تحت علم المناسبات تندرج الموسوعة التي صدرت حديثاً عن دار نهضة مصر في سبعمائة واثنتي عشرة صفحة من القطع الكبير حيث حرص فريق تحرير الموسوعة على اصطفاء اللطائف الدقيقة والمعاني الرقيقة مع توَخِّي وضوح البيان ووجازة الأسلوب في عرضها في شكل سؤال وجواب تثويراً للقارئ ، وتشويقاً في العرض ، وتضمنت الموسوعة الكشف عن بلاغة التركيب ولطائف الترتيب ، وفارقات المفردات وارتباطها بمواضعها التي وردت فيها ، والموسوعة تحت إشراف المفكر الإسلامي العلّامة الأستاذ الدكتور محمد محمد داود ، وهيئة علمية للتوجيه والتدقيق العلمي مكونة من الأستاذ الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق ، والأستاذ الدكتور سامي عبدالفتاح هلال العميد الأسبق لكلية اللغة القرآن الكريم بطنطا جامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور محمد محمد داود أستاذ العلوم اللغوبة بجامعة قناة السويس، علاوة على هيئة المراجعة وضبط التحرير برئاسة الأستاذ الدكتور عبدالله عبدالغني سرحان عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر ، والأستاذ الدكتور شعبان محمد علي كفافي عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالزقازيق ـ جامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور نصر عيد عبدالمقصود عميد كلية القرآن الكريم وعلومه بطنطا سابقاً – جامعة الأزهر ، والأستاذ الدكتور هاني صبري أحمد إمبابي دكتوراه في النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة ، والدكتور عبالعزيز محمد رشوان كلية اللغة العربية – جامعة الأزهر، والأستاذ محمد رضوان أبو المجد سليمان محاضر سابق بكلية القرآن الكريم وعلومه بطنطا – جامعة الأزهر، والمنسق العام للموسوعة : الدكتور أيمن عيد السيد السعدني مدرس القانون العام بكلية الحقوق – جامعة القاهرة ، والدكتور عرفة حلمي كامل عبدالرازق المدرس بقسم علوم اللغة بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة، وكَتَبَ المقدمة للموسوعة الأستاذ الدكتورعلي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقاً.
وعلم المناسبات ويطلق عليه أيضاً : علم المناسبة هو: علم دقيق يعتمد على العقلية ذات التفكير الكلي ، وتُعرف به وجوه ارتباط أجزاء القرآن بعضها ببعض، وقولُنا: (أجزاء القرآن) شامل للآية مع الآية، والحكم مع الحكم، والسورة مع السورة، والقصة مع القصة، وكل جزء من القرآن مع ما قارنه، ويشتمل علم المناسبات على:
أ ـ معرفة مناسبة الآيات لبعضها حتى ترتبط السورة كلها ببعضها،وكذلك مناسبة مفردة في الآية مع المفردة التي قبلها والتي بعدها،وكذلك مناسبة الجمل مع بعضها البعض في الآية.
ب ـ مناسبة اختتام السورة بافتتاحها، وارتباطه به.
ج ـ مناسبة السور مع بعضها البعض.
د ـ مناسبة الفاصلة للآية.
ويذكر فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور نور الدين عتر في مذكرته (علم المناسبات) أن أول ما بدأ به علم المناسبات شذرات على لسان السلف رضي الله عنهم يستأنسون بها في تفسير القرآن الكريم ولا سيما في اجتهاداتهم وحواراتهم، وأول ظهور هذا الفن مسجلاً كان عند الإمام أبي جعفر الطبري المُتَوَفَّى سنة (310) هـجرية في تفسيره ، ثم جاء الإمام أبو بكر النبسابوري المُتَوَفَّى (324)هـجرية، فعني به في دروسه واستعلن به على رؤوس الأشهاد في درس الجامع، ثم جاء الإمام أبو بكر بن العربي المُتَوَفَّى سنة (543) ثم جاء الإمام الزمخشري المُتَوَفَّى سنة (538) هـجرية وجعل للمناسبة حظاً في كتابه الكشاف،ثم جاء الإمام الفخر الرازي المُتَوَفَّى سنة (606) هجرية بتفسيره (مفاتيح الغيب) الذي اعتنى بالمناسبات من جملة ما اعتني به من العلوم، حيث قال: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط ، ثم جاء الإمام ابن النقيب الحنفي المُتَوَفَّى سنة (698) هجرية ثم جاء الإمام أبو جعفر الغرناطي المُتَوَفَّى سنة (708) هجرية ، ثم جاء الإمام محمد بن أحمد الملوي المنفلوطي المُتَوَفَّى سنة (774) هجرية ، ثم جاء الإمام بدر الدين الزركشي المُتَوَفَّى سنة (794) هجرية ، ثم الإمام ابن الزبير الثقفي المُتَوَفَّى سنة (807) هجرية ، ثم الإمام برهان الدين البقاعي المُتَوَفَّى سنة (885) هجرية ، ثم جاء الإمام جلال الدين السيوطي المُتَوَفَّى سنة (911) هجرية.
