سمعت بأذناي بعض مشايخنا الكبار وخاصة في دول الخليج يسمون التمر شيكولاتة العرب لأنهم يقدمونه في الترحيب بضيفوهم..وفيه من الأنواع ما يفوق الشيكولاتة عند الفرنجة كما يقولون.
الان مصر تتربع على عرش التمر والاحاديث الخاصة بالتمر مبشرة وتبعث على الامل وتؤكد أنه أصبح مشروعا قوميا مميزا قادرا على المساهمة بجدية في الارتقاء بالاقتصاد القومي وفي حركة الحياة العامة والخاصة والدفع بالمشروعات الاستثمارية القائمة عليه وحوله إلى الأمام دائما خاصة وأن بعض الأنواع تنافس في الجودة أصنافا أخرى شهيرة كانت تأتي عبر الفضاء.
مهرجانات التمور في الوادي الجديد وأسوان والعريش وسيوة ومطروح وغيرها تأكيد على النقلة النوعية والطفرة الكبيرة التي حدثت في مجال زراعة وإنتاج التمر بعد أن وصل عدد الباسقات إلى عشرين مليون نخلة سيرتفع كثيرا مع الخطط الطموحة لزراعة مليوني نخلة أخرى في المناطق المستصلحة حديثا سواء في توشكى أو في حزام ممر التنمية الجديد بالصحراء الغربية.
تنتج مصر نحو ١.٧ مليون طن سنويا من التمور..(يبلغ الإنتاج العالمي ٩ ملايين طن) واصبحت تحتل المركز الأول عالميا بنسبة تبلغ 21% من الإنتاج حسبما جاء في أطلس نخيل البلح والتمور في مصر الذي أصدرته منظمة الفاو.
ميزة التمر المصري أنه يمتع بصفات غير موجودة في الأنواع الأخرى فضلا عن تعدد الأصناف التى تصل إلى
23 صنفا من التمور منها ما تؤكل ثمارها وهي طرية كالأمهات والزغلول والحياني والسماني وبنت عيشة ومنها الأصناف النصف جافة التي لا تؤكل إلا بعد تجفيفها أو تصنيعها وأشهرها السيوي والعجلاني وغيرها.
رغم هذا الإنتاج الوفير إلا أن الخبراء والاقتصاديين ينادون بضرورة الاهتمام بالتصدير لأن حصة التصدير لاتزال ضعيفة مقارنة بحجم الإنتاج ولم تتجاوز قيمة الصادرات ٥٢ مليون دولار العام الماضي رغم المميزات التى يتمتع بها الأصناف المصرية وتجعل الطلب عليها دوليا كبيرا
بلغ عدد الدول المستوردة للتمور المصرية فى عام 2021 حوالي 59 دولة بحسب بيانات المجلس التصديري للصناعات الغذائية واحتلت إندونيسيا قائمة أكبر الدول المستوردة للتمور المصرية في عام 2021 بقيمة 25 مليون دولار تمثل 47% من إجمالى الصادرات.
تأتي المغرب في المرتبة الثانية في واردات التمور من مصر بقيمة 20 مليون دولار تمثل 38% من إجمالي الصادرات.
تحتل ماليزيا المرتبة الثالثة بقيمة 3 ملايين دولار تمثل 5% من إجمالي الصادرات.
واضح أن خطط التوسع في الإنتاج لم يصاحبها خطط موازية في كيفية الافادة القصوى من الوفرة الكبيرة على مختلف المستويات.. سواء في عمليات التصنيع الكبيرة كاستخراج السكر أو الدبس وعسل البلح عالي القيمة بالسعرات الغذائية.. أو التعبئة والتغليف للأنواع الطرية خاصة وهي تحتاج ايضا لعمليات تسويق داخليا وخارجيا..وايضا الصناعات الأخرى على مخلفات النخيل الجريد والليف والجذوع..
وهناك العديد من الصناعات المشهورة في هذا الصدد بمحافظات النخيل مثل الوادي الجديد وسيناء ومنها صناعة الأرابيسك المصنوع من سعف النخيل وله شهرة عالمية لجودته العالية ودقة ومتانة صنعه وصناعة الخوص والتي تعد من أقدم وأهم الصناعات في الوادي الجديد وكذلك صناعة الوقود الحيوي والأعلاف الحيوانية وصناعة الزيوت وبدائل السكر إضافة إلى الافادة من مخلفات النخيل في إنتاج أعلاف الدواجن..
أعتقد أن ثمة دراسات مهمة في مراكز البحوث حول الموضوع ليتنا نبحث عنها ونعمل على تطبيقها حتى لا تكون هناك ثروات مهدرة.
