كتب إبراهيم أحمد
عملت صفاء صالح، صحافية استقصائية مصرية.. في مصنع “معسل” وحصدت جائزة أفضل تحقيق صحفي في الوطن العربى عن تحقيق “بنات التبغ”
لا يوجد فرق في القدرات بين الصحفي العربي والأجنبي بصفة عامة
- كيف بدأ شغف الصحافة الاستقصائية لديك؟
كانت محطة بداية عملي الصحفي في قسم الشؤون العربية والدولية، حيث تمحور عملي في البداية حول الترجمة، ترجمة التقارير الهامة والدراسات الاستراتيجية حول الشرق الأوسط والدول العربية.
ثم حدثت حالة من الحراك في الشارع المصري خلال العامين 2005 و2006، جعلتني أشاهد المظاهرات والاحتجاجات، ورأيت أن هذه هي مرحلة التعبير عن الشارع وعن الحياة اليومية للبشر التي تجعلهم على وشك الانفجار، فقررت ترك قسم الشؤون الدولية بالجريدة التي كنت أعمل بها وانتقلت لقسم التحقيقات. ومنذ بدأت العمل ميدانياً وتغطية حوادث القطارات تارة وحوادث الفتنة الطائفية تارةً أخرى، بدأت أشعر أنني بحاجة للمزيد من العلم لأعبر عن المطحونين في وطني بطريقة أفضل، فلم أترك ورشة عمل ودورة تدريبية مع مؤسسة دولية تعمل في مصر إلا وانضممت لها، ومن ضمنها ورشات عمل مع رويترز، فري فويس، دوتشيه فيله، ومعهد التنوع الإعلامي البريطاني والذي كانت ورشة العمل ضمنه محطةً فارقة في اختياراتي للقصص التي أغطيها. وقد اهتمت الدورة التي نظمها المعهد بتغطية قصص المهمشين، وكنت من المتفوقين فيها؛ لذا تلقيت منحةً لمدة شهر، وتم استقبالي في المقر الرئيسي للمعهد في لندن، وهناك تعرفت أكثر على قضايا التنوع وكيفية تغطيتها، وهو ما أثر على اختياراتي فيما بعد بحيث تتوافق مع الحس الإنساني بداخلي.
- كيف ترين مهنة المحرر والمراسل الحربي؟ وما هي أبرز المحطات التي لن تُنسى بالنسبة لك؟
أرى أن مهنة المراسل الحربي هي إحدى أخطر المهن وأكثرها شجاعة وصدق مع الذات، فهو يجري خلف ما يحب وما يراه رسالة، ويعلم جيداً أنه ربما لن يعود وربما يدفع حياته أو يتعرض لإصابة بليغة مقابل هذا الشغف وتلك الرسالة.
لقد قمت بتغطية الحروب والنزاعات في ليبيا والعراق واليمن وسوريا وأفغانستان وأوكرانيا.
وشكلت التغطية في كل دولة تجربة مختلفة تماماً عن الأخرى، ومحطة محورية وإضافة بالنسبة لي، ولكن تجربتي مع “أخبار الآن” أضافت لي كثيراً عبر رحلتي العمل بأفغانستان وأوكرانيا اللتين مثلتا محطة رئيسية في حياتي المهنية انتقلت خلالها من التغطية الإقليمية إلى التغطية الدولية، وفي مناطق لا تجمعني بشعوبها لغة ولا عرق، لذا فقد مثلت هذه التجربة نقلةً نوعية بالنسبة لي.
- ما هي أبرز المواقف التي تعرضت لها أثناء التغطية الحية لحربي أفغانستان وأوكرانيا؟
أبرز المواقف في أفغانستان كانت اعتراض طريقي في بانشر وقندهار من بعض المسلحين من مقاتلي طالبان والذين لم تعجبهم رؤية امرأة مكشوفة الوجه وتختلط بالمقاتلين. وجه أحدهم السلاح إلى رأسي، وحاول الآخر جذبي خارج السيارة عنوة لتأديبي. وقد قمنا في “أخبار الآن” بتوثيق هذه التجربة.
وفي أوكرانيا، في البداية كان كل شيء صعب على الجبهة، فلا بنادق أو قنابل، فقط طائرة درونز تقف فوق الرؤوس ثم تضرب أو صاروخ من مئات الصواريخ اليومية، كانت حرب درونز وصواريخ لا تنفع معها مبادئ السلامة المهنية التي أدرِّسها في دوراتي للصحفيين الشباب
- برأيك كيف تؤثر هذه الحروب في تكوين أجيال قادرة على الصمود؟
للحروب وجوه كثيرة، ربما سيكون الجيل الخارج من تلك الحروب أكثر قدرة على الصمود ولكنه أيضا سيكون أكثر دموية وأكثر حزنا، وعديم الثقة بالعالم. وتجعل الحروب المستضعفين أكثر قوة ليتحدوا في وجه من ظلموهم، مثل ما يحدث الآن في أوكرانيا حيث رصدنا في “أخبار الآن” أن كل من ظلمتهم روسيا ودمرت أوطانهم وباتوا بلا وطن يتجمعون لمحاربتها في أوكرانيا.