ومن الذين اعتنوا بعلم المناسبات من المتأخرين :
الشيخ محمد عبده المُتَوَفَّى سنة (1905)
والشيخ طاهر الجزائري المُتَوَفَّى سنة (1920)
والشيخ عبدالحميد الفراهي الهندي الذي توفي سنة (1930).
والشيخ مصطفى المراغي المُتَوَفَّى سنة (1945)
والشيخ سيد قطب المُتَوَفَّى سنة (1966)
والشيخ عبدالله الصديق الغماري الطنجي المغربي المُتَوَفَّى سنة (1993)
والعلّامة الأستاذ الدكتور نور الدين عتر ، ولد في سورية الحبيبة بحلب الشهباء سنة (1937) درس في الثانوية الشرعية بحلب ، ثم التحق بجامعة الأزهر وحاز الليسانس عام (1958)، وكان الخريج الأوَّل على دفعته، وكان موضع نظر أساتذته الأجلاء من شيوخ الأزهر وعلمائه لما رأوه فيه من مخايل النجابة والجد والتقى، وقد قسم له المولى الإفادة من علماء عاملين ربانيين منهم: الشيخ مصطفى مجاهد، الشيخ محمد محمد السماحي، والشيخ عبد الوهاب البحيري، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمهم الله تعالى وأعلى مقامهم، إلا أن صاحب الأثر الأكبر في تكوينه العلمي والروحاني هو سراج الأمة في عقودها الأخيرة علّامة و عصره وقطب زمانه أستاذ ومعلمي وشيخي الذي تتلمذت على يديه بمعهد التعليم الشرعي بحلب (المدرسة الشعبانية) بين عامي (1971) و(1977) الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين الحافظ المفسر، والعارف المحقق، والأستاذ الدكتور نور الدين عتر هو ابن أخته وصهره زوج ابنته، في عام (1964) حصل على (الدكتوراه) من كلة أصول الدين بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، عن أطروحته: (طريقة الإمام الترمذي في جامعه، والموازنة بينه وبين الصَّحيحين) والتي تُعَدُّ نموذجاً فريداً من حيث المضمون والمنهج؛ وغدت طريقته في تبويبها نمطاً فريداً اعتمده كثير من الباحثين في مناهج المحدثين، وكانت وفاته سنة (2020) ميلادية.
وأول كتاب يصلنا في التأليف في علم المناسبات مفرداً هو:
ـ (البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن) للإمام أبي جعفر الغرناطي المتوفى سنة (708) هجرية .
ـ ثم (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) للإمام برهان الدين البقاعي المتوفى سنة (885) هـجرية.
ـ وللإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة (911) هجرية : كتاب بعنزان (تناسق الدرر في تناسب السور) الذي يقول: علم المناسبة علم شريف قَلَّ اعتناء المفسرين به لدقته.
وللإمام السيوطي كتاب بعنوان (مراصد المطالع في تناسب المقاصد والمطالع) وهو بحث في العلاقات بين مطالع سور القرآن وخواتيمها.
يقول الإمام العز بن عبد السلام فيه: المناسبة علم حسن، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحدٍ مرتبط أوله بآخره.
ويقول الإمام البقاعي عن علم المناسبات: وهو سر البلاغة، لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتتوقف الإجازة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها، ويفيد ذلك في معرفة المقصود من جميع جملها، فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير كنسبة علم البيان من النحو.
