عند استعمالنا لمصطلح “التطوّر” في حياتنا اليوميّة، فالمعاني التي نستحضرها تكون في العادة متعلّقة بسياقات اجتماعية، فكريّة، سياسيّة، أو حتّى تكنولوجيّة. التطوّر في هذه السّياقات قد يكون في إطارٍ فرديّ (كالزّيادة في العلم أو الغنى) أو في إطار مجتمعيّ (كالتقدّم القانوني أو الحضاري). ولكنّ مصطلح “التطوّر” في علم الأحياء يُشير إلى آليّات ومفاهيم محدّدة، بعضها قد لا يتّفق مع فهمنا الحدسيّ للكلمة. في هذه المقالة، سنستعرض بعض التّعريفات التي طرحها العلماء وأهل الاختصاص لشرح ظاهرة التطوّر في سياقها البيولوجي. ومن ثمّ، سنحاول توضيح هذه التّعريفات والإجابة على بعض المفاهيم الخاطئة عن التطوّر بنفس الوقت
أحد أفضل التّعريفات لمصطلح “التطوّر البيولوجي” وأكثرها وضوحًا هو ما وردَ في كتاب (علم الأحياء التطوّري – Evolutionary Biology) لعالم الأحياء الأمريكي دوغلاس فوتويما (Douglas Futuyma)، حيث قال:
“في أوسع معانيه، التطوّر يعني مجرّد التغيّر، ولذلك المصطلح منتشر بكثرة [ويستخدم في العديد من السّياقات]. المجرّات، اللّغات، والنّظم السّياسيّة كلّها تتطوّر. التطوّر البيولوجي [على الجهة الأخرى، …] هو تغيّرٌ في صفات مجموعات من الكائنات الحيّة والذي يتجاوز عمر الفرد الواحد. التنشّؤ والتغيّر الذي يطرأ على الأفراد لا يُعدّ تطوّرًا، فالكائنات الحيّة لا تتطوّر كأفراد. التغيّرات التي تطرأ على مجموعات [من الكائنات الحيّة] والتي تُعتبر تطوّريّة هي تلك التغيّرات القابلة للتّوريث عن طريق المادّة الجينيّة [أو الوراثيّة] من جيلٍ إلى آخر. التطوّر البيولوجي قد يكون طفيفًا أو ضخمًا، ويشمل كلّ شيء من التغيّرات الطّفيفة في نسب الأليات* المختلفة في مجموعة [من الكائنات الحيّة] (مثل التّغييرات التي تحدّد نوع الدّم) وحتّى التّغيّرات المتتابعة التي أدت إلى تطوّر الكائنات الحيّة البدائيّة إلى الحلزونات، النّحل، الزّرافات، وحتّى نبات الطّرخشقون.”
وتلك، في الحقيقة، مشكلة رئيسية تواجه محاولات الكثيرين لفهم التطور، ذلك لأن الأدلة على صحة البيولوجيا التطورية لا تُستقى من منبع واحد، ولكنها تتفرع من البيولوجيا للجغرافيا للجيولوجيا، وتمتد لتشتمل علوم الوراثة والجينات والكيمياء الحيوية، ولا يمكن بسهولة فهم الصورة الكاملة لصحة الفكرة التطورية في البيولوجيا من دون تأمل كل تلك النطاقات بصورة مبسطة،
تُرَاوِدُ الإنسانَ — منذ أن وُجِدَ على ظهر الأرض — أسئلةٌ كبرى، أحدُ هذه الأسئلة سؤالُ الأصل أو المركز أو ما كان يُطلِق عليه الإغريق «اللوجوس»، واختلف البشر فيما بينهم في الإجابة على هذا السؤال؛ فرَدَّهُ الملاحدة إلى الطبيعة/المادة، ورَدَّهُ أهل الدِّين إلى الخالق. وتُعَدُّ نظرية التطور نظريةً فلسفيةً بيولوجيةً، ذات أُسُسٍ مادية طبيعية، ترد الإنسان إلى أصل مادي. وهي إحدى النظريات الكبرى التي حققت ذيوعًا كبيرًا في الغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين. وبرغم اقتصار داروين على استخدام النظرية داخل الحقل البيولوجي، إلا أنها تحولت إلى فلسفة ورؤية للعالم تَأَسَّسَ عليها تراث لا يُستهان به من العلوم الاجتماعية والطبيعية على حَدٍّ سواء.
هناك بعض الأعراض التي تظهر عند اختلال عمل الساعة البيولوجية، مثل:
1- اضطراب دورات النوم واليقظة فعندما تختل الساعة البيولوجية تصاب دورات النوم واليقظة عند الإنسان بارتباك شديد؛ حيث يصاب البعض بالحاجة إلى النوم في وقت مبكر جدًا من الليل، ثم يستيقظون بعد منتصف الليل لتبدأ معاناة انتظار الصباح، بينما يحدث العكس عند فريق من الناس حيث يجدون صعوبة شديدة في النوم ويعتبرون أنفسهم من ضحايا الأرق فلا يصل النوم إلى عيونهم إلا بعد منتصف الليل أو قرب الفجر، ويترتب على ذلك صعوبة شديدة في الاستيقاظ صباحًا للذهاب إلى العمل أو المدرسة.
