والاحتفاء بكتاب الله (عز وجل) سنة حسنة
والنفس إن لم تشغلها بالحق شُغلت بالباطل
كتب عادل يحيى
خلال مشاركته احتفال نادي مستشاري وأعضاء النيابة الإدارية بحفظة القرآن الكريم في الموسم الثقافي ٢٠٢١/ ٢٠٢٢م، اليوم الاثنين ١٢/ ١٢/ ٢٠٢٢م بنادي مستشاري النيابة الإدارية، وتكريم حفظة القرآن الكريم من السادة مستشاري وأعضاء هيئة النيابة الإدارية وأسرهم، بحضور سيادة المستشار/ عدلي جاد رئيس هيئة النيابة الإدارية، وسيادة المستشار/ عبد الرؤوف موسى رئيس مجلس إدارة نادي مستشاري النيابة الإدارية، وأ.د/ أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية.
وفي كلمته رحب أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بالسادة الحضور شاكرًا لهم تلك السنة الحسنة التي استنها نادي النيابة الإدارية بتنسيق هذه المسابقة التي تأتي في عامها السادس، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة”، وأي سنة أفضل من خدمة كتاب الله (عز وجل)، كما شكر للسادة المستشارين والمستشارات على تلبية هذه الدعوة التي نحرص عليها جميعًا تشجيعًا لأهل القرآن.
مؤكدًا أن النفس إن لم تشغلها بالحق شُغلت بالباطل، والاحتفاء بكتاب الله (عز وجل) والأخلاق والقيم سنة حسنة وجزء أصيل في تربية النشء، وكان هارون الرشيد يقول لمعلم أبنائه أقرئهم القرآن فبه تعذب ألسنتهم، من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن ابتغى الهدى عن سبيله ضل عن سواء السبيل، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لم تلبث الجن إذ سمعته أن قالوا: “إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا”، وما أن سمع أحد الأعراب قول الله تعالى :”وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”، حتى انطلق قائلًا: أشهد أن هذا كلام رب العالمين لا يشبه كلام المخلوقين، وإلا فمن ذا الذي يأمر السماء أن تمنع نزول مائها فتمنع، ويأمر الأرض أن تبلع ماءها فتبلع، إنه رب العالمين ولا أحد سواه، وسمع الأصمعي فتاة فصيحة فقال لها: ما أفصحك!؟ قالت: أي فصاحة وأي بلاغة إلى جانب فصاحة وبلاغة كتاب الله (عز وجل)، وقد جمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين في قوله تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”، مشيرًا إلى كتاب (الكمال والجمال في القرآن الكريم) الذي أصدرته وزارة الأوقاف يبرز وجوه الجمال والكمال المعنوي والبلاغي في القرآن الكريم، فمن حيث الجمال المعنوي يحدثنا القرآن الكريم عن الصبر الجميل، والصفح الجميل، والسراح الجميل، والسعي الجميل، والعطاء الجميل، واللباس الجميل، وعن كثير من أوجه الجمال والكمال في حياتنا، وعن الهجر الجميل وهو الذي لا أذى معه ولا يقابل السيئة بالسيئة، بل يقابلها بالحسنة، كما تحدث القرآن الكريم عن السراح الجميل وهو الذي لا عضل فيه للمرأة، ولا ظلم لها، ولا بخس لها، ولا هضم لحقوقها، حيث يقول سبحانه: “وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا”، ويقول سبحانه: “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ”، فينبغي على كل من الزوجين أن يتذكر ما كان بينهما في سابق الأيام من عشرة وعهد وحسن خليقة، يقول سبحانه: “وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”.
كما أشار وزير الأوقاف إلى أن القرآن الكريم عنى عناية بالغة بترسيخ كل جوانب الجمال في حياتنا، فتحدث عن القول الحسن الجميل لكل الناس في قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، موحدين أم غير موحدين، وكل كلمة في القرآن الكريم ذكرًا أو حذفًا تقديمًا أو تأخيرًا إفرادًا أو جمعًا وقعت موقعها حيث يقتضي السياق ذكرها أو حذفها أو تقديمها أو تأخيرها، فما قدم لا يصلح مكانه التأخير وما أخر لا يصلح مكانه التقديم وما حذف لا يصلح مكانه الذكر وما ذكر لا يصلح مكانه الحذف إنه كلام رب العالمين.
وعن بلاغة الكلمة القرآنية ذكر وزير الأوقاف نموذجًا لها في قوله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ”، فلو فتشنا ونقبنا في اللغة العربية على طولها واتساعها، وحقولها الدلالية، فلن نجد كلمة واحدة تقوم مقام كلمة الإصلاح وتسد مسدها، فاليتيم قد يكون فقيرًا فيحتاج إلى الإطعام أو الكسوة أو المسكن أو نحو ذلك، فيكون الإصلاح لليتيم أن يقام على إطعامه أو كسوته أو توفير المسكن اللازم له، وقد يكون اليتيم غنيًّا فلا يحتاج إلى طعام أو كسوة أو مسكن، وإنما يحتاج إلى من يقوم على أمواله ويحافظ عليها ويستثمرها له، وقد يكون اليتيم غنيًّا وعنده من يقوم على رعايته واستثمار ماله وإنما يحتاج إلى الرحمة والحنو عليه، فيكون الإصلاح له بالرحمة والحنو عليه، والمعاملة الحسنة، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ مَسَحَ رَأْسَ الْيَتِيمِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ رَأْسِهِ حَسَنَةً”، وقد يحتاج اليتيم إلى التربية والتقويم والتعليم، فيكون الإصلاح تقويمًا وتهذيبًا وتربية.
كما ذكر معاليه أنموذجًا آخر لبلاغة الكلمة القرآنية، وذلك في قوله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ”، ويقول تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ”، فعند الحديث عن أهل جهنم جاءت كلمة “فُتِحَتْ” بدون واو، بينما جاءت في الحديث عن أهل الجنة “وَفُتِحَتْ” مسبوقة بالواو، قال بعض العلماء: إنها واو الحال، والمعنى: جاءوا الجنة والحال أنها مفتوحة أمامهم وهذا من إكرام الله تعالى لعباده المؤمنين، “جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ”، أما أهل جهنم فيأخذهم العذاب بغتة، وقال بعضهم: إن هذه الواو واو الثمانية، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تقول في العدد: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، فتأتي بالواو مع العدد الثامن، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، فنزل مراعيًا بعض لهجات القبائل، ولهذا نظائر منها قوله تعالى: “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ”، بدون واو في الموضعين: “وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن على لهجة من يأتي بالواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التوبة: “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ”، فجاءت الواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التحريم: “عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا”، فذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن، وهي مع هذا تفيد التنويع؛ لأن النساء إما ثيباتٍ وإما أبكارًا، ولا مانع أن تفيد التنويع مع واو الثمانية أيضًا، لذا قالوا الواو في “فتحت” تفيد المعنيين الثمانية والحالية، فما دلالة أن جعل الله أبواب جهنم سبعة أبواب وأبواب الجنة ثمانية أبواب؟ قال بعض أهل العلم هذا دليل على أن رحمة الله أوسع من غضبه، اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”، يقول أهل العلم إذا كان هذا هو خطاب الله (عز وجل) لعباده الذين أسرفوا على أنفسهم فما بالكم بخطابه لعباده المؤمنين، وهذا دليل على أن رحمة الله (عز وجل) أوسع من غضبه، لذا عد أهل العلم أن اليأس والتيئيس من الكبائر، فحديث القرآن مفعم بالأمل، وعلينا أن نتعلم ذلك من قوله تعالى: “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا”.