مصافحة السيسي وإردوغان .. أبرز لقطات دورة قطر!
منع روسيا من المشاركة في الحدث الكبير ..بسبب غزو أوكرانيا
الدوحة وضعت المونديال في قلب سياستها الخارجية وتطورها الاقتصادي
إداء السعودية والمغرب.. وحد مشاعر العرب من المحيط إلى الخليج
انسحاب مصر وإندونيسيا والسودان عام 1958 احتجاجًا على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين
كرة القدم بلورت الهويَّة المتغيرة .. للقارة الأوروبية ..!!
اللعبة عززت “العولمة” .. وجلبت أرباحًا هائلة للشركات متعددة الجنسيات
تقرير يكتبه:
عبد المنعم السلموني
دائمًا ما كانت السياسة تلقي بظلالها على بطولة كأس العالم، وكذلك كانت السياسة تعكس نفوذ الدول على هذه البطولة العالمية عبر تاريخها منذ إقامة أولى دوراتها في الأورجواي عام 1930.
وإذا بدانا بالبطولة الحالية المقامة في قطر، فربما كان من أبرز لقطات كأس العالم “السياسية”، هي تلك التي تصافح فيها الرئيسان عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب اردوجان، وذلك بعد قطيعة طويلة بين البلدين لأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بالخلافات حول استغلال حقول الغاز في شرق المتوسط، والبعض الآخر يرتبط باستضافة تركيا عددًا من أعضاء “الجماعة إياها” على الأراضي التركية والسماح لهم ببث سمومهم ضد مصر. ويضاف لما سبق رفض مصر التدخل التركي في شؤون ليبيا.
ويرى بعض المراقبين أن هذه المصافحة قد تمهد لعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، حيث أعربت الأوساط الرسمية في كلا الدولتين عن الرغبة المشتركة في إعادة العلاقات إلى طبيعتها.
وبطبيعة الحال، فلولا هذه المناسبة ودعوة الرئيسين لحضور حفل الافتتاح، وسعي قطر، الدولة المنظمة، لتحقيق التقارب بين البلدين، لما شهد المليارات من متابعي البطولة هذه المصافحة في هذا التوقيت بالذات.
هناك، أيضًا، ملاحظة أخرى، حيث إن بعض أحداث البطولة، مثل أداء المنتخبين السعودي والمغربي، وحدت العرب على اختلاف مذاهبهم وأديانهم ولهجاتهم، من الخليج إلى المحيط. وتقول وكالة أسوشيتدبرس، في تقرير لها، إنه بعد أن سدد السعودي سالم الدوسري كرة من داخل منطقة الجزاء مباشرة في شباك الأرجنتين الشباك ليحقق الفوز للسعودية، وجد العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط المنقسم شيئًا يحتفلون به.
وتشير الوكالة إلى أن هذه الحالة من الوحدة العربية يصعب الوصول إليها وهي تزول عندما تصل. لكن استضافة قطر لكأس العالم وفرت لحظة احتشد فيها الكثير في العالم العربي أمام الدوحة وفوز المنتخب السعودي.
وهناك أبعاد سياسية أخرى، لكأس العالم الحالية، لعل في مقدمتها منع روسيا من المشاركة في هذا الحدث الكبير بسبب غزوها لأوكرانيا. ولا شك في أن قرار المنع، حتى وإن كان قد صدر من الفيفا، يعكس الهيمنة الغربية على الاتحاد الدولي لكرة القدم.
ولعل عدول 7 منتخبات أوروبية عن نيتها ارتداء قادة منتخباتها شارة دعم المثليين، يضيف بعدًا سياسيًا وثقافيًا وقِيَمِيّا آخر للدور الذي يمكن أن تلعبه كرة القدم في الحد من الخلافات والاختلافات بين السياقات الحضارية لكل منطقة وكل دولة، حيث كانت قطر قد رفضت ارتداء هذه الشارة.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن منتخبات إنجلترا وويلز وبلجيكا والدنمارك وهولندا وألمانيا وسويسرا أصدرت بيانًا قالت فيه إن “الفيفا كان واضحًا جدًا في أنه سيفرض عقوبات رياضية إذا ارتدى قادتنا شارات (داعمة للمثليين) في الملعب”.
وأضاف البيان: “لا يمكننا وضع لاعبينا في موقف يمكنهم من خلاله مواجهة عقوبات رياضية .. لذلك طلبنا من القادة عدم محاولة ارتداء الشارات” في مباريات كأس العالم. مع ذلك ارتدت وزيرة داخلية ألمانيا الشارة، حيث نشرت صورة لها على حسابها في تويتر وهي في المدرجات والشارة على ذراعها اليسرى!!