- ما هي أبرز الجوائز التي حصدتها خلال مشوارك الصحفي؟
لقد حصدت خلال مشواري الصحفي 14 جائزة، أبرزهم جائزة الاتحاد الأوروبي باسم سمير قصير، وجائزة التميز الإعلامي من جامعة الدول العربية وجوائز نقابة الصحفيين المصرية.
- ما الفرق بين الصحفي العربي والأجنبي؟ وما هي العوامل التي تساعد في ترسيخ مهنة الصحافة الاستقصائية وتغطية الحروب لدى الصحفي؟
لا يوجد فرق في القدرات بين الصحفي العربي والأجنبي بصفة عامة، ولكن هي فروق شخصية بين صحفي متمكن وصحفي يريد أن يحصل على الشهرة سواء كان عربي أو أجنبي، فقط الصحفي الأجنبي ربما تكون كلماته مسموعة بشكل أوسع لأنه يكتب وينشر بالإنجليزية، ولكن الصحفي العربي في مناطق النزاع العربية أكثر قدرة على فهم المواقف وما خلف الصور وكواليس الأحداث.
- ماذا تستهدفين خلال الفترة القادمة وإلى أي حد تؤثر مهنتك على حياتك الشخصية والعائلية؟
أتمنى أن أصل إلى كل الأماكن التي يتواجد فيها المظلومون والمهمشون والجائعون.
بالنسبة لمهنتي فهي تؤثر كثيراً على حياتي الشخصية لأنني بكل بساطة اعتبرتها كل حياتي وهدفي الأسمى. وحينما كان علي الاختيار بين أن أكون أسرة صغيرة أو استمر فيما أفعل، اخترت الاستمرار في عملي ربما لأن الله جعل شغفي وحبي للحياة يكمن في ذلك أكثر من أي شيء. فلو أن عام مر عليَّ دون تغطية حرب أو السفر لمكان خطر يصيبني الاكتئاب وأشعر أن الحياة بلا طعم.
ولكني في نفس الوقت مرتبطة بعائلتي الكبيرة وهم مرتبطون بي جداً ويعوضوني كثيراً عن عدم وجود أسرة خاصة بي.
- حدثينا عن التحقيق الصحفي الذي حصد جائزة أفضل تحقيق صحفي بالوطن العربي؟
أنا من قرية في محافظة المنوفية، وفي تلك القرية والقرى المجاورة تعمل الفتيات من الطبقة تحت المتوسطة في المصانع بالمدن المجاورة ومنها مصانع التبغ “المعسل”. لاحظت أثناء سفري للقرية كل أسبوع عائدة من عملي في القاهرة أن الفتيات العاملات في المصانع دائما مصابات بالسعال ووجوههن مصفرَّة، وكنت وقتها في ورشة عمل تغطية قضايا التنوع والمهمشين، فاقترحت أن يكون تحقيق تخرجي من الورشة عن أولئك الفتيات.
وعندما ذهبت للسؤال عن أضرار العمل في هذه المصانع على صحة الفتيات، علمت في مركز البحوث العلمية أن لا أحد من الأطباء والباحثين يستطيع دخول هذه المصانع وأن صاحبها من أباطرة الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت ويستخدم نفوذه في منع التفتيش على المصانع.
فقررت أن أدخل المصنع كعاملة وبالفعل عملت في المصنع ورصدت أوضاع الفتيات الصحية والإنسانية، ومنح معهد التنوع الإعلامي البريطاني التحقيق جائزة أفضل تحقيق تم انتاجه وسافرت إلى لندن بسببه. كما قام المعهد بتدريس التحقيق في ورشات عمله بلبنان وشمال أفريقيا كتحقيق إنساني مثالي، ثم فاز بجائزة الاتحاد الأوروبي باسم سمير قصير عن أحسن تحقيق في الوطن العربي لعام 2010
- ما المميز في تجربتك الحالية مع أخبار الآن والذي يساعدك على إكمال مسيرتك بنجاح؟
تحرص القناة على دعم المبادرات الجديدة، خاصة مبادرات الشباب. وتفتح “أخبار الآن” الباب أمام كل فكرة إبداعية حتى لو كان صاحبها حديث التخرج وليس لديه خبرة، حيث تعطي الجميع الفرصة للحصول على هذه الخبرة في غرفة الأخبار بالقناة. كما أن حرص القناة على وجود أجيال مختلفة تتمازج فيما بينها يجعلني أستفيد من طاقة الشباب الجدد حولي وحماسهم بقدر استفادتهم من خبرتي ووجودي بينهم، بالإضافة إلى تقدير “أخبار الآن” لتاريخي المهني وثقتها في اختياراتي حين أطرح تغطية ملف أو منطقة، ما يجعلني أحلم كما أشاء وأرفرف بجناحي خارج أي صندوق.
- أيضا لديكِ شغف آخر بالسفر إلى المناطق الرمادية، ما هي أبرز المناطق الرمادية التي سافرتي لها؟ وما هو تعريف المنطقة الرمادية لديكِ؟
المنطقة الرمادية هي تلك المنطقة المليئة بالأحداث ولا تصلنا منها غير أرقام في وكالات الأنباء. أنا أحب أن أحول تلك الأرقام إلى قصص من لحم ودم، أذهب إليها وأبحث عن الإنسان، فعلى طرقات هذه المدن الرمادية تكمن الحقيقة، بينما تأتينا التصريحات من داخل المكاتب المغلقة بما يتيحه لنا المنتصر في تلك البلدان.