2- دوار الطائرة النفاثة Jet Lag وهي حالة مرضية تحدث عادة عند السفر الطويل السريع عبر مناطق يتغير فيها الوقت، وذلك نتيجة لعدم توافق الساعة البيولوجية داخل الإنسان مع الساعة الخارجية التي تتغير بتغير توقيت البلاد المختلفة التي يمر بها المسافر، وينتج عن هذه الحالة أرق وإرهاق وتباطؤ وظائف الجسم، ويصاحبه اضطراب في دورات النوم واليقظة.
3- الاكتئاب الشتوي “الاضطراب الوجداني الفصلي” في دراسة ميدانية بمدينة نيويورك وجد أن أكثر من ثلث البالغين يعانون اضطرابا في حالتهم المزاجية في أثناء الشتاء؛ حيث تطول ساعات الليل. كما وجد أن ستة أشخاص من كل مائة يعانون اكتئابا شديدا في فصل الشتاء؛ فيشعر المريض بصعوبة في ممارسة العمل والحياة العائلية، كما يحس بموجات من التعب وتتغير عاداته في الأكل؛ فيتناول الكثير من المواد النشوية والسكرية.
أين توجد الساعة البيولوجية؟؟ تمكن العلماء أخيرًا من رصد مكان الساعة البيولوجية بعد اكتشاف مجموعة من الخلايا العصبية تقع في النهار التحتي وسط المخ تعرف بالنواة فوق التصالبية Supra Chiasmatic nucleus، ويبدو أنها مركز التحكم في الإيقاع اليومي، وتتكون هذه النواة من جزأين، جزء يوجد في النصف الأيمن من المخ، والجزء الثاني في النصف الأيسر من المخ، وكل جزء يتكون من عشرة آلاف خلية عصبية ملتصقة بعضها ببعض، وتقوم على تنظيم الجداول الزمنية والتنسيق مع بقية الخلايا للوصول إلى ما يجب أن تكون عليه أنشطة الجسم على مدار اليوم. وتوجد هذه النواة فوق نقطة التقاء العصبين البصريين في قاع الجمجمة؛ حيث إن عمل هذه النواة يرتبط بالضوء الذي يعمل على خلق التزامن بين الساعة الداخلية ودورات النور والظلام في العالم الخارجي، وفي خلايا هذه النواة يتم نسخ وترجمة مورث جين الساعة الذي يسهم بدور كبير في مدى دقة هذه الساعة، وهو المسئول عن ضبط الساعة البيولوجية، والعثور عليه يمهد الطريق إلى ضبط ساعاتنا البيولوجية مثلما نضبط ساعة اليد أو الحائط بعد استبدال المورث المضطرب بآخر سليم..!!.
كيف تعمل الساعة البيولوجية؟ مكنت تقنيات البيولوجيا الجزيئية العلماء من فهم الآلية التي تعمل بها تلك الساعة العجيبة، فمن خلال الأبحاث التي أجريت على ذبابة “الدروسوفيلا” تبين أن لحظة الصفر في الدورة اليومية تبدأ عند الظهر؛
حيث تبدأ عملية نسخ الجينات المسئولة عن تكوين مركب حساس للضوء، ويظل النسخ مستمرًا حتى ما بعد الغروب مباشرة لتبدأ عملية ترجمة الجينات المنسوخة إلى بروتينات تتحد لتكون المركب الحساس للضوء، وعند الفجر يعمل الضوء على تفكيك هذا المركب الحساس؛ فيفقد فعاليته تدريجيا، وعند الظهر يفقد فعاليته تماما وتبدأ الخلية في عملية النسخ من جديد. وهكذا تتتابع عمليتا “نسخ” الجين و”ترجمة” نسخته Gene Expression في حلقة يومية محكمة ذاتية التنظيم؛ فالتعرض للضوء مبكرًا يؤدي إلى تبكير عملية النسخ أي تبكير ساعة الصفر في الدورة اليومية والتأخر في التعرض للضوء يعني تأخر عملية النسخ، وهكذا يعمل الضوء على ضبط الساعة البيولوجية كل أربع وعشرين ساعة. وعلى هذا، فإن دورة النور والظلام على سطح الأرض تقوم مسار جميع العمليات الحيوية في جسم الكائنات الحية؛ حيث لا يمكن أن تعمل الساعة البيولوجية بمفردها بانتظام لمدة طويلة، بل لا بد من وجود تلك الدورة كساعة مرجعية نضبط عليها ساعتنا من حين لآخر. ومن ثم يعتبر التعرض لضوء النهار ولو لدقائق معدودة كل يوم ضروريا لتوفيق إيقاع الجسم مع إيقاع الطبيعة من حولنا.
والقرآن الكريم يحدثنا عن نعمتي الليل والنهار فيقول: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71}قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72}(القصص: 71-72) صدق الله العظيم.