تحتل ارض سيناء مكانة خاصة في نفوس المصريين على مر العصور، وقد شهدت ارضها العديد من المعارك التي اجتازتها بجدارة. ومنذ عام 2014 وضعت القيادة السياسية خطة واضحة لتنمية سيناء بدأت بالقضاء على الإرهاب، وتعزيز التنمية المجتمعية للمواطنين، وتهيئة البنية التحتية وانشاء الشركات الوطنية لضخ الاستثمارات. وتحمل ارض سيناء العديد من المقومات التي تؤهلها لجذب الاستثمارات في عدد كبير من القطاعات كالزراعة والصناعة والسياحة والطاقة والتعدين والتجارة وغيرها، وتشهد المرحلة الحالية استمرار تنفيذ الاستراتيجية القومية للتنمية المتكاملة لشبة جزيرة سيناء والتي تتطلب التعاون والتنسيق بين كافة الأجهزة المعنية بالدولة بالإضافة لمشاركة القطاع الخاص ليبدأ عهد جديد من التطوير والتنمية.
من الأهمية بمکان أن نضع سيناء بمقدمة اهتماماتنا وعلى أولويات استراتيجية مصر للخروج من الوادى القديم الذى بدأ يضيق بزحام سکانه ، فسيناء مؤهلة للتخفيف من شدة هذا الزحام ، ومؤهلة لفتح الکثير من المجالات أمام شعب مصر لإقامة مجتمعات عمرانية وزراعية وتعدينية وصناعية وسياحية وتجارية ، کما أن قربها وتداخلها مع إقليم قناة السويس التى تعتبر شريانا حيويا من شرايين الإقتصاد والتجارة الدولية ، إن کل ذلک يستلزم علينا أن نجعل منها ملحمة بناء وجسر يعبر من خلاله الشعب المصرى إلى الأمن والرخاء ثم أتساءل : وماذا عن تنمية سيناء ؟
إن اهتمامنا شکليا بسيناء لم يتبعه أو يسبقه أى خطة جادة وفعالة لتنفيذ هذا المشروع القومى لصالح مصر وأمنها على أرض سيناء ، فبمجرد انتهاء المرحلة الثانية لانسحاب اسرائيل في ينايرعام 1980م انطلقت القيادة المصرية نحو تعمير الجزء الذي تم تحريره في سيناء وهو أکثر من65%من مساحة سيناء ، وبدأت مشروعات ربطه بوادي النيل والعمل علي تحويل سيناء الي منطقة إستراتيجية متکاملة تمثل درع مصر الشرقي
ومن أجل ذلک تمت اعادة تقسيم سيناء اداريا الي محافظتين بعد أن کانت محافظة واحدة فقسمت الي محافظة شمال سيناء ومحافظة جنوب سيناء فيما انضمت شريحة من سيناء شرق قناة السويس بعرض20 کيلو مترا الي محافظات القناة الثلاث بورسعيد والإسماعيلية والسويس و تأکيدا لارتباط سيناء بوادي النيل حيث لم تعد القناة تمثل حاجزا إداريا يعزل شبه جزيرة سيناء عن وادي النيل وبدأ تنفيذ العمليات الکبري لتحقيق الربط الجغرافي بين
وادي النيل وسيناء عبر قناة السويس، فأنشئ نفق الشهيد أحمد حمدي شمال السويس ليمر تحت القناة ويربط غربها بشرقها برا کما شقت ترعة السلام جنوب بورسعيد إلي سيناءلکي تروي بمياه النيل ما يقرب من نصف مليون فدان في شمال سيناء وفي إطار الخطة القومية لإعادة تعمير سيناء والتي تصل إلى ما يقرب من 25 عاما (1994- 2017) استکملت عملية الربط العضوي بإنشاء جسرين فوق القناة هما: الکوبري المعلق جنوب القنطرة وکوبري الفردان المتحرک للسکک الحديدية فضلا عن مد خط السکة الحديد بين الإسماعيلية ورفح ويبلغ طوله مسافة 217 کيلو مترا.
ورغم هذا الإهتمام الواضح والصريح من قمة النظام السياسى بمشروع سيناء القومى ، وإنفاق المليارات على البنية الأساسية وحفر ترعة السلام ، وغير ذلک مما سوف نتناوله بعد إلا أن المشروع مازال يعانى الکثير من التدهور والعثرات وتدنى معدلات الإنجاز رغم أهميته الإقتصادية والعمرانية والإجتماعية والعسکرية.
بعد نجاح تنفيذ عملية التنمية الشاملة في سيناء والتي استمرت منذ عام 2014 حتى عام 2022، وقيام الدولة بتنفيذ عدد من المشروعات التنموية، فإن الأمر يستلزم ضخ مزيد من الاستثمارات العامة، والخاصة لتسريع ،وتيرة التطويروالتنمية. ونظرا لخصوصية الوضع في سيناء والتي لها أهمية استراتيجية خاصة وتعد مسألة أمن قومي للبلاد بالدرجة الاولى،
فإن استمرار تنفيذ المخطط الأمني أمر هام لضمان تأمينها وتعزيز البعد الأمني بها، بما يؤدي إلى زيادة جاذبيتها للسكان وتوفير البيئة الآمنة المناسبة لجذب للاستثمارات الوطنية والأجنبية. وقد يتطلب ذلك تقديم مزيد من الحوافز يتم اضافتها للتشريعات الاقتصادية المتعلقة بتنمية سيناء لتعويض الوقت والإجراءات الإضافية اللازمة للوفاء بالاشتراطات الأمنية الخاصة بالمنطقة.
