي الرحمة، ومصرنا بلد رحمة، ومع فضل الله علينا بأمنه وفضله ومنه وكرمه عودة المساجد إلى كامل أنشطتها مع زملائنا الأئمة والعلماء، ونجتهد في أن نجعل من بيوت الله (عز وجل) بابًا واسعًا لاستعادة قيمنا الإيمانية والروحية والأخلاقية والإنسانية، سواء في الخطب، أم في الدروس، أم في البرنامج المبارك البرنامج الصيفي للطفل الذي يهدف إلى احتضان أطفالنا وتنشئتهم تنشئةً سويةً، ومن خلال الندوات واللقاءات المفتوحة مع الشباب، هذه أمانة في أعناقنا جميعًا.
موجهًا رسالة إلى كل أئمتنا وكل العلماء وكل المفكرين أن نعمل معًا على احتضان شبابنا، ومن الآن كثَّفنا وسنزيد تكثيف اللقاءات والندوات ومقارئ القرآن الكريم ولقاءات الشباب والأطفال والكبار، لنرجع معًا إلى قيمنا الإيمانية، فما يطرأ وما نسمعه بين الحين والآخر من خروج على الطبيعة الإنسانية، وعلى الطبيعة المصرية، وعلى طبيعة الشعب المصري المؤمن بفطرته، المتدين بطبيعته، المتحضر بتاريخه، كل هذه الأمور السلبية والحوادث الفردية لن تشكل إن شاء الله ظاهرةً في شعب مؤمن تقي محب لدينه محب لوطنه، يمتلك حضارة عظيمة، وإذا كنا نتحدث عن الرحمة، فإن الإسلام قد حذَّر من كل أنواع العنف، ومن كل أنواع الأذى قال (صلى الله عليه وسلم): “المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه”، ومن سَلِم منه الجماد والحيوان، إذ لا يجوز لك أن تؤذي حيوانًا، أو تقطع شجرًا، أو أن تحرق ثمرًا، حتى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا فيقول: “دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ”، لم يقل قتلتها ولا نكلت بها وإنما قال: “رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ”، أما الدماء والإقدام على القتل، فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا”، ويقول الحق سبحانه: “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، ويقول سبحانه: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”.
مؤكدًا أنه حتى في حالات الحرب فقد حذرنا الإسلام من الإسراف والإسراع في القتل، فقال سبحانه :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا “، وعن أسامة بن زيد ( رضي الله عنه ) قال بَعَثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الحُرَقَةِ مِن جُهَيْنَةَ، قالَ: فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، قالَ: ولَحِقْتُ أنَا ورَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلًا منهمْ، قالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قالَ: فَكَفَّ عنْه الأنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ برُمْحِي حتَّى قَتَلْتُهُ، قالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذلكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَقالَ لِي: يا أُسَامَةُ، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟! قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما كانَ مُتَعَوِّذًا، قالَ: أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟! قالَ: فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذلكَ اليَومِ”، فديننا دين يعصم الدماء كل الدماء، ويحفظ الأموال كل الأموال، والأعراض كل الأعراض، ديننا دين عظيم، وعلينا أن نعود بحق إلى قيمنا وديننا وأخلاقنا وحضارتنا وقوانيننا لنحفظ مجتمعنا من أي زلل.