وإذا سأل سائل عن العلاقة بين علم النحو وبين علم البيان الذي هو أحد فروع علم البلاغة نقول له: يمكن وصف أهمية علم البيان على أنّه أهم ركائز فنون اللغة العربية وآدابها، حيث يساعد في شرح محاسن اللغة العربية وأشكال التعبير من خلالها، بالإضافة لتفسير الملامح الجمالية التي قد تتخلل أي قصيدةٍ، أو خطبةٍ، أو رسالةٍ معينةٍ، أو مقالةٍ لأي متكلم، لذا فإنّ الإجادة في تحقيق قوانين علم البيان وإبداع مهاراته وفهمه أكثر يستلزم توفير آلاتٍ وأدواتٍ مثل النحو، والصرف، والأمثال العربية، والقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وعلم العروض، والقوافي.
ويقول الأستاذ الدكتور محمد داود المشرف على الموسوعة : إن الهدف من الموسوعة هو الإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهان الشباب والمثقفين وغيرهم حيث تبين الموسوعة حكمة الحكيم في كل كلمة وآية ومعنى ، والمستهدف هم الشباب والدعاة للرقي برسالة الداعية حيث القرآن الكريم هو النبع الصافي الذي تزول به كل الخلافات والشقاق والتنازع، كما أن القرآن الكريم مُجَدَّدَاً يحييْ اعتماد الدليل العقلي والدليل العلمي في الدعوة إلى الله سبحانه ، وفي الحوار مع الآخر، فالقرآن الكريم رسالة تنويرية بخطابه للعقل واعتماد الدليل العلمي مما يرقى بخطاب الداعية لمستوى الوعي والفهم والقدرة على الحوار بالعقل والعلم، والعودة إلى القرآن الكريم كمرجعية للفكر الإسلامي… وهو استجابة لدعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإني تارك فيكم كتاب الله وسنتي فالقرآن مرجعية منقذة للأمة، لكل هذا ومن أجل هذا قامت الموسوعة التي تُجيب عن الأسئلة التي يكثر دورانها في عقول المتدبرين والقارئين لآيات القرآن الكريم، لماذا هذه الكلمة دون سواها، وتلك الجملة دون غيرها؟ والفروق اللغويَّـة والبلاغيَّـة بينها وبيـن غيـرها، والمسـوغات الصوتيَّـة والصرفيَّـة والنحويَّـة والدلاليَّـة والبلاغيَّـة لمجيء كلمة دون كلمة، أو جملة دون جملة، في سياق هذه الآية أو تلك، أو لماذا الجمع دون الإفراد، أو الإفراد دون الجمع؟ وما مسوِّغ التقديم أو التأخير؟ أو ما سبب الحذف أو الذِكْر؟ وتأتي الموسوعة في صيغة سؤال وجواب فيه إثارة لذهن القارئ وتشويق له، ومن ثَمَّ كانت الإجابة عن السؤال شافية كافية وافية، بأسلوب علمي ميسَّر يجمع بين عمق الفكرة، وسلاسة اللفظ، وفهم المعنى، وسهولة المأتى.
ويختم المشرف على الموسوعة بقوله : كان وراء هذا الجهد الدؤوب فريق تحلَّى بأناة وتُؤَدَة وصبر على سبر أغوار الظواهر القرآنية المختلفة ـ لغوية وعلمية ـ ومعالجتها بحنكة ودراية عظيمة؛ مما يجعل هذه الموسوعة نافعة ومتميزة في بابها بحوله تعالى وقوَّته.
ومما يجدر ذكره أن المجلد الأول من الموسوعة صدر في النصف الأول من العام المنصرم (2021) حيث يقع المجلد الأول من الموسوعة في ستمائة وأربعين صفحة من القطع الكبير ، وفيه إجابات عن أكثر من (1500) مسألة من أسرار التعبير القرآني والحكم البالغة، و الفروق الدلالية الدقيقة.
نسأل الله أن ينفع بها ، وتكون زاداً للدعاة والأئمة وطلبة العلم والدارسين والباحثين والقارئين وطالبي المعرفة .