ورغم التشابك المتكرر بين كرة القدم والسياسة، فإن تدخل الفيفا لم يكن بالطريقة نفسها في مثل هذه الأمور، وذلك، كما سبق القول، بسبب هيمنة دول بعينها على الاتحاد الدولي لكرة القدم.
هناك بعض السوابق التاريخية للدلالة على ذلك، فمثلًا في عام 1970، سُمح لإسرائيل باللعب في نهائيات كأس العالم بالمكسيك بعد أن رفضت كوريا الشمالية، اللعب معها في التصفيات الآسيوية المؤهلة، بسبب احتلال فلسطين.
كذلك استمرت فرنسا في اللعب بنهائيات كأس العالم رغم تدخلاتها العسكرية في شمال إفريقيا والهند الصينية خلال الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كما فعلت إنجلترا، التي لم تتأثر مشاركتها باحتلالها الاستعماري الذي استمر حتى أواخر السبعينيات.
أيضًا منع الفيفا ألمانيا واليابان من المشاركة في نهائيات كأس العالم 1950 “باعتبارهما معتدين عسكريين” في الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945. مع ذلك، لم يكن هذا الحظر مهمًا، حيث رفضت العديد من فرق الدول الأوروبية التي مزقتها الحرب السفر إلى البرازيل للمشاركة في البطولة، بسبب بُعد المسافة. وقد تم إلغاء نسختين سابقتين من البطولة التي كانت لا تزال وليدة -1942 و1946 -بسبب الحرب العالمية.
في التصفيات الأفروآسيوية المؤهلة للمونديال، عام 1958 تأهل منتخب إندونيسيا إلى الدور الثاني على حساب الصين، ثم تأهلت إسرائيل، بعد انسحاب تركيا.
ثم تأهلت مصر إلى الدور الثاني بعد انسحاب قبرص، وصعدت السودان على حساب سوريا، بالفوز عليها 2-1 في مجموع المباراتين.
ضم الدور الثاني للتصفيات كلا من مصر والسودان وإندونيسيا والكيان الصهيوني، لكن مصر وإندونيسيا رفضتا اللعب أمام إسرائيل بسبب مقاطعة الدول العربية والإسلامية للكيان المحتل، خاصة بعد العدوان الثلاثي عام 1956، لتتأهل إسرائيل والسودان إلى المرحلة الأخيرة للتصفيات، قبل أن يقرر المنتخب السوداني، الانسحاب هو الآخر، ليبلغ الكيان الصهيوني، الملحق العالمي.
ومن الملاحظات المهمة أن انتصار فرنسا عام 1998 على أرض الوطن بفريق تم تشكيله، إلى حد كبير، من مجتمعات لها جذور في المستعمرات الفرنسية السابقة إلى بلورة الهوية المتغيِّرة للأمة الأوروبية.
وإذا عدنا للبطولة الحالية، نجد أنه “لا توجد دولة، حتى الآن، جعلت الرياضة بشكل عام، وكأس العالم على وجه الخصوص، في قلب سياستها الخارجية وتطورها الاقتصادي، بشكل فريد، مثل قطر،” حسبما كتب مؤخرًا مؤرخ كرة القدم البريطاني، ديفيد جولدبلات.
وكتب ايشان ثارور وسامي ويستفال، في افتتاحية بصحيفة واشنطن بوست وصلتني بالبريد الإلكتروني: “قبل نصف قرن من الزمان، كانت قطر، المحمية البريطانية السابقة، عبارة عن منطقة منعزلة غامضة على الخليج العربي، وتشتهر بالغوص بحثًا عن اللؤلؤ وغير ذلك الكثير. لكن ثروة هائلة من الهيدروكربونات، وخاصة الغاز الطبيعي المسال، غيرت مصيرها، وشحنت صعودها كقوة إقليمية مؤثرة وضمنت عرضها استضافة بطولة 2022.
راهنت قطر على رأس المال السياسي لجيل كامل في تنظيم أول بطولة لكأس العالم في الشرق الأوسط والعالم العربي. لقد رصدت تمويلًا مذهلاً بقيمة 220 مليار دولار للبناء، استحدثت الملاعب الجديدة والطرق وأنظمة القطارات والفنادق والبنية التحتية الأخرى. وصمدت أمام حنق بعض الدول عليها.
