عندما تكسب القضية
فزع كل من في البيت حين فاجأهم الشيخ أنه قد دعا أربعة عشرة رجلًا لتناول الغداء في بيته غدا ..نظر كل فرد من الأسرة إلى الآخر في دهشة بالغة وعلى وجه كل واحد منهم سؤال هو هو ما يتردد لدى الجميع، بل هو هو ما يعلمه الشيخ دون أن يصرحوا له به: كيف لرب البيت أن يقرر ما قرر وهو أعلم أفراد البيت بأنه لا يوجد ما يمكن تقديمه لضيوف قادمين من بلاد بعيدة ومن دول أخرى ..؟ كما لا يصح أن يقدم لهم طعامًا لا يليق بالضيف ولا بالمضيف.
في ثبات وهدوء شديد سأل رب البيت أبناءه واحدًا واحدًا عما معه من نقود فلم يجد لديهم ما يفي بإطعام أربعة عشرة رجلًا ثم سأل زوجته التي كظمت غيظها وثورتها وأجابته بأنه يعلم البئر وغطاءه..
تركهم الشيخ في هدوء مندهشًا من فزعهم واستغرابهم لكنهم مكثوا يتساءلون فيما بينهم عما يجب فعله للخروج من هذه الورطة مستبعدين الاعتذار للضيوف وفي الوقت ذاته لابد من إقناع أبيهم بأنه لا يجوز له أن يدعوا للطعام ضيوفًا بهذا المستوى من الأهمية .علماء غرباء من من دول بعيدة دون أن يتأكد من وجود ما يمكن تقديمه لهم.. ظل هذا الجدل والحوار محتدمًا حتى حل الليل، ولم يصل أحدهم إلى مخرج ، فبات كل واحد منهم في حيرة من أمره..كيف لغد أن يمر وهذه الأزمة تأخذ بخناقهم، وكيف يستقبلون ضيوفا في بيت غير مستعد لذلك، وهل يمكن إقناع أبيهم بالاعتذار لهم ..؟
أصغر الأبناء قرر أن يصحو مبكرًا ليناقش أباه -الذي لا ينام بعد صلاة الفجر – فيما حدث وينقل له حالة القلق التي تعيشها والدته وأخوته بسبب هذا القرار، ويقترح عليه ما قد يمكن أن يعالج الأزمة .
فوجىء الفتى أن أباه لم يغير من عاداته اليومية ،بل لم يجده مستغرقًا في التفكير والقلق كما توقع ،وإنما وجده قد انتهى من قراءة الصحف كما تعود وبدأ في الاستماع إلى محطات الراديو التى يستمع إليها كل صباح ليقف على أحوال العالم وما استجد فيه .
جلس الفتى الصغير أمام أبيه الذي اندهش لاستيقاظه مبكرًا على غير عادته ، وربما تصور الاب الهادىء سبب استيقاظه وربما جالت في ذهنه تصورات الولد الصغير عما حدث ..وبينما يستعد الولد للحديث مع أبيه ويجتهد في اختيار كلماته التي يبدأ بها ويعاني حرج معاتبة أبيه في قرار يراه متسرعًا ..بينما كل هذا يعتمل في قلب الولد فوجىء برجل ريفي يرتدي جبة فاخرة ويمسك بديكين روميين كبيرين ويلقي السلام على أبيه ، وبمجرد أن رد الشيخ السلام على القادم ..قال له الريفي : لقد كسبنا القضية وجئت لأفي بالنذر وسلمه الديكين،فقال له : الشيخ تفضل لنتناول الإفطار معا ، إلا أن الرجل أبى معتذرًا بالقطار الذي يريد أن يلحقه، واختفى عن الأنظار .
قال الولد الذي تغير حاله وتغير اندهاشه إلى اندهاش جديد وفاجأته أسئلة غير التي كان ينوي طرحها ويناقشها: من هذا الرجل ؟
فقال أبوه لا أدري .
فقال الولد : ألا تعرفه يا أبي ..؟
فقال الشيخ : إنها المرة الأولى التى أراه فيها .
فقال الولد وقد بلغت به الدهشة مبلغا: أية قضية هذه التي كسبها؟
فقال الشيخ في ثقة : إنها قضية اليقين
قال الولد منذ متى هذه القضية؟
قال الشيخ منذ زمن موغل في القدم لا أحد يستطيع حسابه.