طالعنا بوسائل الإعلام مقترح من عضو بمجلس النواب يطالب بحظر استقالة الأطباء إلا بعد مرور عشر سنوات من الخدمة وإلا يدفع ثلاثة أضعاف تكاليف ما تم صرفه على تعليمه من جانب الدولة، وذلك أسوة بضباط الشرطة!
.
نعلم جميعا تزايد حالات هجرة الأطباء للعمل خارج مصر، ونعلم أسبابها وحلولها، وكنا ننتظر من مجلس النواب أن يبادر بإقرار حلول حقيقية لها ويلزم الحكومة بها، ولكننا نفاجأ كل فترة بمقترح غير دستورى لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا.
.
ألا يعلم النائب أن مقترحه مخالف للدستور الذى أقسم على احترامه، وألا يعلم أن مقترحه “حال تطبيقه” سوف يزيد المشكلة تعقيدا بدلا من أن يحلها، ببساطة شديدة لأن الطبيب الذى يقرر السفر فلن تمنعه قوة من ذلك، فالطبيب قد يطلب إجازة بدون مرتب للعمل بالخارج لعدة سنوات لتحسين وضعه المادى ثم يعود، ولكن اذا تم رفض إجازته فسوف يستقيل، وإذا رفضت الإستقالة فسوف ينقطع عن العمل ويسافر وغالبا فلن يعود، فهل هذا ما يصبو إليه لحل المشكلة!؟
.
بالطبع كلنا كمصريين علينا ديون لبلدنا ولكن هذا ليس له علاقة بقيام الدولة بدفع مصاريف تعليمنا من عدمه، فبلدنا هى بمثابة الأم التى نعطيها بل ونفديها بأرواحنا حال الضرورة، ولكن عندما نتحدث عن ديون مستحقة على فئات محددة فالأمر هنا يحتاج لوقفة، لأن الحسابات تقول أن مصاريف دراسة الطب التى تتحملها الدولة بالجامعات الحكومية يتحمل مثلها أو يزيد طالب الطب فى شراء الكتب والمراجع والمستلزمات وتكاليف التدريب وغيرها الكثير.
.
أما الأمر المثير للدهشة فهو التحامل المتكرر على الأطباء فى أمور عديدة، وكأن الأطباء على وجه الخصوص يجب أن يستمروا فى العمل جبرا وبنفس الأجور المتدنية لأن هذا واجب عليهم لسداد الدين المحسوب، ولكن للأسف يتناسى البعض أن الطبيب هو إنسان لديه التزامات نحو أسرته وحياته، ويتجاهل البعض الآخر أن الدولة قد تحملت أيضا تكاليف تعليم الوزير والخفير والقاضى والضابط وموظف البنك وغيرهم، فان كانت هناك ديون محسوبة فهل يجب على الجميع دفعها أم أنها قاصرة على الأطباء!؟
والأكثر إثارة للدهشة أن هذا المقترح ليس به أى مطالبة بحل المشكلات المعروفة للجميع والتى تجبر الأطباء على ترك أسرهم وبلدهم والهجرة للخارج، ولا يوجد بالمقترح مطالبة مماثلة بمساواة الأطباء بأجور الفئات الأخرى التى تتقاضى أجورا حقيقية من الدولة، بل فقط يبقى وضع الأطباء المتدنى كما هو ويكتفى بطلب منعهم من الاستقالة!
.
فى النهاية نعلم جميعا ان تحسين الخدمة الطبية المقدمة للمواطن وتحسين أوضاع الأطباء هما وجهان لعملة واحدة، فلا يمكننا أن نتوقع تحسين الخدمة الطبية أو الحد من وتيرة الهجرة فى ظل نقص الإنفاق على الصحة وسوء بيئة العمل وضعف أجور الفريق الطبى والإعتداءات والتحريض المتكرر ضدهم ومحاسبتهم فى قضايا المهنة بموجب قانون العقوبات، بل وحتى التضييق عليهم فى عملهم الخاص بوضع معوقات لفتح العيادات وإقرار منظومة الفاتورة الضريبية الإلكترونية وغيرها من المشكلات المعروفة للقاصى والدانى، وفى المقابل نرى دول العالم الأخرى تفتح ذراعيها للطبيب المصرى وتقدم له كل التسهيلات للعمل بها لثقتها بمدى كفاءته وإخلاصه بالعمل.
.
فإن كنا نهدف فعلا لتحسين المنظومة الصحية وتقديم خدمة طبية تليق بالمواطن المصرى فإن مشكلات القطاع الصحى معروفة وحلول الخروج منها معروفة أيضا، وبالطبع ليس ضمن هذه الحلول وضع القيود غير الدستورية على الأطباء.
.