أما بعد..
وكنت أعرف أنني لست أكثر من مجرد وعاء..
أتيت الحياة فقط لأعبئ الجراح بداخلي وأرتبها-بعناية-واحدا فوق آخر..
مثل خابية لا تمتلئ..
وكأنني محض جماد لا يشعر..
أتيت لآخذ أحزانهم العريضة..
وأمنحهم قطعة من روحي بديلا عن كل حزن أنزعه منهم..
أتيت..
بلا ابتسامات، بلا فرح..
بلا وجه بشوش..
بلا رفاهية أن أبتسم، أن أمرح..
أن أعيش كالبقية..
لأن ما بداخلي هو تاريخ قديم من ألم..
لا سبيل لتغييره..
وذاكرة حمقاء لا تعرف كيف تستقدم النسيان وتستبقيه..
أعرف أن قلبي الغر وبؤسي لم يرقهم يوما..
لكن لا بأس، عليهم أن يتقبلوا الأمر قليلا..
فنحن لا نتناول المسكنات حبا، لكننا نلجأ إليها مضطرين..
وأنا لم أكن بالنسبة إليهم أكثر من هذا..
مجرد مسكن، يخبئ الوجع قليلا وفقط..
كنت أعرف أن أحدهم لم يفكر ولو مرة..
هل يجوز للمسكن أيضا أن يتألم، ولو على سبيل التجربة؟!..
ليختبر قدرة هؤلاء على على احتواء وجعه..
على العطاء لمرة..
هل يعرفون معنى أن تمنحهم، رغم أنك أكثر منهم حاجة..
أو أن تربت على كتفٍ-أنا هنا-رغم أنك أكثر منه وجعا..
أن تهذب ألما رغم أنك أعمق ألما من صاحبه..
أشد حزنا..
وأكبر حرمانا..
لكن للأسف..
هي عادة أن تكون دوما الفداء لكل شيء..
حتى تلك الندوب التي لم تصنعها..
والعثرات التي لم تتسبب بها..
أن تكون الحمل الزائد الذي عليه أن يلقى-تضحية-في بحر النسيان بلا اكتراث..
حتى ينجو من ألقاه من الأرق الليلي..
من وخز الضمير النائم..
من الندم..
ومن عبث الذاكرة، حين يمر عليها شريط ما اجتنوا من سواد ذات ليل..
لم يأبه أحدهم بألم المسكن..
ولم يحفلوا بجراحة الغضة..
كنت أعرف..
أني نضجت جدا..
لتلك الدرجة التي أذهب فيها إلى عرين الحزن طوعا..
دون خوف..
لأدله عليَّ إذا أخذه السهو فالتفت..
كنت أعرف أني نضجت جدا..
لدرجة أني كلما تجاوزت هزائمي، أقفلت عائدا إليها بلا خوف..
كأن الأمر لا يعنيني..
ألم أنضج؟!..
لكن الكارثة أن قلبي ما زال أعمى..
حيث يسقط كل مرة..
في براثن من يعشقون الرحيل..
ويكررونه مرات بلا عدد..
فيم اللوم إذن؟!..
ألأني حزنت ولا سند؟!..
انتهى..
أسفل الهامش..
بقلمي العابث..