من بين ملايين البشر وفى قلب مانهاتن بنيويورك أشارت لى متسولة أمريكية تعزف الجيتار,فى البداية ظننت أنها تقصد أحداً غيرى فنظرت خلفى فوجدت أن لا أحد يلتفت إليها من الملايين التى تملأ المكان.يبدو أن هذه المتسولة الأمريكانية الفنانة ظنت عندما رأتنى أنها قد وقعت على صيد ثمين،حيث كان يبدو من انبهارى بمانهاتن وشوارعها ومبانيها الشاهقة أنى ذلك القروى الساذج الذى بهرته أضواء المدينة.فكرت فى البداية أن أتجاهلها كما أفعل مع تلك الولية الشحاتة المصرية التى تطاردنى كلما ذهبت للعمل أو عدت منه والتى عندما أصابها الاحباط منى بدأت تتبع معى أسلوب تلقيح الكلام على أمل أن تستفزني،لكن لا حياة لمن تنادى ولم أرضخ يوماً لاستفزازها.شجعنى على الصمود أن مظهرها والموبايل الأبهة يؤكدان أنها تحترف التسول وليست محتاجة.
ورغم أنى توجست خيفة،لكن وبصراحة شديدة لعقدة الخواجة وكذلك لفضولى الصحفى اقتربت من الشحاتة الأمريكانية التى كانت تبدو فى العقد الرابع من عمرها وتقف بكل زينتها تعزف ألحاناً لا يلتفت إليها أحد.
توقفت أمامها دون أن أسألها مباشرة عما تريده منى فقالت عبارة قال لى جوجل ترجمة إنها تشعر أنى شرقى الملامح لذا تريد أن تخصنى بعزف أوبرا عايدة!!.
فقلت لنفسي:أوبرا عايدة إيه بس يا شيخة تكونيش فاكرانى عمر خيرت مثلا، عموما «بلاى آنذر جيم» أى إلعبى غيرها،ويبدو أن شعرت بما أفكر فيه حيث قالت: «ول يو نوت اورينتال جنتلمان فورس ماى مايند آند ليسن تو زس ميلودى ذات آيام بيلينج اسبيشيلى فور يو؟»
أخرجت الموبايل من جيبى بسرعة ووضعت العبارة التى قالتها على جوجل ترجمة فوجدت ترجمتها: ألا تجبر بخاطرى أيها الشرقى الجنتلمان وفقط تسمع منى هذا اللحن الذى أعزفه خصيصاً لك؟ فقلت: لا بقى لو على الجنتلة فأنا كلى آذان صاغية اعزفى ما بدا لك أوبرا عايدة بحيرة البجع بس وحياة أبوكى مش لازم اللحن كله كفاية مازورة ولا مازورتين، فانبهرت وقالت او ماى جاد يو نو الموسيقار موتزارت؟ فقلت متأففاً وبعدين بقى فى اليوم اللى مش عايز يعدى ده؟!
فابتسمت واعتذرت وبدأت تعزف وانتهت فى خمس دقائق من لحن لا يمت بأى صلة لا لعايدة ولا حتى فتحية،فشكرتها وهممت بالرحيل فمدت يدها بما معناه أنها تريد مساعدة،،فقلت لنفسى ياواد زى بعضه اديها دولار بحاله، أهو مش خسارة فيها وكفاية ان الولية مقدرة شرقيتى وكمان واقفة متبهدلة فى قلب مانهاتن.
لكنها نظرت للدولار باحتقار شديد وقالت: آت ليست فايف دولار، تقصد على الأقل خمسة دولارات. قلت لها: الظاهر إنك اتجننتى، فاستعطفتنى باكية: ارجوك ساعدنى بخمسة دولار أنا بقالى أسبوع بحاله مأكلتش ساندويتش كريم تشيز وذ هاني، (قال جوجل ترجمة أنها جبنة كريمى أو بالبلدى تقصد قشطة بالعسل)، قلتلها: ياولية بليز انتى بقى حلى عن سماياى أنا بقالى سنة ماكلتش قشطة بالعسل ولو سمحتى هاتى الدولار ده كمان خسارة فيكي!
وهنا وكما فى الأفلام فوجئت بالولية الشحاتة تقول بالعربى البلدي: مكانش العشم يا استاذ هشام!! كاد أن يغمى عليّ من هول المفاجأة حيث كان الصوت هو نفس صوت الولية الشحاتة المصرية التى خلعت فى هذه اللحظة الباروكة الأمريكانى وأزالت الميك اب الخواجاتى وسألتنى مندهشة: بتعمل إيه هنا يا استاذ؟ فسألتها وأنا أكثر دهشة: يخرب بيتك، أنا اللى باعمل ايه هنا ولا انتي؟ فقالت: أنا بصراحة كنت جاية سياحة لكن زهقت من الفسح وقلت يابت اشتغلى لميلك دولارين ينفعوا العيال!!.
لم أصدق أذناى وهممت بالرحيل وأنا أضرب كفاً بكف لكنها استوقفتنى قائلة بثقة:لا ياراجل مايصحش انت فى منطقتى ولازم أعمل معاك واجب،استنانى هنا بس على جنب أخلص نبطشيتى واعزمك على ماكدونالدز اللى فى التايم سكوير تلاقيك على لحم بطنك من الصبح،فقلت لها: بس أنا مش عايز ماكدونالدز ،فسألتني:اومال عايز إيه؟،قلت:عايز ساندويتش كريم تشيز بالهاني!!