كما صمدت أمام ما وصفه أمير قطر بأنه مستوى “غير مسبوق” من التدقيق والازدراء قبل البطولة. تدفق النشطاء والصحفيون على مهاجمة ما وصفوه بـ “سجل النظام القطري المتقلب في حقوق الإنسان، وظروف العمل القاسية المرتبطة بمشاريع البناء الضخمة، والوضع الراهن القاتم لأفراد مجتمع المثليين، والمعاملات الغامضة التي أحاطت بفوز قطر باستضافة كأس العالم.”
مع أثناء الاستعدادات النهائية للمنتخبات الـ 32 المشاركة في بطولة قطر، أرسل رئيس الفيفا جياني إنفانتينو رسالة إلى كل فريق يحثهم فيها على تجنب اتخاذ مواقف سياسية علنية. كتب إنفانتينو: “نعلم أن كرة القدم لا تعيش في فراغ، ونحن ندرك بنفس القدر أن هناك العديد من التحديات والصعوبات ذات الطبيعة السياسية في جميع أنحاء العالم”. “لكن من فضلكم لا تسمحوا لكرة القدم بالانجرار إلى كل معركة أيديولوجية أو سياسية.”
بالطبع، لم تكن كأس العالم بمنأى عن المعارك الأيديولوجية والسياسية السائدة اليوم. البطولات نفسها تجذب الآن المليارات من العيون واهتمام جمهور دولي واسع. إنها دائمًا بوتقة للاتجاهات والتوترات التي تشكل العالم.
لقد أسهمت بطولات كأس العالم في تعزيز مظاهر العولمة، سياسيًا واقتصاديًا، فمثلًا مونديال كأس العالم 2018 في روسيا، الذي انطلق في 14 يونيو، استقطب، ضمن حملة دعائية ثقافية وموسيقية واسعة النطاق، انتباه العالم من خلال سحر التلفزيون، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 3000 مليون شخص تابعوا بداية هذا الحدث الرياضي الضخم، مما جذب الانتباه من مختلف أنحاء الارض.
وفي هذه الرياضة بالذات، تتجلى العولمة بأوضح صورها بسبب الترابط بين التأثيرات الاقتصادية والحدث الرياضي نفسه. في كأس العالم 1998 بفرنسا، مثلًا، حصل كل فريق متنافس على جوائز تزيد على مليون دولار. كما حصل كل منهم على حوالي 250 ألف دولار في شكل دعاية، ولوحات إعلانية بالملاعب، وعروض موسيقية وفنية تدور حول تأثير هذه الرياضة الشعبية.
ونظرًا للأثر العالمي لهذه الرياضة كترفيه وأعمال تجارية مربحة لشركات المشروبات الغازية الكبيرة والشركات عابرة القوميات ذات الشهرة العالمية، فإننا نشهد معها كل ما يحرك الأموال في رابط قوي ومربح بين الرياضة والأعمال والسياسة.
ويقدر حجم مبيعات الهدايا التذكارية للجهات الراعية والتحف السياحية بمبلغ 2000 مليون دولار وهو ما يمثل نشاطا اقتصاديا كبيرا.
بهذه الطريقة، تلتقي الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي كرعاة لبطولات كأي العالم. شركات التلفزيون في أمريكا الشمالية، والشركات في أوروبا، وأمريكا اللاتينية وآسيا، كلها تبحث عن مساحتها الخاصة لبث الحدث. ترعى شركات تصنيع الملابس الرياضية الشهيرة، فرق كأس العالم المختلفة. تدعم الشركات العاملة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والشركات متعددة الجنسيات حول العالم في مجال الوجبات السريعة، وفي مجال المشروبات الغازية وغيرها، هذا الحدث أيضًا.
هناك أيضًا المؤسسات المالية وبطاقات الائتمان، التي تعد من أكبر الرعاة، والتي تجتمع معًا في حركة ضخمة للأموال. مع إنشاء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يصبح الحدث نقطة جذب قوية لجذب عملاء جدد في الأسواق الناشئة والمستقبلية.
ويقول موقع ذا إيكونومي جورنال إن الشركات متعددة الجنسيات تلعب دورًا مهمًا في النجاح الاقتصادي لهذا الحدث الرياضي. وتعد كرة القدم اليوم صناعة ترفيهية عالمية، وتدر أكثر من 400 ألف مليون دولار.
ليس سرًا أن كرة القدم هي أكبر رياضة في التاريخ، حيث تتنافس كل دولة في العالم تقريبًا في كرة القدم، وهناك أكثر من أربعة مليارات شخص يقولون إنهم يتابعون هذه اللعبة الشعبية. وبلا جدال، تتفوق كرة القدم على جميع الرياضات الأخرى في العالم. وفي أوروبا على وجه الخصوص، تعتبر كرة القدم أسلوب حياة وجزءً لا يتجزأ من الثقافة.