وكذلك هناك ضرورة لتقديم حوافز اجتماعية لزياد جذب السكان وتعزيز التنمية العمرانية وذلك من خلال التوسع في انشاء كافة الجهات الخدمية التي يحتاج إليها المواطنين وتأهلهم لقيادة العملية التنموية، فيتم التوسع في انشاء مدارس متطورة ومستشفيات ومراكز ثقافية ورياضية ودينية ومراكز تدريب وتأهيل لتطوير الصناعات المتطورة والحديثة جنب إلى جنب مع الصناعات التي يتميز بها المجتمع السيناوي؛ مثل المنتجات البيئية اليدوية والتي تسهم في خلق صورة ذهنية خاصة للمنطقة.
وتتعدد القطاعات الإنتاجية التي تتميز بها سيناء ويمكن أن تقوم عليها التنمية الاقتصادية بها؛ فبالنسبة لقطاع الصناعة فإن أرض سيناء غنية بالموارد الطبيعية التي يمكن أن تقام عليها قاعدة صناعية مثل الصناعات المعدنية والمحاجر، وصناعة الأسمدة ومواد البناء والرخام والصناعات الكيماوية والصناعات الغذائية والثروة السمكية وصناعة الاثاث المنزلي وتصنيع منتجات جريد النخيل وغيرها. ومع اهتمام الدولة بتوطين الصناعة المحلية يمكن التركيز على الصناعات التي تتوفر المواد الخام اللازمة لإنتاجها أو التي تستورد منها الدولة بنسبة كبيرة أو تلك الصناعات اللازمة للتصدير.
وبالنسبة لقطاع الزراعة؛ فتتوفر في سيناء الأراضي الزراعية وتشتهر بإنتاج بعض الحاصلات الزراعية مثل التمور والزيتون والتين، ومع الاهتمام بتطوير أساليب الزراعة فضلا عن التوسع في مشروعات توفير مصادر الري يمكن زيادة الإنتاجية، كما يمكن أن تقوم عليها بعض الصناعات الغذائية المتميزة.
وعلى مستوى قطاع السياحة، فتتعدد أنواع السياحة التي يمكن جذبها إلى أرض سيناء فبالإضافة لجاذبيتها للسياحة الشاطئية والترفيهية، فإن لها جاذبيتها الخاصة للسياحة الدينية خاصة في ظل اهتمام الدولة بمشروع إحياء مسار العائلة المقدسة، كما إنها تتميز بالمناطق الاثرية والتاريخية التي تجعلها جاذبة للسياحة الاثرية، فضلا عن جاذبيتها للسياحة العلاجية وسياحة المغامرات وسياحة المؤتمرات. وبصفة عامة فإن قطاع السياحة من القطاعات المحورية في التنمية الاقتصادية؛ إذ يتميز بعلاقته التشابكية وتعدد الروابط الامامية والخلفية مع عدد كبير من القطاعات الاقتصادية، فضلا عن إنه قطاع كثيف العمالة ويوفر دخل للبلاد من العملة الصعبة ويسهم في إعادة تشكيل الصورة الذهنية للدولة في الخارج. وفي هذا الإطار، يوصى بضرورة تشجيع السياحة من خلال تنفيذ برامج سياحية متميزة وتشغيل خطوط طيران مباشرة وبأسعار تنافسية.
وعلى صعيد قطاع الطاقة، فتتمتع سيناء بتوفر مصادر الطاقة المتجددة، ومع حرص الدولة على التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، فقد تم انشاء عدد من مشروعات الطاقة النظيفة والكهرباء في سيناء وعلى خليج السويس ومدن القناة مثل محطة أبو غرادق للطاقة الشمسية، ومشروعات نقل وتأمين الطاقة الكهربائية، ومحطة توليد كهرباء العريش. وتعد تلك المشروعات من المشروعات الجاذبة للقطاع الخاص وتتطلب رؤوس أموال ضخمة وبالإضافة لعائدها الاقتصادي فإن لها عائد بيئي كبير الأمر الذي يتطلب زيادة الحوافز المقدمة لمثل تلك المشروعات.
أما بالنسبة لقطاع التجارة، فإن الموقع المتميز لمنطقة شبة جزيرة سيناء، وقيام الدولة بالتوسع في انشاء الموانئ والمطارات ومشروعات الربط البري يمهد الطريق لتصدير منتجاتها المتميزة داخليا وخارجيا. وأخيرا وليس أخرا، فإنه يلاحظ قيام الدولة بإدراج منطقة شبة جزيرة سيناء ضمن خطط التنمية الوطنية، وتم تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية
وعدد من المشروعات في القطاعات الإنتاجية والخدمية، الأمر الذي يجعلها أحد أهم الأقاليم المصرية الجاذبة للسكان والاستثمارات لا سيما بعد انتصار الدولة في حربها ضد الإرهاب، ومع التوصية بضرورة تقديم حوافز اقتصادية واجتماعية خاصة بسيناء لتعميق مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية بسيناء سوف يبدأ عهد جديد من التطوير والتنمية.