وهذا جانب مهم للغاية لأن احتمالات التوسع في زراعة النخيل خلال الأيام المقبلة كبيرة ليس فقط في الأراضي المستصلحة حيث يستخدم النخيل كوسيلة حماية من العوامل الجوية كالتعرية ومصدات الرياح وغيرها ولكن أيضا في المحافظات غير الصحراوية في الدلتا وما حولها وعلى السواحل البحرية والبحيرات.وقد أغرت الأصناف الجديدة الجيدة والمرتفعة الأثمان الكثير من المزارعين في التوجه نحوها والاهتمام بها لعائدها الكبير وهو ما لاحظناه في الفترة الأخيرة مع رواج تجارة فسائل النخل وانتشار المشاتل الخاصة أو حتى استيراد انواع وفسائل بعينها..
هذا التوجه الحيوي نحو النخيل وإنتاج التمور يقتضي الاهتمام بثقافة التمور وكيفية التعامل معها سواء على المستوى المعيشي في الحياة اليومية كرافد وداعم أساسي في الوجبات وغيرها أوعلى المستوى الاقتصادي في التصنيع والتصدير. اي ضرورة أن تكون هناك خارطة طريق للنخيل تضمن التعامل الجاد والصحيح مع الأنواع المختلفة في المكان المناسب لها والزمان أيضا نظرا لتنوع المناخ والبيئة والتربة الزراعية في مصر مابين رملية وطينية ومختلطة وأجواء حارة وباردة ورطبة وجافة وما إلى ذلك وهو ما يؤثر على اختيار فسائل معينة لمنطقة معينة تصلح فيها وتعطي الإنتاج الوفير.
اعجبتني دراسة أعدها مركز بحوث الصحراء عن أصناف التمور وأماكن انتشارها ومزودة بمفاتيح عن حجم وكمية الإنتاج المتوقع لكل نخلة في أي صنف.وهي دراسة اعتبرها نموذجا مهما لكل مستثمر يرغب في اقتحام عالم التمور..
على سبيل المثال توضح الدراسة أن أهم الأصناف الرطبة التي تؤكل وتستهلك ثمارها طرية الحياني وهو منتشر في الوجه البحري ويصل انتاج النخلة بين ١٧5-٢٠٠كجم يستعمل الرطب في صناعة العجوة أو يسوق طازجا وهو مرغوب لدي المستهلك المصري ويتحمل الجفاف لذا فهو من الأصناف التي تنجح بالأراضي الجديدة بالوجه البحري. والزغلول تكثر زراعته في البحيرة والإسكندرية ويصل إنتاج النخلة 150كجم ويفضل زراعته بالسواحل وبعيدا عن التقلبات الجوية.اما البلح السماني فتنتشر زراعته في الوجه البحري عموماً وخاصة البحيرة والإسكندرية ويصل إنتاج النخلة 180كجم ويسوق في الطور الأصفر والقليل في الرطب وأحيانا يصنع منه المربات. والبلح الأمهات ينتشر في الجيزة والفيوم إنتاج النخلة 175كجم ويصنع منه العجوة.
وبنت عيشة تنتشر زراعته بالشرقية والبحيرة ودمياط إنتاج النخلة ٢٠٠كجم ويستخدم في صناعة العجوة. ويوجد أصناف أخـري أعدادها مازالت قليلة مثل (البارحي ، والعرابي ، الكبش ، السرجي ، صفر الدوميين) وهي غير مؤثرة في الإنتاج لقلة أعدادها وقلة دراية المستهلك بها.
وفي الأصناف النصف جافة والتي تجفف أو تصنع ومن مميزاتها إمكانية تخزين الثمار لعدة شهور وأهمها العمري وتنتشر زراعته بالشرقية وشمال سيناء وهو من الأصناف التي لها مستقبل تصديري لدول أسيا وأوروبا وتعطي النخلة 100كجم. والسيوي: ينتشر زراعته بالفيوم والجيزة والواحات والـوادي الجديد وهو من أفضل أصناف التصنيع كعجوة ومن أهم الأصناف التصديرية ويزداد الطلب عليه ويتواجد بالواحات والوادي الجديد.
وبالنسبة للأصناف الجافة وتزرع بالأماكن شديدة الحرارة وخاصة محافظات أسوان والوادي الجديد وتجفف لتخزن لتسوق في المناسبات مثل شهر رمضان والأعياد ومن أهمها السكوتي والبرتمودا و الجنديلة
بقي الاشارة إلى أن بعض الدول المنتجة التمر كالجزائر قامت بتجربة فريدة مع الدول الأفريقية حيث تم مبادلة الأنواع الشعبية من التمور بمنتجات أخرى لديها مثل الأبقار ووبعض المنتجات الاخرى.ويستخدم الأفارقة التمر في مخزون الأغذية لديهم طوال العام ..
الخير قادم .. والله المستعان
megahedkh@hotmail.com