لن يكون العديد من أنواع الكائنات الحية قادرا على التكيف بالسرعة الكافية مع التغير المناخي، ما يهدد بقاء تلك الأنواع، وذلك وفقا لما يقوله علماء. وأفادت دراسة أجريت على أكثر من 250 نوعا من النباتات والحيوانات بأن مقدرتها على التكيف مع التغير في سقوط الأمطار ودرجات الحرارة ستكون بطيئة للغاية، مقارنة بسرعة التغير المناخي مستقبلا. وستكون البرمائيات والزواحف والنباتات أكثر عرضة للخطر، وفقا لباحثين أمريكيين. وستكون الأنواع الاستوائية أكثر عرضة للخطر، مقارنة بالأنواع الأخرى في المناطق المعتدلة. وتسلط دراسة دولية جديدة الضوء على التحديات التي تواجه الأنواع الحيوانية في التكيف مع تغير المناخ وتغير المناخ هو عملية سريعة، لدرجة أن العديد من الأنواع الحيوانية قد تحتاج لبعض الوقت للتكيف مع درجات الحرارة الجديدة. هذه هي الحقيقة المحزنة التي أدلى بها فريق دولي من الباحثين، والذين تم نشر نتائجهم في Nature Communications في 23 يوليو 2019. واعتمد باحثون من فرنسا وألمانيا وإسبانيا في أبحاثهم على المؤلفات العلمية المنشورة بالفعل، وقد بحثوا في ملخصات أكثر من 10000 مقال لاستخراج البيانات أخيرا من 71 دراسة. وركزوا في بحثهم على الطيور، لأنها أفضل صنف ممثل في مجموعة البيانات الخاصة بهم،وكان هدفهم هو العثور على دليل على التكيف.
وقالت جامعة ولاية أيوا (الولايات المتحدة الأمريكية)، المشاركة في الدراسة، في بيان: “حدد فريق البحث الدولي في الأبحاث العلمية البيانات ذات الصلة لربط تغير المناخ على مر السنين بالتغييرات المحتملة في خصائص الأنواع المدرجة في الدراسة، ثم قام الفريق بتقييم ما إذا كانت التغييرات في السمات الملاحظة مرتبطة بالنتائج المرجوة، مثل ارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة أو زيادة أعداد النسل” .ووجد الباحثون أن الأنواع الحيوانية لديها “تكتيكات” للتكيف، فهي تغير نمط حياتها.مثل السبات، التكاثر، الهجرة، وهي ظواهر موسمية تحدث في وقت مبكر، خاصة في المناطق المعتدلة، ومع ذلك، فإن هذه الدراسة تشير إلى أن تغير المناخ لا يؤثر بشكل منهجي على الصفات المورفولوجية للطيور.
ووفقًا لنتائج هذا العمل، فيمكن للحيوانات أن تحاول التكيف لكنها لا تستطيع مواكبة السرعة التي يفرضها تغير المناخ، والتي تهدد بقائها على المدى الطويل. ويقول فريدريك جنزن، مؤلف مشارك للدراسة: “المناخ يتغير بالفعل بسرعة، ونعلم أن العديد من الكائنات الحية تستجيب للظروف المناخية المتغيرة، ولكن هذا التكيف لا يحدث بالسرعة الكافية، لذلك فإن الكثير منها مهدد بخطر الإنقراض.
وكشفت دراسة أخرى أعدها باحثون في “معهد ليبنيز لأبحاث الحيوان والحياة البرية” في ألمانيا أن أنواع الطيور تحاول التكيف مع درجات الحرارة من خلال تقديم مواعيد وضع البيض والهجرة، مشيرةً إلى أن التغيرات “الفينولوجية” المتعلقة بدورة حياة الحيوان-مثل عمليتي التناسل والهجرة- تنطوي على فوائد بدنية مثل تحقيق أعلى ناتج تناسلي على سبيل المثال. لكن الدراسة حذرت، في الوقت ذاته، من أن المناخ يتغير بدرجة تجعل من الصعب على بعض الأنواع الحيوانية أن تكون قادرةً على التكيف بسرعة كافية تتناسب مع معدلات التغير الذي تشهده الكرة الأرضية في درجات الحرارة.
ووفق الدراسة، التي نشرتها أيضا “نيتشر كوميونيكيشنز” Nature Communications) ” ، فقد استعان الباحثون بـ10090 ملخصًا علميًّا و71 دراسة منشورة تناولت 17 نوعًا في 13 دولة، خاصة الطيور؛ لتقييم استجابة الأنواع لتغيُّر المناخ. وأوضح الباحثون أنه “على الرغم من أن بعض الأنواع كانت تقدم دورات حياتها الموسمية استجابةً لارتفاع درجات الحرارة، فإن هذه التغيرات التكيفية قد لا تحدث بمعدل يضمن استمرارًا طويل الأجل لبعض الأنواع، وأنه يمكن لبعض الأنواع أن تتكيف مع التغيرات المناخية عن طريق تغيير “الفينولوجيا” الخاصة بها، ولكن هذا يحدث فقط في حالة إذا كان هناك تبايُن وراثي كافٍ أو مرونة في سلوكها وتطورها”. وتقول “فيكتوريا رادشوك” -من معهد ليبنيز لدراسات الحيوان والحياة البرية، أجرينا مراجعة منهجية لأكثر من 10000 ملخص تفي بمعايير البحث الخاصة بنا. وتضيف أنه “على الرغم من أن الاستجابات الفينولية قابلة للتكيف، إلا أن غالبية الأنواع معرضة للخطر؛ إذ إن الاستجابات التكيفية التي تُظهرها الأنواع ليست سريعةً بما يكفي لضمان استمرار الأنواع على المدى الطويل”
. وركزت الدراسة على الأنواع التي تمكَّن الباحثون من الحصول على بياناتها اللازمة لهذا النوع من الدراسات، وهي 17 نوعًا يعيش معظمها في نصف الكرة الشمالي، لذلك لا يستطيع الباحثون تعميم النتائج على أنواع أخرى تعيش في البيئات الجنوبية. ومن أبرز الأنواع المهددة التي درسها الباحثون”اليحمور الأوروبيroe deer “، و”عصفور الدوري المغرد song sparrow “، و”طائر المور الشائعCommon guillemot “، و”العقعق الأوراسي Black-billed Magpie “. وحذرت الدراسة من أن الأنواع المدروسة مهددة بخطر الانقراض في حال استمرار تسارع معدلات تغير المناخ مع عدم قدرة الأنواع على التكيف مع هذا التغير بالقدر الكافي. ويقول الدكتور وينز إن الثدييات والطيور ربما تكون في وضع أفضل للبقاء، مقارنة بالبرمائيات والزواحف، وذلك لأن لديها القدرة على تنظيم درجات حرارة جسمها. وبينما قد تكون بعض الأنواع قادرة على الانتقال إلى خطوط عرض أعلى، أو إلى مناطق مرتفعة من أجل البقاء، إلا أن “هذا الخيار ليس متاحا بالنسبة لكثير من الكائنات الحية”. ويضيف وينز: “إنه خطر مزودج يجمع بين التغير المناخي وتدمير المواطن الطبيعية”.
بينما تقول “رادشوك”:من أجل إنقاذ الأنواع، يجب أن نسعى لخفض معدلات تغير المناخ. ومن الأمور التي يمكن لكلٍّ منا عملها التحول إلى الطاقة الخضراء لتدفئة منازلنا، وتقليل الرحلات الجوية إلى الحد الأدنى، وخفض استهلاك اللحوم.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم